Beirut weather 21.41 ° C
تاريخ النشر September 8, 2016
A A A
«الإبداع» في الشّتائم السّياسيّة عبر التّاريخ
الكاتب: نقلاً عن السفير

سلّطت الشّتيمة الّتي وجهها الرّئيس الفيليبيني رودريغو دوتيرتي للرّئيس الأميركيّ باراك أوباما، أمس الأوّل، الضّوء على تاريخ الشتائم في عالم السّياسة، بما في ذلك الإهانات واللّغة الدّيبلوماسيّة غير اللّائقة.

دوتيرتي ليس أوّل رئيسٍ يُطلق الشّتائم على زملائه، و «ابن العاهرة» أوباما ليس أوّل سياسيّ يتلقّى الشّتائم. فالسّباب، واللّغة السّوقيّة المتدنّية كانت تُستخدم من قبل السّاسة، زعماء الدّول والأمم، وكذلك الشّخصيّات العامّة الّتي تمثّل الدّول مذ ابتكر اليونانيّون الدّيموقراطيّة.

5a476bdc-697b-43d1-bc10-a62a747da52a

في الجزء الأوّل من مسرحيّة «هنري الرّابع» لشكسبير، يصف فالستاف الثّمل أمير ويلز الشّاب، الملك المستقبلي لإنكلترا، بـ «قضيب الثّور». هنري لا يسكت عن الشّتيمة، يردّها إليه قائلاً «أيّها الرّجل السّمين ابن العاهرة». تلك الصّفة الّتي أعاد دوتيرتي استخدامها بعد 600 عام.

في التّاريخ المعاصر، لم تتغيّر الأحوال كثيراً. الرّئيس الأميركيّ الحاليّ أصبح معتاداً على تلقّي الشّتائم: المسلم المتخفّي، النّمر الأسود، مزوّر وفاة زعيم «القاعدة» السّابق أسامة بن لادن، مموّل حملته الانتخابيّة بأموال المخدّرات. حتّى أنّ الإهانات وصلت إلى حدّ توزيع ملابس تحمل صور أوباما وكُتب عليها: «في مكانٍ ما في كينيا (أوباما كينيّ الأصلّ وهو من مواليد تلك البلد)، قريةٌ ينقصها مغفّل».

لكنّ أوباما يعرف كيف يردّ الصّاع صاعين. في العام 2008 كان الصّراع بينه وبين منافسته الدّيموقراطيّة للرّئاسة هيلاري كلينتون على أوجه. تخللّه كثيرٌ من الشّتائم والهجوم على المستويين السّياسي والشّخصيّ. هذا العامّ، تغيّرت لهجة أوباما، وأصبح من أبرز الدّاعمين للمرشّحة الدّيموقراطيّة في وجه منافسها الجمهوريّ دونالد ترامب. هذا الأخير، تعرّض لوابلٍ من التّقريع على يدي أوباما. «أعتقد أنّ ترامب لا يصلح كي يخدم كرئيس»، قال أوباما الشّهر الماضي، مضيفاً «لا يبدو أنّه يملك المعرفة الأساسيّة لكيفيّة التّعامل مع المسائل الدّقيقة، إنّه غير جاهز لهذه المهنة بطريقةٍ يُرثى لها».

هذا التّشكيك في الكفاءة يرجع إلى عهد الرّئيس الأميركيّ السّابق جورج بوش الأب. في العام 1992 وصف بوش الأب منافسَيه الدّيموقراطيّين بيل كلينتون وآل غور بـ «الأحمقين». إلا أنّه على الرّغم من اللّغة التّسعينيّة المتدنّية، بعض المعلّقين الأميركيّين يرى أنّ هجوم ترامب على منافسته الدّيموقراطيّة وووصفها بالكاذبة أوصل لهجة حملة الانتخابات الأميركيّة إلى مستوى غير مسبوق.
سياسيّو أوروبا، بدورهم، على استعدادٍ لتخفيض مستوى اللياقة في لغتهم عندما يتطلّب الأمر ذلك. وزير خارجيّة بريطانيا بوريس جونسون أحدهم. في شهر أيّار الماضي، وضع بوريس بصمته الخاصّة في «عالم الإهانات»، عندما تهكّم، عبر قصيدة من خمسة أبيات، على الرّئيس التركي رجب طيّب اردوغان. يومها، لم يكن جونسون قد أصبح بعد وزيراً للخارجيّة، لكنّه كان أحد المرشّحين المحتملين لنيل منصب أكثر أهمية: رئاسة الوزراء.

وقد تمحورت قصيدة بوريس، خلال لقاءٍ مع مجلّةٍ أسبوعيّة سويسريّة، حول ممارسة اردوغان الجنس مع عنزة. وفاز على إثرها بجائزةٍ قدرُها ألف جنيه إسترليني، متفوّقاً بذلك على عشرات القصائد الّتي تقدّمت للمنافسة على الجائزة.

وفي العام 2009، أهان الرّئيس الفرنسيّ السّابق فرنسوا هولاند ثلاثة حلفاء في حفلة غداء واحدة. قال لنظيره الأميركيّ باراك أوباما إنّه «لا يصل دائماً إلى مستوى صنع القرارات أو الكفاءة»، ولرئيس الوزراء الإسبانيّ السّابق خوسيه لويس رودريغيز ثباتيرو إنّه «لا يتمتّع بالذّكاء بما فيه الكفاية»، وللمستشارة الألمانيّة أنجيلا ميركل بأنّها «لا تتمكّن من فهم الأزمة الماليّة العالميّة».

وغالباً ما أدّت المنافسات الوطنيّة عبر التّاريخ بين زعماء العالم إلى استخدام لغة غير محترمة. الزّعيم الفرنسيّ نابليون بونابرت أحد هؤلاء. في إحدى المرّات وصف بونابرت الإنكليز بأنّهم «أمّة أصحاب المحالّ التّجاريّة». أمّا الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك فقال عن الإنكليز «لا يُمكن أن تأمن لأشخاص طبخهم سيّئ إلى هذا الحدّ، الشيء الوحيد الّذي فعله الإنكليز لأوروبا هو مرض جنون البقر».

التّمييز على أساس الجنس هو إحدى أبرز وسائل التّقريع الّتي يستخدمها رجال السّياسة كذلك. عندما اتّهمت عضو «حزب العمّال البريطاني» السّابقة بيسي برادوك رئيس الوزراء آنذك ونستون تشرشل بأنّه ثملٌ في مجلس العموم البريطانيّ، ردّ تشرشل على برادوك بالقول «عزيزتي، أنتِ قبيحة، بل أكثر، أنتِ قبيحة إلى درجةٍ مقرفة. لكن غداً، سأكون رصيناً، لكنّكِ ستبقين قبيحة بطريقةٍ لافتة». أمّا الكاتب البريطانيّ كليمنت فرويد، فشبّه، بعد سنوات، رئيسة وزراء بريطانيا السّابقة مارغريت تاتشر بـ «الدّجاجة أتيلا».
كلّ من يعتقد أنّ الإهانات السّياسيّة اختراعٌ آنيّ، عليه العودة قليلاً إلى الوراء، وتحديداً إلى القرن التّاسع عشر لدراسة حقبة رئيسٍ نُعت بـ«الكاذب، المغتصب، اللّصّ، الوحش، شاهد الزّور، الجاهل، المحتال، الطّاغية، الشّيطان، الجبان، المهرّج، الجزّار، لصّ اللّيل». هو الرّئيس الأميركيّ السّابق أبراهام لينكولن.
***

(«السّفير»، «الغارديان»)

8f7a8b6a-03d6-4c00-9c2a-2ee9ac9e2b4b
وزير خارجيّة بريطانيا بوريس جونسون كتب قصيدةً ساخرة عن أردوغان.