Beirut weather 16.88 ° C
تاريخ النشر February 16, 2020
A A A
الأنظار تتجه لعمل الحكومة الجدّي بعد فضائح تهريب مليارات الدولارات للخارج
الكاتب: حسن سلامه - الديار

بعد حصول حكومة حسان دياب على ثقة مجلس النواب، تتجه الأنظار لمرحلة الفعل الجدي من جانب الحكومة لإخراج البلاد من واقع الانهيار القائم، وعدم الذهاب نحو تقطيع الوقت بحلول جزئية من هنا وشكلية من هناك. يبقى السؤال المركزي والاساس، هل ستتجه الحكومة في عملها نحو إجراءات جدية لا تعيد انتاج نفس السياسات السابقة، وما أفرزته من تداعيات خطيرة على الوضع الداخلي؟

واقع الحال الذي اتضح من خلال مجريات البيان الوزاري للحكومة – كما يقول خبير اقتصادي – مالي بارز – انه لا يتناسب مع حاجة البلاد الضرورية لاطلاق عملية الخروج من الازمة، بل ان كل ما هو مطروح في البيان الوزاري ليس اكثر من تكرار منفتح لما كانت عليه سياسات الحكومات السابقة نقدياً ومالياً واقتصادياً، ولو أن هناك امكانية امام الحكومة خلال الخطوات التنفيذية تصحيح الخلل في الاجراءات المختلفة، خاصة على المستويين المالي والنقدي، ولو ان كلمة رئيس الحكومة حسان دياب امام الجلسة العامة امس تضمنت الكثير من الاجراءات الجيدة والايجابية.

ولذلك لا يبدي الخبير المذكور تفاؤلاً بنسبة كبيرة على قدرة الحكومة من اتخاذ اجراءات جذرية تتيح الخروج من المأزق القائم، طالما ان لا وجود لرؤية شاملة متفق عليها، من جهة، وليس هناك من رغبة من جانب القوى السياسية المعارضة لتسهيل عمل الحكومة، خاصة على المستوى النقدي، وما حصل ويحصل من محاولات للتغطية على عمليات تهريب الاموال التي لجأ اليها عدد من المصارف واطراف نافذة في السلطة من سياسيين ومن الذين جمعوا ثروات بالسمسرات والصفقات، ومن هنا يتحدث الخبير المالي عن مشاكل اساسية تواجه الحكومة منذ الان وحتى أسابيع قليلة وعلى قدرة الحكومة بمعالجتها سيتوقف مدى جدية الاجراءات الاخرى بما خصّ معالجة الوضعين النقدي والمالي.

وعلى هذا الاساس، فالانطلاق نحو المعالجات لمسألة الملف النقدي وفقدان السيولة بالدولار مدخله الاتي:

– اولاً: خروج لجنة التحقيق الخاصة بتقرير واضح نهاية الشهر الحالي حول طبيعة الاموال التي جرى تهريبها للخارج من جانب المصارف الخمسة التي تحدث عنها الرئيس نبيه بري واخرون، ومعها عمليات تحويل اموال ضخمة بالدولار من قبل سياسيين ومتنفذين الى الخارج، من سويسرا، الى لوكسمبورغ وبريطانيا وجزر المالديف ودول اخرى ليس فقط منذ تشرين الاول الماضي، بل من بداية العام الحالي، والتي تقدر بمبالغ ضخمة من مليارات الدولارات حيث هناك معلومات متضاربة حول كمية هذه المبالغ من 3.5 مليار دولارالى اخرين يتحدثون عن مبالغ اكبر بكثير من هذا الرقم، وبالتالي، فهل تتوصل هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان بكشف الحقائق والوقائع حول المصارف والجهات التي هرّبت كميات ضخمة من الاموال الى الخارج، أم تتدخل السياسة من جانب نافذين كبار للحؤول دون خروج اللجنة بتقرير يحدد بشفافية الذين هرّبوا الاموال بالأسماء والارقام، خصوصا ان هناك تدخلات من سياسيين كبار داخليا وخارجيا لمنع كشف كل الحقائق عن عمليات تهريب الاموال، في وقت لا يستبعد تعرض بعض المعنيين في لجنة التحقيق لضغوط كبيرة من هؤلاء السياسيين لعدم الوصول الى تقرير واضح حول ما حصل على مستوى تهريب مليارات الدولارات، كما ان هناك جهات داخلية مؤثرة لها ارتباطات مع جهات دولية نافذة في الولايات المتحدة وغيرها تضغط حتى لا يحصل تعاون من الجهات الدولية المعنية بموضوع تهريب الاموال، فيما يتحدث الخبير المالي ان لبنان عبر حكومته أو مصرف لبنان لم يتقدموا بطلبات محددة الى سويسرا او غيرها من الدول للتعاون في سبيل الكشف عن الذين عمدوا الى تهريب اموالهم منذ بداية العام الحالي وحتى الامس القريب، حيث ان المسألة التي تدور حولها شبهات غير بريئة تتعلق بتهريب مئات ملايين الدولارات خلال اقفال المصارف امام زبائنها لمدة اسبوعين، فيما جرى بسرية تامة عمليات التهريب لنافذين لبنانيين.

– ثانياً: الاخطر بما حصل من عمليات تهريب انها جاءت بناء على نصائح تصل الى حدود الصفقة بين بعض الذين هرّبوا اموالهم وجهات دولية، بدءاً من الخارجية الاميركية لتسريع الانهيار، في ضوء ما كان قائماً من انسداد الافق لكل المعالجات منذ تشكيل حكومة الرئيس سعد الحريري الاخيرة، ومحاولات أميركية ودولية أخرى بالتكامل والاتفاق مع جهات لبنانية مصرفية وسياسية لدفع لبنان للاخذ بوصفات وشروط صندوق النقد الدولي بما خص الخطوات المطلوبة للخروج من المأزق القائم، وهي رهن ليس فقط مالية لبنان لما يقرره القائمون على صندوق النقد، بل وضع لبنان بما يشبه الوصاية لصندوق النقد الدولي، مع كل ما قد ينتج عن ذلك لاحقا لابتزاز لبنان وحكومته للسير بالشروط الاميركية حول مسألة ترسيم الحدود البحرية والبرية مع كيان العدو الاسرائىلي الى عناوين اخرى داخلية لا تقلّ خطورة عن تنازل لبنان عن حقوقه في البلوكين رقم 9 و8 من المياه الاقليمية اللبنانية.

وما حصل منذ استقالة رئىس الحكومة السابق سعد الحريري حتى اليوم يظهر بوضوح مدى الضغوط والابتزاز الذي يتعرض له لبنان من بعض مواقع القرار الدولية الساعية نحو مزيد من الانهيار في لبنان طالما ان موقف لبنان يرفض التنازل عن حقوقه وبالاساس محاولة حصار المقاومة والذين يشاركون فيها او من الداعمين لها.

وقد عمل وما زال اولئك العاملون لإضعاف لبنان من واشنطن الى الرياض ودول اخرى لمزيد من افقار الشعب اللبناني بالتوازي مع الدفع نحو مزيد من الانهيار المالي والنقدي والاقتصادي سعيا لرضوخ لبنان وقواه المختلفة للطروحات والشروط الاميركية من ترسيم الحدود الى اخراج المقاومة من معادلة التوازن الاستراتيجي مع العدو الاسرائىلي وبالتالي فإن مواجهة هذا المخطط المعدّ للبنان يفترض من الحكومة الجديدة ان تتحرك سريعا لاستعادة ولو جزء من ثقة المواطن عبر اجراءات سريعة وشفافة في الملفين النقدي والمالي.

ثالثا: ان اي تلكؤ ومن اي جهة معينة من الحكومة على مصرف لبنان والمصارف في إظهار حقيقة ما حصل من تهريب المليارات من الدولارات الى الخارج سيفاقم من مخاطر الثقة المفقودة بين المواطن ودولته وذلك باجراءات ملموسة تكشف بوضوح بالاسماء والارقام الذين هربوا اموالاً للخارج وضرورة اعادة هؤلاء ما هربوه من اموال حتى ولو كان القانون يسمح بذلك وغير ذلك فأي اجراءات تشرّعن سقوف بسيطة للمودعين الصغار لا تساوي بين اللبنانيين.

ويشير الخبير المالي الاقتصادي في هذا السياق الى وجود ضغوط كبيرة من جهات داخلية وخارجية لمنع الكشف عن عمليات تهريب الاموال خصوصا ان جزءاً كبيراً من الذين قاموا بذلك تعمدوا هذا الفعل وبتوجيه من الاميركي وغيره بهدف تسريع الانهيار وافتعال ازمة نقدية حتى يضطر لبنان للقبول بوصفات صندوق النقد الدولي، حيث سيخضع عندها لبنان ليس للوصفات المالية والنقدية لهذا الصندوق بل للوصفات السياسية المتصلة بثوابت وطنية من ترسيم الحدود الى محاولة محاصرة المقاومة الى افساح المجال امام النازحين السوريين للانخراط في سوق العمل بصورة شرعية ما سيحول دون عودتهم الى بلدهم، خصوصا ان كل عمل صندوق النقد الدولي يتم وضعه من جانب وزارة الخزانة الاميركية.

من كل ذلك، يؤكد الخبير المالي ان بداية ثقة المواطن بحكومته ودولته منطلق كشف الحقائق عن عمليات تهريب الاموال الى الخارج وضبط ما يحصل من سرقات مبطنة من خلال ما جري من تلاعب غير مسبوق في سعر الليرة اللبنانية وعبر مافيات مترابطة من الصيارفة الى بعض القيمين على عدد من المصارف وجهات مالية معروفة ومعه ضبط الاستنسابية من جانب المصارف بالتعامل مع المودعين خاصة الصغار منهم على الرغم من اهمية ما يتم بحثه اليوم لتقرير الخطوات المطلوبة لمعالجة قضية اليوروبوند المستحقة مطلع الشهر المقبل وغير ذلك من اجراءات.