كتب غسان ريفي في “سفير الشمال”
هي حرب مصغرة شنها العدو الاسرائيلي بشكل مباغت على لبنان ليل أمس مستهدفا الضاحية الجنوبية لبيروت بأكثر من عشرين غارة بين تحذيرية وتدميرية وصولا إلى عين قانا في قضاء النبطية في عملية إستكمال للاعتداءات والخروقات المستمرة منذ إعلان وقف إطلاق النار في ٢٧ تشرين الثاني الفائت والتي تجاوزت الثلاثة آلاف خرقا في ظل صمت دولي مريب وغياب هو أقرب إلى التواطؤ من قبل لجنة مراقبة وقف إطلاق النار ورئيسها الجديد ورعاة الاتفاق الذين لا يحركون ساكنا.
في التوقيت، شنّت إسرائيل عدوانها على لبنان عشية عيد الأضحى المبارك هذه المناسبة الإسلامية المقدسة، تماما كما فعلت عشية عيد الفطر السعيد، وفي ذلك محاولة لقطع الطريق على فرحة الناس بالأعياد وضرب الاستقرار الأمني والاجتماعي، موجهة بذلك إساءة إلى الأمة الإسلامية جمعاء بعدم إحترام مناسباتها الدينية ومقدساتها.
في الجغرافيا، إستهدف العدو الصهيوني العاصمة بيروت من جانب ضاحيتها الجنوبية، ما يشكل إعتداءً صارخا على الدولة اللبنانية وإنتهاكا لسيادتها، وضربا لهيبتها، وتأكيدا من قبل العدو أنه لا يعترف بأي إتفاق لوقف إطلاق النار، ولا بمواثيق وأعراف دولية، ولا بلجنة مراقبة دولية ولا بلجنة خماسية ولا يقيم وزنا لأميركا وفرنسا المفترض بهما رعاية الاتفاق والإشراف على حسن تطبيقه.
في الأهداف، سعي رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو الى إستمرار الحرب وإقناع الداخل الاسرائيلي بأنه ما يزال في صلب المواجهات للهروب إلى الأمام من الأزمات التي تحاصره بدءا من القضاء وإتهامات الفساد، مرورا بضغط أهالي الأسرى والمعارضة الذين يطالبون بإسقاطه، وصولا إلى ما استجد من أزمات على صعيد الحريديم وإسقاط الكنيست الاسرائيلي.
بالأمس بلغت العربدة والعدوانية الاسرائيلية مداهما، خصوصا أن الدولة اللبنانية أبلغت الدوائر الأميركية وعبر لجنة المراقبة الدولية بأنها مستعدة من خلال الجيش اللبناني للكشف على المباني المهددة بالقصف والتأكد مما تحتويه، وبالفعل أرسلت قوة من الجيش إلى مبنيين في الضاحية كمبادرة حسن نية وتم التأكد من خلوهما من أية أسلحة أو متفجرات، لكن العدو إستهدف أحد المباني بغارة تحذيرية خلال تواجد الجيش فيه، ثم بعد ذلك بدأت بقصف المباني الثمانية بصواريخ خارقة للتحصينات ودمرتها بالكامل، ولم يصدر من تلك المباني أية إنفجارات إرتدادية ما يؤكد خلوها من أية مواد متفجرة أو أسلحة وصواريخ، ويُظهر في الوقت نفسه كذب إدعاءات العدو الاسرائيلي الذي أراد من عدوانه الموسع تحقيق عدة أمور أبرزها:
أولا: ضرب بيئة المقاومة وإرباكها ومنعها من الشعور بالأمان والاستقرار في واحدة من أقدس الليالي وهي ليلة عيد الأضحى المبارك بهدف تأليبها على المقاومة، وقد فشل العدو مجددا في ذلك حيث أكد أبناء الضاحية صمودهم وبقاءهم على إلتزامهم ووفائهم للمقاومة ولنهج السيد الشهيد حسن نصرالله.
ثانيا: محاولة إستدراج حزب الله إلى الرد لشن حرب عدوانية ثانية على لبنان، وإستهداف المنصات التي تطلق منها الصواريخ، خصوصا في ظل المعلومات الأكيدة أن المقاومة بدأت تستعيد عافيتها على كل الأصعدة.
ثالثا: الضغط على الدولة اللبنانية ودفعها إلى الاصطدام مع حزب الله بشأن سحب السلاح.
رابعا: التحضير إلى ما بعد مرحلة أورتاغوس في ظل الحديث المتنامي عن أن إنهاء مهمتها في لبنان كان إنتصارا لفريق ستيف ويتكوف الذي يدعو إلى عدم التسرع والتعامل بكثير من التروي مع لبنان بشأن السلاح خوفا من توترات لن تكون في مصلحة أحد على عكس فريق أورتاغوس الذي يصر على سحب السلاح تحت النيران الاسرائيلية باعتبار أن الفرصة ذهبية لاتمام هذا الأمر.
خامسا: ضرب مشهد التعافي اللبناني وتوحيد رؤية الرؤساء الثلاثة باتجاه تحقيق الانسحاب الإسرائيلي ووقف الاعتداءات وتطبيق القرار ١٧٠١ وإطلاق الأسرى ومن ثم البحث في ملف السلاح، ولعل لقاء السراي بين الرئيس نواف سلام وكتلة الوفاء للمقاومة وما نتج عنه من توافق قد ساء العدو الاسرائيلي فأراد قلب الطاولة.
سادسا: منع إعادة الإعمار لا سيما بعد الخطوات العملية التي إتخذتها الدولة اللبنانية حياله.
سابعا: كسر العدو الإسرائيلي لكل قواعد اللعبة، ومحاولته فرض إرادته والإيحاء للشارع الصهيوني أنه المنتصر والقادر على حمايته من الخطر الآتي من لبنان، علما أن أكثرية المستوطنين ما زالوا يرفضون العودة إلى شمال فلسطين المحتلة خوفا من ردات فعل المقاومة.
العدوان الاسرائيلي الموسع أدى إلى تأكيد المؤكد لجهة أن العدو لا يحتاج إلى ذرائع بل هو يخلقها ويعمل بموجبها، وبالتالي فإن سحب السلاح وعدمه هو بالنسبة للعدو سيان في ظل سياسته التوسعية والعدوانية، ما ساهم في توحيد الموقفين الرسمي والوطني في الإدانة والشجب ودعوة المجتمع الدولي وكل المعنيين إلى تحمل مسؤولياتهم، الأمر الذي يمكن التأسيس عليه لاحقا.
ولعل الموقف الأبرز كان لرئيس الجمهورية العماد جوزاف عون الذي رفع السقف، مؤكدا أن “لبنان لن يرضخ”، ومعتبرا أن “العدوان هو إستباحة سافرة للاتفاق الدولي، وأن العدو يوجّه رسالة إلى أميركا عبر صندوق بريد بيروت”، ويبدو واضحا أن موقف الرئيس عون مبني على معطيات، وخصوصا كلام الرئيس الأميركي دونالد ترامب قبل أيام بأن “الزمن هو زمن طاولة المفاوضات، وليس زمن الصواريخ والمسيرات والقذائف”، فضلا عن إجراءات ترامب بإقالة أورتاغوس وعدد من الموالين للكيان الصهيوني في إدارته، فهل قصد الرئيس عون أن من بين الرسائل العدوانية الاسرائيلية على لبنان بالأمس، رسالة جوابية من نتنياهو على كلام وإجراءات ترامب؟!..