Beirut weather 14.1 ° C
تاريخ النشر September 29, 2021
A A A
الأزمة تُهجّر الاختصاصيين وتُعطّل الإنتاج… ولا تُبقي في البلد إلّا الفقراء
الكاتب: جويل الفغالي - نداء الوطن

قد يكون السؤال الأكثر تداولاً بين الشباب اليوم هو: “شو بعدك هون؟ مش عم تفكّر تسافر للخارج وتؤمن مستقبلك”. فتدهور الوضع الاقتصادي، وارتفاع نسبة البطالة، وإقفال المؤسسات كلها عوامل تدفع لموجة “هجرة ثالثة”، من شأنها أن تغير معالم البلد إلى الأبد. فبماذا تمتاز هذه الهجرة عن غيرها؟

يشهد لبنان بداية ثالث أكبر موجة هجرة جماعية، تأتي كواحدة من تداعيات الأزمة الاقتصادية الأسوأ في تاريخه، وفق ما يؤكد البنك الدولي في تقاريره. واذا قارنا الهجرة اليوم بسابقاتها، يمكننا القول إن أيام الحرب بين العامين 1975 و1990 كان اللبنانيون يهاجرون خوفاً من الوضع الأمني، أما اليوم فاتخذت الهجرة منظاراً آخر، فهي إما للبحث عن أمن غذائي أو طبابي أو تعليمي أو لايجاد فرصة عمل. بالمختصر اللبنانيون يبحثون عن أدنى حقوقهم الطبيعية.

يختصر فادي، معاناة الكثير من الشباب الذين آمنوا بوطنهم، واعتقدوا أنه سيأتي يوم وسيعيش المواطن اللبناني بكرامة في أرضه. ولكن جاء اليوم الذي أصبح فيه البحث عن المستقبل في الخارج أمراً حتمياً، ويقول: “منذ بدء الأزمة وأنا أحاول البحث عن عمل في الخارج، لأنني كنت مدركاً أن هذه الأزمة ستطول. وفور قبولي في الخارج، شعرت بأنني أنقذت نفسي، فرحلت بحثاً عن الحد الأدنى من مقومات الحياة الطبيعية، لأنه في لبنان حتى ولو أصبح راتبك عشرة آلاف دولار، فطوابير الذل لن تختفي، ولن أتمكن حتى من تأمين حبة دواء لأهلي”.

 

 

الهجرة بالأرقام

يشير الباحث في “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين الى أن “أعداد المهاجرين وصلت في الأعوام الثلاثة الأخيرة إلى حدود 117624 مهاجراً. وقد توزعوا بحسب السنوات على الشكل التالي: 33 ألف مهاجر في العام 2018، و66924 مهاجراً في العام 2019، و17700 مهاجر في العام 2020”. والملاحظ بحسب الأرقام أن أعداد المهاجرين انخفضت في العام 2020 عن العام 2019 بنسبة 73 في المئة، بعدما كانت قد ارتفعت في العام 2019 عن العام 2018 بنسبة 100 في المئة. “الفرق الشاسع يعكس نقصاً في الفرص لا في الراغبين”، يقول شمس الدين، “لأن الدول لم تعد تسهل معاملات الهجرة كما في السابق. هذا بالإضافة الى تراجع القدرة المادية للمواطن اللبناني التي من شأنها أن تساعده على الهجرة”. فعلى سبيل المثال، كان اللبناني يعمد في السابق إلى جمع الأموال وأخذ فيزا سياحية والسفر لمدة 3 أشهر بحثاً عن فرصة عمل. لكن في ظل تدهور القدرة الشرائية اليوم، لم يعد باستطاعته جمع مبالغ كما في السابق نظراً لشح الدولار. ويضيف شمس الدين، أن “65 في المئة من المهاجرين تتراوح أعمارهم بين 25 و40 سنة، كونهم في عمر الإنتاج، وليس لديهم أي فرص عمل في لبنان بعدما تخطت معدلات البطالة 40 في المئة. خسارة الشباب المنتج في هذه الفئة العمرية يصعب تعويضها بالنسبة للاقتصاد. وبذلك يخسر لبنان الكثير من الكفاءات قد تكون ضرورية لإعادة نهوض البلاد من الأزمة”. ولكن من جهة أخرى، يرى شمس الدين أنه “لولا أموال المغتربين المحولة لذويهم في لبنان، لما تمكنت معظم العائلات من الصمود في ظل هذه الأزمة”.

شمس الدين يؤكد أن “زيادة الطلب على جوازات السفر لا تعني ارتفاع معدلات الهجرة”، ففي الفترة الأخيرة، تشهد مراكز الأمن العام اللبناني إقبالاً كثيفاً للحصول على جوازات السفر أو تجديدها، ويفسر ذلك لعدة أسباب: فهناك 310 آلاف لبناني أمضوا الصيف في لبنان وجددوا جوازاتهم هنا لأن كلفتها أصبحت متدنية جداً مقارنة مع الخارج. إضافة إلى أن هدف البعض الآخر من الحصول على جوازات سفر كان “للإحتياط” خوفاً من الوضع الأمني وتحسباً للأسوأ. وآخرون عمدوا إلى تجديد جوازاتهم أو الاستحصال على جوازات جديدة خوفاً من إرتفاع تكلفة اصدارها”.

 

أسباب الهجرة

الى جانب وجود أزمة اقتصادية حادة ووضع سياسي ومؤسساتي غير مستقر يفسران زيادة الطلب على الهجرة، فان “ارتفاع اعداد الراغبين في ترك البلد جدياً في الآونة الأخيرة، وتحديداً بعد تفجير 4 آب من العام 2020 يسلط الضوء بحسب المستشار في التنمية وعضو “لقاء تشرين”، أديب نعمة، على سببين أساسيين: الأول يتعلق بتفاقم أزمة لها علاقة بحياة الناس اليومية التي تجعل حياتهم “لا تطاق”، مثل موضوع الكهرباء والمازوت والبنزين والدواء وتدهور القطاع التعليمي، ما يشكل موضوع طرد أساسي للمواطنين. والثاني يتعلق بشعور إنسداد الأفق بإمكانية التغيير والتقدم، وتحديداً بعد ثورة 17 تشرين. حيث تأمّل الكثير من الناس بإمكانية تغيير حياتهم نحو الأفضل”. ولكن يشدد نعمة على “ضرورة وجود أجهزة إحصاءات رسمية وتزويدها بالوسائل الضرورية للقيام بدراسات حقيقية ودقيقة”.

 

ظاهرة هجرة الادمغة

يصنّف لبنان في المرتبة 113 بين 144 دولة في العالم نسبة إلى ظاهرة هجرة الأدمغة، وهم الأطباء والمهندسون وأصحاب المهارات، والخريجون الجامعيون. الأمر الذي يؤدي إلى خسارة لبنان للموارد والمهارات البشرية. ولكن يشير شمس الدين الى أن “معظم الأطباء الذين غادروا لبنان في الفترة الأخيرة يحملون جنسية مزدوجة وعادوا ليستقروا في البلد الذي درسوا فيه”. وبرأي نعمه فان “رغبة الهجرة موجودة لدى الجميع بمن فيهم الفقراء، وليس فقط عند الأطباء والمهندسين وأصحاب المهارات. ولكن الطلب الكثيف عليهم وتوفر الإمكانية المادية لديهم، أدت الى تضخم هذه الظاهرة. وما يحصل اليوم هو تغيير جذري في التكوين الطبقي والإجتماعي، فالى جانب ارتفاع نسبة الفقر، نرى أن الطبقة المتوسطة استودعت لبنان. وهي في حالة تدهور شديدة تدفعها الى تغيير نمط حياتها، ليس فقط كمياً إنما نوعياً أيضاً، لتتحول بذلك مشكلة الفقر في لبنان الى مشكلة عامة تشمل الأغلبية الساحقة من الشعب اللبناني”.

الى متى سيبقى شباب لبنان ضحية انعدام مسؤولية من هم في موقع المسؤولية؟ والى متى ستبقى أمهات لبنان “قلبها محروق” على أولادها الذين غادروا وطنهم بحثاً عمن يقدّر مهاراتهم وشهاداتهم؟ والى متى سيبقى المسؤولون المعنيون بلا مسؤولية؟ ها هم الشباب إستسلموا وينتظرون أول فرصة للمغادرة، وليحكم الفاسدون أنفسهم.