Beirut weather 23.41 ° C
تاريخ النشر March 7, 2022
A A A
الأزمة المعيشية تضرب مجدّداً: من يضع حدّاً للمحتكرين؟
الكاتب: عبد الكافي الصمد - سفير الشمال

عادت الأزمة المعيشية إلى الواجهة مجدّداً، بعد ظنّ المواطنون لوهلة أنّ استقرار سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار في الآونة الأخيرة عند حدود 20 ألف ليرة، وتفرّغ الدولة والسّلطة والأحزاب والشّخصيات السّياسية لخوض الإنتخابات النيابية المقرّرة في 15 أيّار المقبل، سيلجم الأزمة ولو مؤقتاً.

لكنّ هذه الأزمة عادت إلى لبنان من باب آخر، وعادت معها مظاهر ظنّ اللبنانيون أنّها ستغيب عنهم فترة من الزمن، تجعلهم خلالها يتنفسون الصعداء قليلاً، بعدما تسبّبت هذه الأزمة التي اندلعت منذ أكثر من سنتين في انهيار غير مسبوق في الأوضاع المعيشية، طال جميع القطاعات تقريباً، وأطبق الخناق على أغلبية اللبنانيين الذي وجدوا أنفسهم فجأ، وبلا سابق إنذار، يخسرون جنى عمرهم وحاضرهم ومستقبلهم، وسط أجواء سوداوية لا تبشر بالخير في المستقبل القريب.

فاندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا قبل نحو 10 أيّام ضرب الإقتصاد اللبناني المحلي المتهالك في الصميم، بدأت مع أزمة القمح التي يستورد لبنان أغلبيته من أوكرانيا، نحو 80 % من حاجته، ومن جوارها في حوض البحر الأسود وتحديداً روسيا ومولدافيا ورومانيا، وهو حوض بات خروج السفن منه وقدومها إليه مخاطرة أمنية غير محمودة العواقب، ما تسبب بنشوب أزمة خبز ومخاوف من فقدانه في السّوق نظراً لأنّ مخزون لبنان منه بالكاد يكفي بين 20 ـ 25 يوماً، كما أنّ استيراد القمح من بلاد أخرى يحتاج إلى وقت ويكبّد تكاليف إضافية.

وكالعادة، إستغل تجّار الأزمة من أجل تحقيق أرباح على حساب المواطنين والإقتصاد المحلي الذي بات يضيق بالأزمات، فقاموا بتخزين كميات من الطحين في مستودعات خاصة بهم، وأخفوها بعيداً عن الأعين، وكذلك فعلوا مع سلع أخرى كالزيوت والسكر التي يستورد لبنان كميات منها من الدول المذكورة آنفاً، ما أوجد أزمة جديدة أدّت إلى رفع أسعار هذه السلع الأساسية في الأسواق بنسب كبيرة، وزاد الأزمة تفاقماً.

وزاد الطين بِلّة إفتعال أزمة جديدة تتعلق هذه المرّة بالمحروقات؛ فعلى خلفية شائعات تحدثت عن نقص في مخزون البلاد من الوقود، وتحديداً البنزين والمازوت والغاز، وبسبب إرتفاع سعر برميل النفط عالمياً إلى أكثر من 115 دولاراً، فقد لجأت محطات المحروقات إلى تخزين كميات منها، وفي عدم عرضها للبيع، وقيامها برفع خراطيمها وتوقفها تلبية طلبات الزبائن، طمعاً من أصحابها بكسب مزيد من الأرباح في ضوء ما يُشاع عن ارتفاع مرتقب لسعر الصفيحة إرتباطاً برفع سعرها في السوق العالمية، ما أعاد مشاهد الإزدحام والإذلال أمام المحطات مجدّداً، وهي مشاهد لم تمحَ بعد من ذاكرة اللبنانيين التي لم تزل طازجة.

هذا الإحتكار التي حاولت جهات مستفيدة منه إلى اللجوء إليه بطرق غير مشروعة، دفع الوزارت والأجهزة الأمنية المعنية للقيام بحملات مداهمة، في محاولة تعلق عليها آمال، ولو ضئيلة، في وضع حدود لأزمات باتت قدرة اللبنانيين على تحمّلها ضعيفة جداً، وفي ظلّ أوضاع تنذر بانفجار إجتماعي ـ أمني واسع.