Beirut weather 23.41 ° C
تاريخ النشر October 31, 2019
A A A
الأزمات الحادّة تَفتقد الصلاحيّات الاستثنائيّة لحلّها سريعاً
الكاتب: اميل خوري - النهار

… وفي الأزمات الحادّة تُفتقد الصلاحيّات الاستثنائيّة. فلو أنّ رئيس الجمهوريّة كان لا يزال يتمتّع بهذه الصلاحيّات لكان تحمَّل مسؤوليّة إقالة الحكومة إذا لم تستقل استجابة لطلب الشعب الغاضب في الشارع، ولم يكن لينتظر، في غياب هذه الصلاحيّات، استقالة الحكومة من تلقائها خلال وقت غير معلوم، فتزداد الأزمة عندئذ شدّة وتعقيداً، ولكان تأليف الحكومة يتم بسرعة ولا خوف من حصول فراغ، لأنّ هذه الصلاحيّات، تمنح رئيس الجمهوريّة حقّ تسمية رئيس الحكومة والوزراء، ولا ينتظر، كما هي الحال الآن، نتائج الاستشارات المُلزمة التي عليه إجراؤها لتسمية رئيس الحكومة الذي عليه بدوره أن يجري مشاورات مع رؤساء الكتل والأحزاب والتيّارات للاتفاق على تشكيل حكومة تكون الثقة النيابيّة مضمونة لها. وهي مشاورات يطول معها التوصّل إلى اتفاق مع مختلف الكتل والأحزاب، خصوصاً إذا كان مطلوباً أن تكون حكومة “وحدة وطنيّة” تجمع ممثّلي القوى السياسيّة الأساسيّة في البلاد، وإنْ متناحرين ومتناكفين، ولا يتّفقون على اتخاذ القرارات في المواضيع المُهمّة للوطن والمواطن. وهي حكومات يأخذ الاتفاق على تأليفها وقتاً يتجاوز أحياناً السنة، وتكون البلاد مع اشتداد الأزمة قد بلغت حافة الهاوية… وإذا كان لا بُدّ من إجراء انتخابات نيابيّة مبكّرة استجابة لطلب الشعب الغاضب في الشارع، فإنّ الصلاحيّات لا تسمح لرئيس الجمهورية بحل مجلس النوّاب والدعوة إلى إجراء انتخابات نيابيّة مبكّرة يقول فيها الشعب كلمته، ويتحمّل هو عندئذ مسؤوليّة مَنْ يختار ممثّلين عنه، لكنّ حل المجلس الآن لا يتم إلّا بشروط غير متوافرة، وليس وارداً أن يقدم المجلس على حل نفسه، وهو لا يعرف أي مجلس جديد سيأتي به الشعب. وهكذا تستمرّ الأزمة وتتفاقم في انتظار الاتفاق على تأليف حكومة جديدة، والاتفاق أيضاً على حل مجلس النوّاب وعلى قانون جديد للانتخابات يحقّق التمثيل الصحيح لشتّى فئات الشعب وأجياله. وإلى أن يتم التوصل إلى كل ذلك، فإن الأزمة تكون قد ذهبت بالبلاد إلى المجهول، ولا يعود ينفع معها أي حل عادي.
إن إعادة الصلاحيّات الاستثنائيّة إلى رئيس الجمهوريّة كي يستطيع استخدامها عند مواجهة البلاد أزمات حادّة، تتطلّب إلغاء الطائفيّة السياسيّة تمهيداً لإقامة الدولة المدنيّة التي يحكمها أصحاب الكفايات والاختصاص إلى أي دين أو حزب انتموا، خصوصاً بعدما ارتفعت أصوات في التظاهرات تطالب بالدولة المدنيّة لكي يحكمها أصحاب النزاهة والكفاية والاستقامة، لا زعيم هذا الحزب أو زعيم هذه الطائفة وإنْ غير كفيّ وغير مستقيم وغير نزيه، ولا تظل رئاسة الجمهوريّة مُخصّصة للطائفة المارونيّة دون سواها، ورئاسة المجلس مُخصّصة للطائفة الشيعيّة، ورئاسة الوزراء مخصّصة للطائفة السنيّة، ثم يقوم خلاف في ما بينهم على الصلاحيّات…
لذلك فإنّ البحث في مشروع قانون جديد للانتخابات النيابيّة ينبغي أن يكون مناسبة تؤسِّس لقيام الدولة المدنية، ويتم تشكيل هيئة لإلغاء الطائفيّة السياسيّة بحيث يُنتخب مجلس النوّاب العتيد من خارج القيد الطائفي، يقابل ذلك انتخاب مجلس للشيوخ تتمثّل فيه كل العائلات الروحيّة. وتقوم الدولة المدنيّة بمعناها الصحيح والكامل عندما تصبح المواطنة هي الأساس لنجاح الوطن، ولا تظلّ الطائفة هي أساس فشله وضعفه في ظل أي حاكم.