Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر September 17, 2022
A A A
اقتحام المصارف: الجميع في مأزق
الكاتب: علي حمادة - النهار

 

في مقالتنا الأخيرة هنا يوم الخميس 15-09 – 2022، وكانت حصلت حادثة الاقتحام التي قامت بها فتاة في ربيع عمرها بهدف انتزاع وديعة مصرفية من اجل علاج اختها المصابة بالسرطان، قلنا ان الحادثة لم تكن الأولى، لكنها لن تكون الأخيرة، وان من المهم بمكان ان يلتفت المسؤولون اللبنانيون الى ان المسألة الاجتماعية في لبنان باتت “حارقة”. بمعنى ان معاناة المواطن اللبناني صارت مهولة الى حد تجاوزها حدود طاقته على التحمل، والتأقلم، او حتى التشاطر والالتفاف حول الازمة العنيفة التي تضرب حياة كل لبناني ولبنانية. نعم، ان المسألة تتعلق بالمجتمع لأنه عندما تحصل اكثر من عملية اقتحام (حتى الآن تغلب عليها السلمية) لفروع مصارف، فإن المشهد ينذر بمضاعفات كبيرة مقبلة في ظل انعدام المعالجات الجدية للازمة التي تعصف بالبلد، وقد دمرت حياة ملايين اللبنانيين. المشهد خطير لأنه يحصل في ظل غياب العدالة في لبنان. انه غياب مريع على مختلف المستويات بدءا من القضايا الكبرى التي تهمّ الوطن مثل قضية تفجير المرفأ في الرابع من آب 2020، وليس انتهاء بقضايا الودائع المحتجزة في المصارف، بصرف النظر عن الجانب التقني الذي يحدد وجود وديعة ملموسة او ورقية. والقضاء هنا غائب مغيّب، ومعه أم المؤسسات التي تضم في رحابها معظم المسؤولين عن الازمة، عنينا الطاقم الحاكم الذي أوصل البلاد الى هذا الدرك، وفاقم الازمة بسوء الأداء والتدبير، والتفلت من المسؤولية. وهنا نلفت الى ان غياب القضاء وتغييبه من قِبل الطاقم الحاكم في قضايا لها طابع الحقوق الدستورية (أموال المواطنين والرعايا الأجانب في المصارف) هو دعوة صريحة لكل مواطن مصاب، ومتضرر بأن يتجاوز أدوات تنفيذ القانون لينتزع حقوقه بنفسه. من هنا نقول ان الزعم بوجود جهة مدبرة خلف الاقتحامات حتى لو صح لا يعفي المسؤولين عن الكارثة من مسؤولياتهم. فهل جرت محاسبة أي جهة على ما حصل؟ بالطبع لا، لقد افلت كل المسؤولون من المحاسبة، والطامة الكبرى انهم كلفوا انفسهم وكلفهم المجتمع الدولي عملية “انقاذ لبنان” من الازمة. هذه قمة الجور والتجبر في وقت نعرف كم ان الازمة قاسية على المواطن العادي. بعضهم ينظر بالتقنيات من برج عاجي مبني فوق مليارات الدولارات. ولهذا البعض نقول ان المسألة الاجتماعية المخيفة في لبنان لا يجوز ان تقارَب بأرقام لموازنات بأرقام وهمية، ولا بأسلوب يجهّل كل الفاعلين، ويدفن العدالة في مستنقع من الرياء والكذب وتقاسم مواقع سلطوية.

ان الجميع في مأزق. وان الاقتحامات لن ترد الودائع. هذا صحيح. لكن ما العمل ازاء الاستهتار بمشاعر الناس، وآلامهم اليومية في وقت يشاهدون وحوشا تتقاتل على تقاسم “جبنة” السلطة بمناصبها ومنافعها. اكثر من ذلك، ما العمل حين يرى اللبناني كيف انه جرى افقاره، وتشليحه رزقه بطرق حسابية، وبتعاميم غير دستورية بددت حقوقه، وحقوق أولاده ببرودة لا مثيل لها. والادهى ان المواطن يرى كيف ان المافيات تتكاثر وتتناسل ممعنة في اغراقه اكثر فأكثر.

لا بد من مقاربة مختلفة للازمة. أولا تغليب المنحى الاجتماعي، ثانيا إرساء نهج محاسبة، ثالثا رفع يد الفاعلين عن عملية الإنقاذ. والقاعدة هي انه لم يعد مقبولا ان يكون “حاميها حراميها”!