Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر January 19, 2021
A A A
افتتاحية “النهار”: متى يكسر العهد الأزمة الحكومية بمسار دستوري؟
الكاتب: النهار

اذا كانت المجريات الانسانية والصحية والاستشفائية الدراماتيكية لأزمة الانتشار الوبائي التي تحكم بقبضتها الشرسة على لبنان تختصر الى حدود كبيرة المصير الكارثي الذي بات يرزح تحته بفعل عوامل عدة من ابرزها تداعيات انهياراته المالية والاقتصادية، فان الأسوأ الذي يرتسم في خلفية المشهد الداخلي القاتم يتمثل في الدوران العقيم في الحلقة المفرغة لأزمة تأليف الحكومة بما يضع البلاد امام اخطر الاحتمالات والسيناريوات. والواقع انه مع عودة الرئيس المكلف تأليف الحكومة سعد الحريري ليل الاحد الى بيروت من الامارات، وغداة موقف بارز جديد للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي من الازمة الحكومية، عادت هذه الازمة الى صلب المشهد الداخلي. وفيما لم يصدر عن بعبدا أي رد او تعليق على موقف البطريرك، أثيرت مجموعة تساؤلات متزامنة مع معطيات تتحدث عن تحريك بعض الوساطات مجددا وسط شكوك في جدوى أي وساطة ما دامت بعبدا تتجاهل مسؤوليتها الدستورية في انهاء التعطيل المكشوف لتشكيل الحكومة. ومن التساؤلات البارزة التي يجري تداولها عند محاولات تحريك الوساطات لماذا لا يرد الرئيس عون على التشكيلة التي قدمها الحريري ويفندها اسما اسما؟ ولماذا لم تنشر بعبدا بالذات التشكيلة لو كانت سيئة فعلا، لاطلاع الرأي العام عليها وإقناعه بصوابية رفضها من رئيس الجمهورية ؟ وتفيد المعطيات في هذا السياق انه لو لم تكن الأسماء جيدة ومؤهلة لحكومة انقاذية من اختصاصيين لكان جرى التشهير بهم على طريقة الفيديو المسرب. وفي ظل هذه الانسداد الذي بات يرتب أوخم العواقب، تقول اوساط معنية ان لا خيار امام الجهات المسؤولة عن الازمة سوى العودة السريعة الى التزام المنطق الدستوري وحده وتشكيل الحكومة الجديدة ودفعها الى المثول امام مجلس النواب لنيل الثقة بها او لحجبها عنها. ولا امكان للخروج من الازمة لا بدفع الرئيس المكلف الى الاعتذار ولا بدفع رئيس الجمهورية الى الاستقالة ولا أيضا بتنظيم انتخابات نيابية مبكرة وفق القانون الحالي.

 

من يكسر الجليد ؟
وتقول جهات معنية بالازمة لـ”النهار” انه منذ 23 كانون الاول الماضي وعملية التأليف الحكومي ما زالت في الثلاجة. وفيما لم ينجح بعد البطريرك الراعي في جمع شريكي التأليف الرئيس عون والرئيس الحريري، زاد التباعد بينهما التوصيف الذي استخدمه عون بحق الحريري في الفيديو المسرّب.. لا يبدو أن اي وساطة نجحت حتى الآن في كسر الجليد بين الرجلين. وعودة الرئيس الحريري الى بيروت لا تؤشّر حتى الساعة الى زيارة مرتقبة الى بعبدا. فالمعلومات القليلة من “بيت الوسط” تشير الى أن الموقف على حاله من أن موضوع الحكومة عند رئيس الجمهورية وعلى طاولته تشكيلة حكومية سلّمها اليه الرئيس المكلف الذي يصرّ على انها التشكيلة المطابقة للمبادرة الفرنسية. وفيما تحدثت معلومات عن ان الرئيس الحريري سعى مع دولة الامارات للاعداد لمؤتمر دعم للبنان، بمشاركة اوروبية وعربية – خليجية، ليكون أول محطة اسناد للبنان مع انطلاق حكومة جديدة، نفت مصادر “المستقبل” علمها بذلك، الا أنها اكدت ان المبادرة الفرنسية قد اصبحت مبادرة اوروبية مدعومة عربياً، واي حكومة يجب أن تكون من الاختصاصيين والمستقلين القادرين على نيل ثقة الخارج والداخل، وعلى المساعدة في انتشال البلد من ازمته السياسية وليس فقط المالية والاقتصادية.

من جهتها، تنتظر بعبدا إعادة تحريك الكلام في ملف الحكومة مع عودة الحريري. ولسان حالها أن شريط الفيديو قد نال قسطه وحان وقت العودة الى الخط الاساسي وهو تشكيل الحكومة. فرئيس الجمهورية ينتظر من الحريري إجابات حول النقاط التي كان طرحها معه في آخر اجتماع بينهما عشية عيد الميلاد خصوصاً في النقطتين الاساسيتين:

اولاً – وحدة المعايير بالتشكيلة التي حملها اليه والتي يعتبر الرئيس عون انها غير متوفرة في الصيغة المقدمة.

ثانياً – مبدأ الاختصاص غير المتوفر في بعض الاسماء الواردة في اللائحة.

ووفق المصادر الرئاسية المطلوب مراجعة بين الرئيسين عون والحريري حول النقطتين، وهناك رغبة من رئيس الجمهورية بالاستعجال في الوصول الى حلٌ.

وفيما تقول بعض اوساط “المستقبل” ان الحريري ينتظر جواباً من عون تقول مصادر بعبدا ان العكس صحيح فالرئيس عون هو الذي ينتظر جواباً من الحريري على النقاط المحددة التي طرحت في اخر اجتماع انطلاقاً من المعايير الموحدة والاختصاص والتوازن بين الطوائف وتوزيع الحقائب على الطوائف وبقيت معلقة لانها كانت تحتاج الى بعض المشاورات من الرئيس المكلف.

وتنفي المصادر في بعبدا ما يقوله فريق الحريري عن ان الرئيس عون يريد الثلث المعطل وتقول إن هذا امر غير صحيح، والرئيس عون لم يشر مرة واحدة الى ثلث معطل واخر توزيعة طرحت هي من ستة وزراء لرئيس الجمهورية.

وتردً على كلام يقوله فريق الرئيس المكلف وعبر عنه اخيراً النائب سمير الجسر من ان عدم نشر مرسوم تشكيل الحكومة عند توقيعه مخالف للدستور، وتقول: “هذا امر مستغرب فعلاً لاسيما بصدوره عن رجل قانون مثل الجسر، لأن الحكومة تشكل بالاتفاق بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف. وكي يصدر المرسوم يجب أن يتفقا وحتى الآن لم يحصل هذا الاتفاق وما يزال البحث قائما. ولو حصل الاتفاق على تشكيل الحكومة ولم يوقع رئيس الجمهورية فعندها يكون الامر غير مستحب دستورياً وقانونياً، لكن اي اتفاق لم يحصل بعد على الحكومة ولم يتم اعداد مشروع مرسوم بالتأليف كي يقال ان الرئيس عون لم يوقع وفي ذلك مخالفة للدستور.

 

انكفاء الوساطات
مصادر “المستقبل” تبدو اكثر تشددا بعد الكلام الذي قيل من قبل رئيس الجمهورية بحق الحريري. وتعتبر أن على من تسبّب بالجليد ان يكسره بالمبادرة وليس المطلوب من رئيس الجمهورية الاعتذار بل الاتصال وطلب التفاهم على قواسم مشتركة. وكل ما يطلبه الحريري هو ألا يكون هناك ثلث معطّل وأن تكون المناصفة هي القاعدة الاساسية في الوزارات الامنية. وكل ما عدا ذلك، قابل للأخذ والرد. وما قول رئيس “التيار الوطني الحر” بأن الرئيس الحريري قدّم أكثر من تشكيلة سوى تأكيد ان الحريري سعى مع كل تشكيلة الى ان تناسب رئيس الجمهورية. والرئيس الحريري قال مراراً أنه كان يحاول ايجاد طريقة للتفاهم مع رئيس الجمهورية.

وتشير مصادر “المستقبل” الى انكفاء الوساطات سواء من قبل الرئيس نبيه بري، أو غيره، فيما اللواء عباس ابرهيم قادر على لعب دور الوسيط لو كان يملك القرار. أما الوحيد القادر على الاضطلاع بدور الوساطة المفيدة في هذا الوضع فهو البطريرك الراعي، بحسب “المستقبل”، شرط ان يكون أكثر حزماً، والقول بتأليف حكومة من دون ثلث معطّل. وتؤكد مصادر “المستقبل” انها لا تتدخّل في موقف الرئيس المكلف، وأن موقفها السياسي الداخلي قد يكون اقرب الى انشاء جبهة سياسية تطالب بإسقاط رئيس الجمهورية ، لكن رئيس التيار هو الرئيس المكلف وواجبه ان يدوّر الزوايا والا يدخل في جبهات تمنع التأليف.