Beirut weather 15.21 ° C
تاريخ النشر May 23, 2021
A A A
افتتاحية “النهار”: الحريري سدَّد الرد الأقسى… والمجلس يثبّت التكليف
الكاتب: النهار

بدا طبيعيّاً أن يُطرَح السؤال الأكبر بعد مجريات الجلسة النيابية الفائقة الحماوة والسخونة التي خصصت، أمس، لمناقشة رسالة رئيس الجمهورية ميشال عون إلى مجلس النواب حول ملف تأخير تشكيل الحكومة الجديدة: هل في الإمكان بعد تصوّر حل وشيك أو اختراق إيجابي للازمة الحكومية، أم أنّ أمدّ الأزمة بات مفتوحاً على لا أفق؟ والواقع أنّ النتيجة الكبيرة أو الخلاصة الأساسية التي انتهت إليها الجلسة تقدّم بذاتها الجواب على السؤال الأنف الذكر. إذ إنّ الرد على الرسالة الرئاسية تجاوز كل التقديرات المسبقة خصوصاً لجهة الرد الشامل الشمولي المتّسم بحدة وحزم وتشدّد بالغ في سوق “سيرة التعطيل” التي فطر عليها الرئيس عون والتي وردت في خطاب الرئيس المكلّف سعد الحريري على رسالة عون، بحيث بدت أبعد من رد، بل جاءت بمثابة مضبطة مساءلة للعهد في ملف التعطيل على لسان الرئيس الحريري.

وإذا كان كثر تخوفوا من أن يكون الحريري أحرق آخر الجسور المحتملة مع العهد بما يقيم سدّاً إضافيّاً مانعاً دون تسوية بينهما، فإنّ الواضح أنّ الحريري قرر وضع حدّ حاسم لمسلسل نمطي اتبع ضده لتغطية المحاولات المتواصلة لتعطيل التشكيل ومنعه من ذلك، فكانت كلمته الحدث الذي أخرج جلسة مناقشة الرسالة عن كل التقديرات العادية التي سبقتها. ولعل الأمر الآخر الذي لا يقلّ أهمية في بعده الدستوري والسياسي تمثّل في المضمون الحازم للقرار الذي صدر عن المجلس بعدما وضعه رئيس مجلس النواب نبيه برّي وهو موقف يثبت من دون شكّ تكليف الحريري ويرفض أي اتجاه لتعديل الدستور بما يرد مباشرة على الايحاءات التي تركتها الرسالة. ومع ذلك بدأ بري مساع جديدة لتحريك وساطته بين عون والحريري واجتمع بالحريري ثم بالنائب جبران باسيل.

وقد خلصت الجلسة إلى اصدار موقف لم يصوّت عليه نواب التكتل العوني ونواب القوات اللبنانية تلاه رئيس مجلس النواب وجاء فيه: “بعد الاستماع إلى رساله فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون حول مسألة تشكيل الحكومة الجديدة وبعد النقاش حولها وفق المادة 145 من النظام الداخلي اتخذ المجلس النيابي الموقف التالي: استنادا الى النص الدستوري حول اصول تكليف رئيس لتشكيل الحكومة وطريقة التشكيل وفق المادة 53 من الدستور ولما لم يرد أيّ نص دستوري آخر حول مسار هذا التكليف واتخاذ موقف منه وبما أنّ فخامة رئيس الجمهورية قد قام باستشارات ملزمة وفق ما ورد وبعد اطلاعه رئيس المجلس النيابي أتت نتيجتها تكليف الرئيس سعد الحريري بتشكيل الحكومة.

وباعتبار أنّ أيّ موقف يطال هذا التكليف وحدوده يتطلب تعديلا دستوريا ولسنا بصدده اليوم. ولأنّ مقدمة رسالة فخامته تشير بوضوح الى فصل السلطات وتعاونها وحتى لا تطغى سلطة على أخرى. ولحرص المجلس على عدم الدخول في ازمات ميثاقية ودستورية جديدة وحرصاً على الاستقرار في مرحلة معقدة وخطيرة اقتصادياً وماليّاً واجتماعيا تستوجب إعطاء الأولوية لعمل المؤسسات. يؤكد المجلس ضرورة المضي قدما وفق الاصول الدستورية من قبل رئيس الحكومة المكلف للوصول سريعا الى تشكيل حكومة جديدة بالاتفاق مع رئيس الجمهورية”.

وأمّا أبرز ما تناوله الحريري في رده، فكان قوله: “ظاهرياُ نحن أمام رئيس للجمهورية يمارس حقّه القانوني بتوجيه رسالة إلى مجلس النواب ولكنّنها بالفعل أمام رئيس يقول للنواب “أنتم سمّيتهم رئيساً للحكومة أنا لا أريده ولا أسمح له بالتشكيل فتفضّلوا خلصوني منه”. وأضاف: “نحن أمام رئيس للجمهورية يريد منا تعديل الدستور وإذا لم نفعل يريد تغيير الدستور بالممارسة من دون تعديل وبانتظار أن يكون له ما يريد يُعطّل الدستور والحياة السياسية في البلد والأخطر من ذلك يُعطّل أي أمل أمام اللبنانيين بوقف الانهيار المريع. علينا أن نعترف أن فخامة الرئيس يمتلك تجربة كبير، لا بل باعا طويلا في التعطيل… من تعطيل تشكيل حكومات متتالية لأشهر طويلة وأذكر منها على سبيل المثال 11 شهراً لتشكيل حكومة سلام وكلنا يذكر “كرمال عيون مين” وصولاً إلى تعطيل تشكيل حكومتي الأخيرة 7 أشهر”. وأكد الحريري أنّ “الفريق الرئاسي يسعى إلى الحصول على الثلث المعطل ليتمكن من اسقاط الحكومة متى يشاء”.

وأضاف أنّ “آخر حيلة خرقاء للوصول إلى الثلث المقنع، هي بالقول إنّه لا يحق لرئيس الحكومة المسلم، ان يسمي وزراء مسيحيين، لمن يقول هذا الكلام التافه، أجيب: “إنّ هذا الرئيس للحكومة اللبناني، اللبناني، اللبناني… لا يريد ان يسمي اي وزير مسيحي، ولا اي وزير مسلم”. وتابع: “بمناسبة الحديث عن حقوق الطوائف والميثاقية، لم اجد فخامة الرئيس ميشال عون منزعجاً من تكليف رئيس للحكومة الأخيرة، بأصوات قلّة فقط من الزملاء السنة، ثم بتشكيلها بثقتهم وحدهم، علماً أنّه في المقابل لم يجد اي مانع في أن يسمي رئيسها وزراء من المسيحيين”. وأردف أنّه “طوال 7 اشهر، نضع الرئيس المكلف أمام معادلة مستحيلة: إمّا أن تشكل الحكومة كما يريدها فريق رئيس الجمهورية السياسي، منتحلاً إرادة فخامته وزاعماً أنّ لا مطلب له، وإما لا حكومة”، جازماً: “لن اشكل الحكومة كما يريدها فريق فخامة الرئيس، ولا كما يريدها أي فريق سياسي بعينه، لن أشكّل الحكومة إلّا كما يريدها وقف الانهيار ومنع الارتطام الكبير الذي يتهدد اللبنانيين في أكلهم وصحتهم وحياتهم ودولتهم”. وختم الحريري: “لن أستجيب للعنعنات الطائفية ولستُ مستعدّاً لأكون شريكاً في أي إخلال في التوازن الدستوري ولا في الاتزان الوطني ولن أسهم في تسهيل المشاريع العدمية”.

وسبق كلمة الحريري تناوب عدد من النواب وممثلي الكتل على الكلام وصولاً إلى كلمة رئيس “تكتل لبنان القوي” جبران باسيل الذي دافع بقوة عن رسالة الرئيس عون وكرّر معظم المواقف التي وردت فيها، وأعلن تكراراً أنّ “الهدف هو حثّ الحريري على التشكيل ولا شيء آخر والهدف من كلمتي ومن رسالة الرئيس ميشال عون ليس سحب التكليف من مجلس النواب لرئيس الحكومة المكلف، لأنّ هذه ليست الغاية، ولأنّ هذا تفسير وتعديل للدستور ومكانه ليس بهذة الجلسة، والأهم أنه لا يوجد أكثرية نيابية ترغب بهذا الشيء”. وأكد أنّ “تأليف الحكومة له منهجية وسيخضع للميثاق، حيث لا يمكن لأحد إقصاء طائفة عن هذه العملية، ولا يمكن لطائفة احتكار تأليف الحكومة. وبمجرد أنّ رئيس الجمهورية لديه توقيع يضعه على مرسوم التكليف، بالتالي أي تفصيل في التأليف يخضع لموافقته، وهو ليس موثقا لعملية تشكيل الحكومة ولا مصدرا لمرسومها”. وأردف: “السقف في تأليف الحكومة يتمثل بالأسماء، ولا يمكن وضعها إلّا بمعرفة كيفية توزيع الحقائب، والأسماء يتفق عليها عون والحريري أو تقدمها الكتل النيابية، بالمعايير المتفق عليها. ومن حق عون والحريري أن يوافقاً أو لا. بعدها يتم إنهاء موضوع الاسماء”، وأشار إلى أنّه “هكذا تتألف الحكومة لا يمكن أن نضع الاسم من دون معرفة مذهبه أو من اقترحه. بالتالي أي هروب من اتباع هذه المنهجية هو عدم جدية أو رغبة او هروب من تشكيل الحكومة”. وأشار إلى أنّ “السؤال البديهي الذي نسأله منذ 6 أشهر هو عن حصول رئيس الجمهورية على لائحة مفصلة فيها كل هذه الامور، لا رئيس الجمهورية تمكن من الحصول على هذه اللائحة ولا البطريرك مار بشارة بطرس الراعي ولا “حزب الله” ولا الفرنسي ولا أي ساعي خير تمكن من الحصول من رئيس الحكومة المكلف على هذه اللائحة لنعرف أين هو الخلاف ونعالجه بشكل واضح”.وختم باسيل: “دستورنا لا يضع المهل، وهذه مشكلة، ويجب تطوير الدستور من هذه الناحية للمحافظة عليه، وتقدمنا ككتل باقتراح تعديل دستوري متوازن ومنطقي”.