Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر May 23, 2021
A A A
افتتاحية “الديار”: المجلـس يؤكد تسمية الحريري ويدعوه للتأليف السريـع بالاتـفـاق مـع رئـيـس الجمهورية
الكاتب: الديار

انتهت جلسة مجلس النواب التي خصصت امس لمناقشة رسالة الرئيس عون وشكواه ضد الرئيس الحريري بتعطيل تشكيل الحكومة الى السؤال: لماذا الرسالة، وماذا حققت؟

وكما كان منتظراً، فان المجلس بتوازناته السياسية الحالية جدد التزامه بتكليف الرئيس الحريري، مراعياً في الوقت نفسه وجوب «المضي، وفق الاصول، قدماً للوصول سريعاً الى تشكيل حكومة جديدة بالاتفاق مع رئيس الجمهورية».

وكان واضحاً وجلياً ان الذهاب الى طرح تعديل الدستور لنزع التكليف عن الحريري غير وارد حتى لدى رئاسة الجمهورية والتيار الوطني الحر، للقناعة المسبقة بأن مثل هذا الطلب غير متاح في هذا الظرف، أكان على الصعيد السياسي العام أم على صعيد عدم امكانية توفير العدد الاكثري اللازم لتعديل الدستور داخل الندوة البرلمانية.

ولكيلا يستثمر الخصوم هذا الأمر، بادر رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل في مستهل مداخلته الى القول ان الاولوية للرسالة هي حث الرئيس الحريري على التأليف وليس سحب التكليف، معرباً عن قناعته بأن الجلسة ليست المكان لطرح التعديل الدستوري الذي يتوخاه التيار.

لكن باسيل كشف في مداخلته، التي كانت هادئة ومعتدلة بالشكل، عن اقتراح تعديل دستوري لدى التيار بتحديد مهلة شهر واحد للرئيس المكلف من اجل تشكيل الحكومة، واتاحة مهلة شهر لرئيس الجمهورية لاجراء الاستشارات النيابية الملزمة.

ولوح بلهجة مرنة قابلة لاكثر من تفسير بموضوع حل المجلس، رغم قوله انها لن تكون خطوة مناسبة.

وعلى عكس ما أشيع في الايام القليلة الماضية، فان كلمة باسيل كانت هادئة ورصينة ولاقت تنويها لشقها الاول من الرئيس بري بقوله «جيد لحد هلق».

بينما فاجأ الرئيس الحريري الكثيرين بالسقف العالي والحاد لمداخلته المطولة موحياً بأنه يملك زمام الامور ولديه من الاوراق ما يخوله ان يبادر الى الهجوم بدل الدفاع، حتى انه رفع وتيرة هجومه على رئيس الجمهورية متهماً اياه بأن «لديه تجربة طويلة من التعطيل» ومذكراً بتعطيله انتخاب رئيس الجمهورية لأكثر من سنتين، وتعطيل وتأخير تشكيل حكومة تمام سلام لـ 11 شهراً، حكومته السابقة لسبعة أشهر.

ويمكن، حسب اكثر من مصدر، القول ان رسالة عون للمجلس ربما استحضرت امام النواب والكتل جميعاً الازمة الحكومية مباشرة، وسلطت الضوء على عمق الازمة، لكنها لم تؤد او تكرس سوى حقيقة واحدة، هي ان الحكومة مأسورة ومسجونة في دائرة ازمة الصراع والثقة بين الرئيسين عون والحريري، وانه لا سبيل للانفراج قريباً طالما استمرت هذه الازمة.

وحول خلاصة من انتهت اليه الجلسة، قال مصدر نيابي بارز لـ «الديار» ان هناك نقاطاً عديدة يمكن استخلاصها ابرزها :

1- تجديد التأكيد على تكليف الحريري، مع طي صفحة الاعتذار التي لم تكن مؤخراً سوى فرقعة اعلامية.

2- التسليم بمشاركة رئيس الجمهورية الكاملة في تشكيل الحكومة، وهذا ما برز واضحاً في مداخلة رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد.

3- نجاح المجلس بإدارة وقيادة الرئيس بري في تفكيك قنبلة التعديل الدستوري واعادة النظر ببعض المواد الدستورية التي كان اسس لها اتفاق الطائف، وبالتالي قطعت الطريق أمام اثارة اشكاليات كبيرة ونزاع ذي بعد طائفي، بغض النظر عن النيات والاسباب الموجبة لدى هذا الطرف أو ذاك.

4- اعادة الكرة من مجلس النواب الى الرئيسين عون والحريري ووضعهما مجدداً امام مسؤولياتهما تجاه تشكيل الحكومة اليوم قبل الغد كما عبر الرئيس بري مراراً، واكد النائب رعد على ذلك امس.

وفي تقديم لاجواء ونتائج الجلسة، قال المصدر ان بري نجح كالعادة في ادارة وضبط الجلسة وجنبها انفجاراً فوق السقف المحدد، وكان واثقاً قبل انعقادها من هذا النجاح حين ترك الجلسة تبث على الهواء مباشرة عبر محطات التلفزة، وحين قلب ادوار الكلام فترك كلمة الحريري الى النهاية لكيلا تثير سجالاً ساخناً اذا ما جاءت في البداية.

ووفقاً لأكثر من مصدر، فإن حرارة كلمة الحريري كانت متوقعة، لكنها تجاوزت بعض الشىء التوقعات، لا سيما انه حضر لها بعناية مستعيناً بمعاونيه ومستنداً الى الاجواء النيابية التي لم تكن لمصلحة رسالة عون منذ البداية.

وكادت اجواء الجلسة خلال كلمة الحريري النارية ان تلتهب، الا ان الرئيس بري كان يرصد بدقة وعناية النواب وقطع الطريق على أي رد او تداخل، عدا ان النائب باسيل بدا هادئاً جداً على عكس ما توقع البعض.

وكما كان متوقعاً، فقد خرج الحريري من قاعة الاونيسكو عندما بدأ باسيل كلمته، ما يعكس حجم القطيعة والجفاء الكبير بين الرجلين ويصعب مهمة جمعهما والتوفيق بينهما.

وبعد ان عبر بجلسة رسالة عون الى اجواء غير تفجيرية، نشط بري في التحضير للمرحلة المقبلة على ضبط اعادة تفعيل عملية تشكيل الحكومة ومحاولة تخفيف حدة الاحتقان وانعدام الثقة بين رئيس الجمهورية وفريقه من جهة ورئيس الحكومة المكلف من جهة اخرى.

ورغم الاجواء المتشنجة التي سادت، لا سيما خلال مداخلة الحريري الساخنة والعالية السقف، فإن رئيس المجلس سارع الى عقد لقاء معه بعد الجلسة قبل ان يلتقي النائب باسيل ليعود ويجتمع مع رئيس الحكومة المكلف مرة ثانية في اطار حصر ومعالجة اثار الاتهامات المتبادلة التي سادت خلال الجلسة وما قبلها وبعدها مباشرة.

ولفت في هذا المجال اعلان المعاون السياسي للرئيس بري النائب علي حسن خليل عن «ان هناك نقطة انطلاق يعمل عليها الرئيس بري من اجل تشكيل الحكومة لكنها ليست معروفة حتى الآن».

وقال مصدر مطلع لـ «الديار» ان بري يستند الى ما يشبه التفويض الخارجي القوي من خلال تشجيع باريس لمبادرته ودعم مضاف لهذه المبادرة من مصر التي دخلت بقوة على خط السعي لتسريع تشكيل الحكومة.

واضاف المصدر ان رئيس المجلس بعد جلسة الأمس بات يستند ايضاً الى تفويض داخلي اوسع، لا سيما ان نتائج رسالة عون اكدت ان لا مناص من التركيز على تخفيف ازمة الثقة بينه وبين الرئيس الحريري، ولا مجال لتحقيق تقدم ملموس او ناجز لتأليف الحكومة الا من خلال الحوار بينهما والاتفاق، بعد ان تكون مبادرة بري قد احرزت نتائج ايجابية تنطلق من نقطتين اساسيتين:

التسليم بتشكيل حكومة من 24 وزيراً من رجال الاختصاص غير الحزبيين، واستبعاد الثلث المعطل بكل اشكاله اكان صريحاً أم مقنعاً.

ولفت المصدر الى ان حزب الله يدعم بقوة استئناف مبادرة بري، وانه على قناعة ان لا سبيل لتأليف الحكومة من دون الحوار والاتفاق بين عون والحريري، وان لا شيء مطروح يناقض هذا التوجه الطبيعي لولادة الحكومة.

وفي المواقف ودلالتها فإن الرئيس بري عبر كالعادة عن موقف جامع في مستهل الجلسة حين اكد على «الوحدة ثم الوحدة، وإلا ستذهب ريحنا».

وكانت له تدخلات قصيرة لافتة ومنها حين تحدث باسيل عن استعداد للقيام «بمهمة انتحارية» وتقديم اقتراح قانون ترشيد الدعم في ظل عدم تقدم الحكومة بهذا القانون. عندئذ قاطعه الرئيس بري قائلاً «مطلوب منك عملية انتحارية اخرى»، قاصداً موقفاً جريئاً ومساعداً اكثر في عملية تشكيل الحكومة.

وحملت كلمة الحريري هجوماً نارياً على رئيس الجمهورية بشكل غير مسبوق، لا سيما عندما قال عنه انه «يمتلك تجربة طويلة في التعطيل». ثم عندما قال «باختصار نحن أمام رئيس جمهورية يصر على مخالفة الدستور بأن يحصر منح الثقة بالحكومة بشخصه».

وحمل عليه ايضاً وعلى التيار الوطني الحر حين قال بنبرة عالية «لن أشكل الحكومة كما يريدها فريق رئيس الجمهورية…». واضاف ايضاً «نحن أمام عهد يصرّ على تثبيت نفسه بطلاً في اضاعة الفرص على نفسه وعلى اللبنانيين».

وختم بقوله قاصداً رئيس الجمهورية وفريقه «لن استجيب للعنعنات الطائفية ولست مستعداً لتسهيل المشاريع العدمية ودعوتي لرئيس الجمهورية وفريقه بأن يكفوا عن محاربة طواحين الهواء».

اما باسيل فغلب على مداخلته الاعتدال والمرونة في الشكل، لكنه ربط تشكيل الحكومة بمنطق الاصول التي يتمسك بها رئيس الجمهورية والتيار، ملوحاً بخطوات اخرى اذا ما استمر الوضع على حاله لأنه لا يمكن القبول بمثل ذلك الى نهاية العهد. وقال «الوضع لا يسمح ان نعتمد اشياء غير مألوفة ولا تتلاءم مع دستورنا بأن نقول ان رئيس الحكومة المكلف يشكل ويسمي كل الوزراء عن الكل، هذا لا يمشي، وان الاعذار الوهمية التي تعطى لا تدوم».

اما رسالة حزب الله فكانت ذات دلالات واضحة عندما اكد النائب رعد رئيس كتلة الوفاء للمقاومة تفهمه لرسالة عون بقوله ان دوافع رسالته معروفة كما ان العوائق التي تؤخر الحكومة معروفة ايضاً.

وجدد التأكيد «ان تأليف الحكومة هو أولوية لا نقاش فيها او حولها»، مركزاً على ان «النص الدستوري يؤكد ان الاتفاق بين رئيس الحكومة المكلف ورئيس الجمهورية هو اصل يصدر عنه تشكيل الحكومة، وهو المدخل الضروري اللازم والحصري لتشكيلها» وبمعنى آخر لا مناص من الاتفاق مع الرئيس عون لتأليف الحكومة.