Beirut weather 21.41 ° C
تاريخ النشر January 15, 2023
A A A
افتتاحية “الديار”: الاستحقاق الرئاسي في دائرة الجمود وحسم الخيارات الداخلية والخارجية مؤجل
الكاتب: الديار

ما جرى في اليومين الماضيين ليس تعبيرا عن قضية توقيف شقيق احد ضحايا انفجار المرفأ وليم نون لاعتدائه على قصر العدل وشتم القضاء، بقدر ما يعكس احتقانا سياسياً كبيراً عبّرت عنه مواقف كثيرة، ومنهم من هدد باللجوء الى اساليب اخرى بدل الاحتكام الى القضاء الذي واجه مرة اخرى امس امتحانا صعبا مثلما حصل ويحصل معه في قضايا وملفات كبيرة، بدءاً من ملف الفساد المالي وتهريب الاموال، مرورا بقضية جريمة انفجار مرفأ بيروت، وانتهاء بالازمة الداخلية التي يعاني منها لأسباب عديدة.

ولعلّ ابرز مظاهر هذه الازمة البيان الذي صدر عن مجلس القضاء الاعلى واعلان رئيسه ان البيان «لم يصدر وفق الاصول القانونية المعتمدة»، ثم صدور بيان باسم «نادي القضاة» داعيا الى تصويب تحركات اهالي ضحايا انفجار المرفأ نحو المعرقلين الحقيقيين.

وفي غمرة هذه التطورات المتصلة بملف انفجار المرفأ الذي حضر مجدداً، اعربت مصادر سياسية لـ «الديار» عن تخوفها من ان يكون ما جرى جزءا من «ان يحضّر الشارع على وقع الازمة السياسية والرئاسية الى مسرح عمليات لمزيد من التوترات على الارض»، محذرة من الانزلاق الى لغة الشارع في ظل العجز السياسي والخلاف الحاد حول سائر الملفات الحيوية المطروحة.

ماذا جرى بعد توقيف نون؟ ماذا جرى في الثماني والاربعين ساعة الماضية؟
على خلفية ما حدث يوم الثلاثاء الماضي اثناء اعتصام اهالي ضحايا انفجار المرفأ امام قصر العدل وصدامهم مع القوى الامنية ورشقهم بالحجارة، ومن بينهم شقيق احد الضحايا وليم نون وآخرون لمبنى القصر وكسر زجاج بعض مكاتبه، واطلاقه عبارات ضد احد القضاة «روح بلّط البحر» وضد العدلية… تحرك القضاء واعطى اشارة للتحقيق معه ومع آخرين.

وبناء عليه، قامت الشرطة القضائية ثم مديرية امن الدولة باقتياده للتحقيق معه في موضوعين: الاعتداء على قصر العدل، وتهديد القضاة. كما عمدت الى تفتيش منزل عائلته على خلفية ما اطلقه من كلام اعتبر تهديدا بالديناميت وغير ذلك.

واثر شيوع الخبر، تجمع عدد من الاهالي والنشطاء في جبيل معتصمين للافراج عنه، وحاولوا قطع الاوتوستراد ليل اول من امس واصطدموا مع عناصر الجيش، ثم حصل اعتصام آخر امام مديرية امن الدولة في بيروت بعد ان نقل نون اليها للتحقيق معه.

وشارك مع الاهالي نشطاء ونواب للقوات اللبنانية والكتائب والتغيير مطالبين بالافراج عنه وقضى عدد منهم الليلة في المكان، مع التلويح بتوسيع التحرك وقطع الطرق.

وفي ضوء التحقيق، قيل ان المحامي العام الاستئنافي في بيروت القاضي زاهر حماده قرر بداية اخلاء سبيله قيد التحقيق، ثم عاد وقرر توقيفه باشارة قضائية، وتبين انه اوقفه لقضية شتمه القضاء وتهديده.

وفي ضوء ذلك، تكاثر عدد المعتصمين وانضم للتوافد الى المديرية العامة لامن الدولة احد نواب التيار الوطني الحر سيمون ابي رميا الى جانب نواب القوات والكتائب والتغيير. وجرت اتصالات على ارفع مستوى لوضع الامور في نصابها وعدم الذهاب في هذه القضية الى مكان آخر وتسييسها، بعد ان صدرت مواقف عديدة من نواب وجهات سياسية بتوسيع رقعة التحرك وقطع الطرق.

وعلمت «الديار» ان بكركي دخلت على الخط، فحضر المطران بولس عبد الساتر مع وفد كنسي الى المديرية العامة لامن الدولة، واعلن ان الزيارة هي للتضامن مع اهالي ضحايا انفجار المرفأ، مؤكداً «اننا لن ننسى هذه القضية، نافيا ان تكون الزيارة للتدخل من اجل الافراج عن نون.

لكن المعلومات تفيد بأن الاتصالات اسفرت عن تسوية القضية بحيث يصدر بيان عن مجلس القضاء الاعلى بدعم القاضي حمادة ويؤكد على موقع القضاء ودوره، ثم يلي ذلك اصدار حمادة قرار اطلاق سراحه، بعد ان يتعهد نون بعدم الاعتداء على القضاة والعدلية والتعرض للقضاء.

وبالفعل صدر بيان عن مجلس القضاء الاعلى اكد ان القضاء لن يكون مكسر عصا، ثم افرج عن نون الذي انتقل الى مركز الاطفاء في بيروت. وصرح من المركز مؤكدا على الاستمرار في التحرك من اجل احقاق الحق ومحاسبة ومعاقبة المسؤولين عن جريمة انفجار المرفأ. كما اكد على احترام القضاء وانه تعهد بعدم التعرض له، املا في ان يواصل القضاء عمله، وقال «نحن تحت سقف القانون».

وبذلك تم نزع فتيل التوتر الذي ترافق مع هذه القضية، وانفض المعتصمون امام المديرية العامة لامن الدولة بعد مناوشات مع عناصر المديرية.

وفي البيان الذي وزع لمجلس القضاء الاعلى جاء ان المجلس يؤكد «ان قضية انفجار مرفأ بيروت هي قضية بحجم الوطن، والتي لن يتوانى القضاء فيها عن بذل كل ما هو مستطاع لغاية الوصول الى الحقيقة وتحقيق العدالة، ومعاقبة المرتكبين».

واستنكر المجلس بعد اجتماعه «التدخل والتهجم على عمل القضاة، ومؤخراً اجراءات النيابة العامة الاستئنافية في بيروت من مرجعيات يفترض بها احترام عمل القاضي الذي يحتكم الى ضميره وعمله القانوني».

ورفض التعرض للقضاء ولكرامة القضاة، واكد «ان القضاء لم يكن يوما، ولن يكون مكسر عصا لأحد».

واصدر رئيس مجلس القضاء الاعلى القاضي سهيل عبود توضيحا رأى فيه «ان اي بيان لم يصدر عن المجلس وفق الاصول القانونية، وانما تم التداول بشأن اصدار بيان متعلق بما آلت اليه الامور في المرحلة الاخيرة، ولم يصر الى التوافق على مضمونه الذي كان ما زال قيد المناقشة».

ولاحقا اصدرت نقابة المحامين في بيروت بعد اجتماعها الطارىء بيانا اسفت لما جرى من توقيف نون وما رافق ذلك من «اعمال شدة وعنف وقسوة ضد مقامات ورجال دين ونواب والمحتجين»، محذرة من العودة الى النظام البوليسي، لكنها اكدت ايضا «وجوب احترام صرح قصر العدل والقضاة وضرورة تطبيق القوانين وحسن سير العدالة ورفض الاستنسابية والتدخلات السياسية في تطبيق القانون»…

وصدرت مواقف سياسية عديدة من القوات اللبنانية والكتائب ونواب التغيير والتيار الوطني الحر، مستنكرة ما جرى مع اهالي ضحايا انفجار المرفأ ومؤكدة على السير بهذه القضية لاحلال العدالة.

جلسة مجلس الوزراء وتداعياتها
على صعيد آخر، قال مصدر مطلع لـ «الديار» امس ان الرئيس نجيب ميقاتي كان يعتزم الدعوة في اليومين الماضيين الى عقد جلسة لمجلس الوزراء يوم الاثنين او الثلاثاء المقبلين، لكنه تريث في توجيه الدعوة لاسباب لم تفصح عنها اوساطه.

واضاف المصدر ان الرئيس ميقاتي مصمم على عقد هذه الجلسة الاسبوع المقبل، لكن التريث ربما يعود الى التطورات التي استجدت بعد توقيف وليم نون، او لافساح المجال امام مزيد من العمل لتحسين وتعزيز المشاركة في الجلسة، مع العلم ان نصابها مؤمن بالحد الادني كما حصل في الجلسة السابقة.

والمعلوم ان حزب الله لم يمانع حضور الجلسة لمناقشة واقرار الملف المتعلق بشراء وتأمين الفيول للكهرباء دون سواه. لكن موقفه المتشدد من موضوع جدول اعمال الجلسة لا يخفف من حجم ازمة العلاقة بينه وبين التيار الوطني الحر التي تصدعت في البداية على خلفية الموقف من الاستحقاق الرئاسي.

ما هو موقف التيار تجاه الجلسة الثانية المزمع عقدها؟

لم يصدر موقف رسمي من التيار تجاه الجلسة بانتظار الدعوة اليها، لكن المعلومات المؤكدة انه مستمر على موقفه الرافض بشدة لانعقاد حكومة تصريف الاعمال، على حد مصدر نيابي بارز في التيار، والذي سيترجم مرة اخرى بغياب وعدم مشاركة وزرائه في الجلسة.

وبرأي المصدر ان الاحتجاج تارة بموضوع الصحة وطورا بالكهرباء هو عبارة عن ستار للقيام بمثل هذه الخطوة غير الدستورية، لافتا الى «اننا لسنا ضد معالجة مثل هذه الملفات الحيوية والمهمة، لكن يمكن تحقيق ذلك من خلال مسار آخر، مثل المرسوم الجوال، كما حصل سابقا بتوقيع الـ 24 وزيرا».

العلاقة بين التيار وحزب الله
ووفقا للمعلومات، فان التيار لا يخفي استياءه من موقف حزب الله في موضوع الجلسة، ويعتبره منحازا الى جانب الرئيس ميقاتي على حساب العلاقة والشركة معه.

وتفاوتت المواقف المعلنة بين قيادات ونواب في التيار حيال العلاقة مع الحزب ومسارها، فمنهم من اعتبر ان مشاركته في الجلسة الثانية تزيد التصدع في العلاقة بين الطرفين وتهدد بكسرها، كما عبر النائب جيمي جبور منذ يومين، ومنهم من يعتبر ان التباين بينهما ما زال محصورا، كما صرح النائب اسعد درغام امس بقوله «لسنا بحاجة لمشكلة اضافية بالبلد. واللبنانيون يريدون حلا، وأنا اعتقد ان التباين مع الحزب لا يزال محصورا ويمكن معالجته حتى اللحظة».

بيان الرئيس عون
لكن البارز امس البيان التوضيحي لمكتب الرئيس السابق ميشال عون الذي نفى ما نسبته له احدى الصحف حول وثيقة التفاهم مع حزب الله، وقال «ان التفاهم بين التيار الوطني الحر وحزب الله ليس اطاراً جامداً، ويوم يشعر أحد الجانبين بالحاجة الى اعادة النظر ببعض بنوده فلا شك انه سيفعل».

واضاف «انه عندما يكون لدى الرئيس عون ما يريد قوله فانه يقوله جهارا ولا يحتاج الى التلطي وراء لعبة المصادر».

وعلمت «الديار» ان هناك شخصيات وجهات سياسية تعمل على خط استئناف التواصل واللقاءات بين التيار والحزب لرأب الصدع بين الطرفين واعادة العلاقات الى المساحة الايجابية، مع العلم ان التواصل بينهما لم ينقطع، لكنه اقتصر على المناسبات ولم يدخل الى بحث الملفات التي ادت الى اهتزاز العلاقة، اكان بالنسبة للموقف من الاستحقاق الرئاسي ام بالنسبة لمسألة انعقاد مجلس الوزراء.

جمود ملف الاستحقاق الرئاسي
وفي شأن الاستحقاق الرئاسي، نقلت مصادر مطلعة لـ «الديار» عن مرجع بارز امس قوله «انه لم يستجد اي تطور في شأن الاستحقاق الرائسي، وان الامور ما زالت تراوح مكانها في غياب الحوارات الجدية والناشطة حول هذا للملف، وفي ظل عدم صدور اشارات جديدة لتغير مواقف الاطراف».

وبناء عليه، فان جلسة الخميس المقبل لانتخاب رئيس للجمهورية لن تشهد تغيرا عن اجواء سابقاتها، وستنضم الجلسة الحادية عشرة الى سابقاتها من دون انتخاب رئيس جديد للبلاد.

ووفقا للمعلومات، فان المعارضة صرفت النظر في الوقت الحاضر عن استبدال مرشحها ميشال معوض بمرشح آخر، مع العلم ان هذا الامر قد جرى التداول فيه في الاسبوعين الماضيين وبرز خلاف حول طرح الفكرة قبل انقشاع الاجواء الداخلية والخارجية. ولذلك فان نواب هذا الفريق يتجهون الى التصويت مجددا لمعوض في الجلسة المقبلة.

اما الفريق الاخر، فانه لن يبدل بدوره موقفه وسيصوت بالورقة البيضاء، مشددا على الحوار كوسيلة ناجحة للاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية.

وقال مصدر نيابي في هذا الفريق لـ «الديار» امس ان المعطيات الحالية لا تدفعنا الى تغيير موقفنا في غياب التوافق وفي ظل عبثية التصويت لاسم معين، مشيرا الى ان ترشيح سليمان فرنجية لن يكون ترشيحا استهلاكيا، وهو مرشح جدي، وحين يأتي الوقت والظرف المناسبين سنقدم على هذه الخطوة.

ونفى المصدر ان يكون لدى الثنائي الشيعي وحلفائه «خطة ب»، لافتا الى ان احدا لم يناقش معنا في الاسماء لا في الداخل ولا من الخارج، مشددا على ان هذا الكلام لا يزال مجرد تكهنات اعلامية، ولا يرتكز على الحقيقة.

صفي الدين
وأمس قال رئيس المجلس التنفيذي لحزب الله السيد هاشم صفي الدين انه «لا يمكن لاي فريق او طائفة او حزب او دولة خارجية مهما كانت قوتها ان تحل الازمة البنيوية التي يعانيها البلد. وبالتالي فان المعالجة لهذه الازمة لا تكون الاّ بالنقاش والتفاهم والالتقاء والحوار بين الجميع حتى نكون معا شركاء في بناء هذا الوطن. وهذا الذي دعونا وندعو اليه دائماً».

واشار الى «ان البلد يعاني من التصدعات، وهو مقبل على مزيد من المشاكل ان لم يسارع المسؤولون الى تحمل مسؤولياتهم كما يجب».

الاجواء الخارجية
وعلى صعيد الاجواء الخارجية المتصلة بالاستحقاق الرئاسي، قال مصدر مطلع لـ «الديار» امس ان شيئا لم يطرأ على هذه الاجواء، لافتا الى ان باريس لم تباشر القيام بتحرك جديد في هذا الصدد كما كان اعلن الرئيس ماكرون في مؤتمر بغداد في نهاية العام المنصرم.

واضاف ان الجهات اللبنانية المسؤولة والسياسية لم تسمع من باريس عن اي شيء جديد، وان كلام المسؤولين الفرنسيين ما زال يدور حول حث لبنان على انتخاب رئيس للجمهورية يحظى بثقة اللبنانيين.

جنبلاط : لبنان ليس على الخارطة
وفي جولة له على عدد من المراجع الروحية في المتن الاعلى، دعا رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الى الصبر والحكمة، لافتا الى «ان البعض في الداخل يظن ان العالم مهتم بنا، لكن الحقيقة ان لا احد يهتم بلبنان، فنحن نعيش فوضى عالمية بعد الحرب في اوكرانيا، ولبنان ليس موجودا على الخارطة».

واشار الى «ان المنظمات الدولية جاءت بعد انفجار مرفأ بيروت وصرفت اموالا، وبعضها تبخر كالعادة، اما اليوم فلا شيء باستثناء الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي يهتم بلبنان ولديه عطف خاص على البلد».

اجتماع استثنائي لمصرف لبنان للجم ارتفاع الدولار
على صعيد آخر، استمر الدولار على جنونه مقتربا من الـ 50 الف ليرة في ظل صمت كامل من المسؤولين، وغياب اي احتجاجات شعبية رغم الوضع النقدي الخطر والمتدهور للعملة الوطنية وتداعيات هذا التدهور من غلاء الاسعار وارتفاع جنوني للمعيشة.

وبعد محاولة فاشلة، يجتمع المجلس المركزي لمصرف لبنان غدا الاثنين، كما كانت اشارت «الديار»، بصورة استثنائية للبحث في الارتفاع الكبير للدولار في السوق السوداء وفي الاجراءات العاجلة الممكن اتخاذها للسيطرة على الوضع.