Beirut weather 12.41 ° C
تاريخ النشر December 31, 2024
A A A
افتتاحية “الجمهورية”: التحدّي في الـ 2025: انتظام الدولة وتجنّب العواصف
الكاتب: الجمهورية

اليوم تجري عملية التسليم والتسلّم بين سنة 2024 وسنة 2025. وفيه يطوي اللبنانيون آخر ورقة من أسوأ سنة في تاريخ حياتهم، ويحدوهم الأمل الكبير في ألّا تتكرّر مصائبها وويلاتها، وأن يعبروا إلى سنة جديدة تشكّل بداية لاستعادة بلدهم، والنأي به عن عواصف الدمار الشامل التي ضربته في كلّ مفاصله.

و»الجمهورية» إذ تشارك اللبنانيين حماستهم في طي هذه الورقة السوداء الى غير رجعة، تؤكّد أنّ لبنان كان وسيبقى أكبر وأقوى من كل العواصف، وأملها كبير جداً في أن تشارك كلّ اللبنانيين في الاحتفال في العيد الكبير بدخول بلدنا واحة الخلاص، متنعّماً بالأمن والأمان والإزدهار والرخاء ومستعيداً زهوه كدولة قوية قادرة، وكوطن جامع لكل أبنائه. فكل عام واللبنانيون بخير، وكل عام ووطنا لبنان سليماً معافى سيداً حرّاً مستقلاً.

رئيس أو لا رئيس!

سياسيّاً، صار الملف الرئاسي في المربّع الأخير، والأيام التسعة الفاصلة عن جلسة انتخاب رئيس الجمهورية في التاسع من كانون الثاني المقبل، تشكّل اختباراً مفصلياً لكلّ المكونات السياسية، في أن تثبت تحلّيها بالرّشد السياسي والوطني، وتنحية الشعارات والعناوين السياسية المتصادمة، التشارك في فتح القفل الرئاسي، ورسم خط النهاية لمسلسل العبث السياسي والإشتراطات التعطيلية، المستمرّ منذ ما يزيد عن سنتين، وضيّع الموقع الرئاسي الأوّل في متاهة موصدة بمزاجيات وتناقضات لم يحصد منها اللبنانيون سوى مشكلات متراكمة وأزمات تفرّخ أزمات، وتحدّيات صعبة أكبر من قدرتهم على مجاراة قساوتها، وتحمّل ما ترتب أو يترتّب عليها من أعباء وأثقال وأكلاف مرهقة تغلغلت إلى بيوت كل اللبنانيين ولم تستثنِ جهة او منطقة او طائفة او مذهب.

في هذا الواقع، تتبدّى جلسة 9 كانون الثاني كمحطة للحسم الإيجابي بانتخاب رئيس للجمهورية، أو للحسم السلبي بالفشل في إتمام هذا الانتخاب وإبقاء البلد بلا رئيس للجمهورية إلى أجل غير مسمّى، وربما إلى آجال غير مسمّاة. وترك البلد في دوران مستمر وبلا أفق واضح، في حلقة التعطيل. وهو الأمر الذي تؤكّد مصادر عين التينة لـ«الجمهورية» انّ رئيس مجلس النوّاب نبيه بري يحذّر منه، ويصبّ جهده في هذه الفترة على إدارة الدفة الرئاسية في الاتجاه المعاكس لمسار التعطيل، وتجنيب البلد مساوئ الفشل في انتخاب رئيس الجمهورية وارتداداته البالغة السلبية على مجمل الوضع في لبنان.

بري: الجميع مسؤول

من هنا، يؤكّد الرئيس بري أمام زوّاره أنّ انتخاب رئيس يلوح في الأفق، وينبغي على جميع الاطراف اغتنام فرصة انعقاد جلسة الانتخاب في 9 كانون الثاني وممارسة مسؤولياتهم الوطنية وواجبهم الدستوري في هذا الاستحقاق والخروج برئيس للجمهورية. ويلفت إلى أنّه سيفتح المجال واسعاً لتسهيل هذا الانتخاب عبر دورات انتخابية متتالية بحيث لا يخرج النواب من قاعة المجلس الّا وانتخبوا رئيساً للجمهورية.

وبحسب الزوار، فإنّ برّي يغلّب فرضية الانتخاب في جلسة 9 كانون الثاني، وخصوصاً انّ التوافق ممكن بين المجموعات السياسية، ولاسيما انّها في اكثريتها مجمعة على توصيف مشترك لرئيس على مسافة قريبة من كل الاطراف ولا يشكّل تحدّياً لأحد. وبالتالي فإنّ الأيّام الفاصلة عن الجلسة يفترض أنّها كافية لحسم التوجّه نحو التوافق والانتخاب وإعادة تصويب مسار البلد، وإن شاء الله تسير الأمور في هذا الاتجاه».

المفاجآت قائمة

وإذا كانت بورصة الأسماء المدرجة في نادي المرشحين لرئاسة الجمهورية لم تشهد ما يوحي بتعديلات او تبدلات في الأسماء المتداولة، فإنّ الأجواء السائدة عشية الجلسة تشي بأنّ كل الاطراف في حال ترقّب وانتظار لمجريات الايام السابقة للجلسة وما ستفرزه حركة الاتصالات والمشاورات المنتظرة خلالها، والتي تشكّل عين التينة محورها الأساسي.

وفي هذا السياق، أبلغت مصادر سياسيّة معنية بالملف الرئاسي إلى «الجمهورية»، انّ المفاضلة الجدّية بين الشخصيات المرشحة للرئاسة لم تبدأ بعد بصورة جدّية، وإن كانت بعض الأسماء حاضرة اكثر من غيرها في التداول السياسي والاعلامي. وضمن هذا السياق، فإنّ الوقت ما زال متاحاً لتضييق حلقة الخيارات الرئاسية التي تنطبق عليها مواصفات التوافق، وليس مستبعداً أن نشهد مفاجآت، وربما انسحابات، وربّما أسماء وخيارات رئاسية جديدة. من دون ان توضح المصادر عينها ما تقصده في هذا الاطار».

لا تأكيد حتى الآن

في موازاة ذلك، فإنّ المناخ السابق للجلسة الرئاسية يبدو ثابتاً حتى الآن في مربّع الجمود السلبي، حيث تعكس مجريات الداخل مراوحة سلبية، حيث لم تسجّل حتى الآن أي خطوة توحي بأنّ انتخاب الرئيس يقترب من أن يكون أمراً واقعاً في جلسة 9 كانون الثاني. وتقابل هذه المراوحة، حماسة خارجية في إتمام هذا الاستحقاق في تلك الجلسة.

وعلى ما يقول مرجع سياسي لـ«الجمهورية»: «انتخاب الرئيس وعدمه على مسافة متساوية، وبالتالي كل الامور واردة. هناك جلسة محدّدة لانتخاب الرئيس، ورئيس مجلس النواب مصمم على عقدها، ويدفع الى أن تخرج برئيس للجمهورية، وهناك اطراف مواقفها متذبذبة وتقول الشيء ونقيضه في آن معاً، وفي هذا الجو، ليس في الإمكان تأكيد إن كان سيحصل توافق، كما ليس في الإمكان القول حتى الآن إنّ النواب سيتمكنون من انتخاب رئيس في 9 كانون».

واشنطن للتعجيل

وفيما يدخل لبنان في الأيام المقبلة في زحمة موفدين على الخط الرئاسي، لعلها تشكّل عاملاً مساعداً لدفع الاستحقفاق الرئاسي الى برّ الإنتخاب المنتظر، أكّدت مصادر ديبلوماسية لـ«الجمهورية»، أنّ «حضور واشنطن على الخط بات اكثر زخما».

وكشفت المصادر عينها عمّا سمّتها «إشارات أميركية مهمّة جداً، تعكس رغبة واشنطن في انجاز الانتخابات الرئاسية في جلسة 9 كانون الثاني، وتؤكّد على مجلس النواب أن يستجيب لتطلعات الشعب اللبناني واختيار رئيس للجمهورية يحقق مصلحة لبنان».

ورداً على سؤال عمّا يُقال عن أنّ واشنطن تتبنّى مرشحاً معيّناً لرئاسة الجمهورية، قالت المصادر الديبلوماسية: «وفق ما يؤكّد المسؤولون الاميركيون فإنّهم على صلة مباشرة بالملف الرئاسي، لا تقتصر فقط على حضورهم الفاعل في اللجنة الخماسية، بل على مشاورات تجري على اكثر من خط في لبنان وكذلك في خارج لبنان مع الدول الصديقة للتعجيل في إنجاز الانتخابات. وبالتالي فإنّ واشنطن تقارب ملف الرئاسة بصورة عامة من زاوية حاجة لبنان إلى انتظام حياته السياسية والدستوريّة، وهذه الحاجة تتوفّر بصورة أكيدة عبر توافق المكوّنات السياسيّة على انتخاب رئيس للجمهورية. هذا ما يقوله الاميركيون، وبالتالي، لم يبدر عنهم، أقلّه حتى الآن، لا صراحة او إيحاء، ما يوحي بأنّهم يضعون «فيتو» على أيّ اسم من بين المرشحين، أو أنّهم يدفعون في اتجاه خيار رئاسي محدّد».

باريس تحث

وللاستعجال الأميركي على حسم انتخاب رئيس في جلسة 9 كانون، ما يماثله على الخط الفرنسي، واكّدت ذلك مصادر ديبلوماسية من العاصمة الفرنسية لـ«الجمهورية» بقولها، «إنّ باريس قرّرت برنامج تواصل عاجل مع المسؤولين اللبنانيين للحث على انتخاب رئيس للجمهورية وعدم تفويت فرصة الانتخاب القائمة».

وبحسب المصادر عينها، فإنّ الزيارات المقرّرة لمسؤولين فرنسيين إلى لبنان في هذه الفترة تصبّ في هذا الإطار، لمساعدة اللبنانيين على التسريع في انجاز هذا الاستحقاق بانتخاب رئيس وتشكيل حكومة تُدخل لبنان في المسار الإنقاذي والاصلاحي، ولنقل رسالة واضحة بهذا المعنى من قبل الرئيس ايمانويل ماكرون».

ورداً على سؤال قالت المصادر: «إنّ إدارة الرئيس ماكرون تنظر بأمل كبير إلى جلسة 9 كانون الثاني، وتأمل أن تكتمل الصورة السياسية في لبنان بانتخاب رئيسه. وهذا بالتأكيد رهن بتحمّل كل الاطراف في لبنان مسؤولياتهم».

وعمّا إذا تعذّر انتخاب رئيس في 9 كانون الثاني، قالت المصادر: «نأمل ألّا يحصل ذلك، لأنّ عواقب فشل جلسة الانتخاب يُخشى انّها وخيمة وصعبة جداً على لبنان واللبنانيين».

وزيران فرنسيان

في سياق فرنسي متصل، وصل إلى بيروت امس، وزير الخارجية الفرنسية جان نويل بارو ووزير الجيوش الفرنسية سيباستيان لوكورنو.

وزار الوزيران الفرنسيان والوفد المرافق لهما قائد الجيش العماد جوزف عون في مكتبه في اليرزة وجرى البحث في الأوضاع العامة في لبنان والمنطقة، وسبل تعزيز علاقات التعاون بين جيشَي البلديَن، ومواصلة دعم الجيش في ظل الظروف الراهنة.

تأكيد على الاتفاق

على الصعيد الميداني، واصل الجيش الإسرائيلي خروقاته على امتداد المناطق الجنوبية المحاذية لخط الحدود الدولية، وتتجلّى تلك الخروقات بعمليات تفجير للمنازل وتجريفها في العديد من القرى، إضافة الى التخريب المتعمّد للبنى التحتية على امتداد المنطقة.

وفيما اكّد مرجع أمني لـ«الجمهورية» أّن الجانب اللبناني، سجّل اكثر من 1000 خرق لاتفاق وقف اطلاق النار نفّذها الجيش الاسرائيلي منذ اعلان الاتفاق قبل نحو شهر من الآن، وأحيلت جميعها الى لجنة مراقبة تنفيذ الاتفاق.

ورداً على سؤال قال المرجع: «ما زلنا ننتظر أن تمارس اللجنة دورها الكامل وفق المهمّة الموكلة اليها، حيث اننا حتى الآن لم نلمس فعالية جدّية لمهمّة لجنة المراقبة. كما لا نلمس أي ضغوط من الدول الكبرى الممثلة في اللجنة، على اسرائيل لوقف خروقاتها والانسحاب من الاراضي اللبنانية التي ما زالت تحتلها في الجنوب».

الاّ أنّ المصادر عينها كشفت عن تأكيدات تلقتها من قبل دول لجنة المراقبة على سريان الاتفاق بصورة كاملة في المدى القريب المنظور، بالتزامن مع الإجراءات الأمنية التي ستُطبق من الجانب اللبناني من قبل الجيش اللبناني بالتنسيق الكامل مع قوات «اليونيفيل». ونسب المرجع إلى مسؤول كبير قوله إنّ الأميركيين ابلغوه بأنّهم لا يرغبون بعودة أجواء الحرب، بل هم متمسكون باتفاق وقف اطلاق النار، ومواكبة تطبيقه بصورة حثيثة بما يضمن اعادة الامن والاستقرار على جانبي الحدود، ويمكن السكان من العودة الى بيوتهم».

إلى ذلك، وفيما يواصل الجيش الاسرائيلي تحذيراته لأهالي المنطقة الجنوبية من العودة الى منازلهم في القرى الحدودية، تحدث الإعلام الاسرائيلي عن خشية المستوطنين في الشمال من العودة، مشيراً إلى أنّهم يجدون صعوبة في العودة إلى منازلهم رغم وقف النار.

وبحسب الإعلام الاسرائيلي فإنّه على الرغم من وقف إطلاق النار في القطاع الشمالي، لا يزال سكان المستوطنات على الحدود مع لبنان يجدون صعوبة في العودة إلى منازلهم بسبب غياب الشعور بالأمن. وأضاف أنّه لم يتمّ بعد تأهيل الكثير من المستوطنات لإعادة استيعاب السكان. وأشار إلى أنّ الحكومة الإسرائيلية وافقت أخيراً على تمديد المساعدات الاقتصادية للنازحين من المستوطنات الشمالية، في محاولة للتخفيف من محنة السكان الذين يعيشون خارج منازلهم. ومع ذلك، لا يزال ردّ الحكومة بعيداً من تقديم حلّ شامل للتحدّيات التي تواجه سكان المنطقة. وتابع: «سكان المطلة، الذين عادوا إلى منازلهم، وجدوا دماراً كبيراً نتيجة المواجهة مع حزب الله».

ولفت إلى أنّ ذلك الوضع يؤكّد الفجوة بين الرغبة في العودة والروتين والواقع المعقّد على الأرض، فيما إعادة تأهيل البنية التحتية وضمان الأمن يشكّلان تحدّيات كبيرة في طريق العودة الكاملة للمستوطنين». وأشار الى أنّ مسألة العودة الكاملة للمستوطنين إلى منازلهم تعتمد على عدد من العوامل، وفي مقدمتها إنشاء غلاف أمني كافٍ واستكمال أشغال إعادة التأهيل في المستوطنات المتضررة.