Beirut weather 20.41 ° C
تاريخ النشر December 6, 2022
A A A
افتتاحية “البناء”: ميقاتي يسجل هدفاً في مرمى التيار… لكن الدور النهائي يحسمه توقيع المراسيم
الكاتب: البناء

كان الاختبار الأهم في رسم معادلات وتوازنات ما بعد الشغور الرئاسي في الاجتماع الحكومي الذي دعا اليه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أمس، وقرر التيار الوطني الحر مقاطعته، فظهر أن ميقاتي تعامل بمرونة مع تعديلات طلبتها الأطراف السياسية كشرط للمشاركة في الجلسة، بإضافة بنود وحذف بنود أخرى، وقالت مصادره إنه راعى أيضاً هواجس عبر عنها البطريرك بشارة الراعي وحصر جدول الأعمال بالقضايا التي تنطبق عليها صفة الحاجة الملحّة، رافضة وصف النتيجة بتسجيل نقاط في مرمى التيار ورئيسه النائب جبران باسيل، لأن الرئيس ميقاتي منفتح على الحوار مع الوزراء الذين قاطعوا جلسة الأمس وسيلتقي بكل الوزراء في لقاء تشاوري قريباً لمناقشة كيفية تسيير الأعمال الحكومية، والبدء بتحضير جدول أعمال الجلسة المقبلة للحكومة التي يأمل أن يحضرها جميع الوزراء، فيما كان كلام وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار مركزاً على الدعوة للتشاور ما يفتح الباب للتفاهمات اللاحقة، وهو ما أكده بصورة أشد كلام وزير السياحة وليد نصار عن انتظار نتائج اللقاء التشاوري الحكومي لتقرير مصير المشاركة المقبلة في اي اجتماعات للحكومة مضيفاً سنتخذ الموقف المناسب جلسة بجلسة.
على ضفة التيار الوطني الحر الذي عبر ناشطوه عن غضب من الحلفاء، خصوصا حزب الطاشناق وحزب الله، تم وصف الجلسة بالانتكاسة الدستورية والميثاقية، وسيعقد رئيس التيار النائب جبران باسيل مؤتمراً صحافياً بعد ظهر اليوم مع نهاية اجتماع تكتل لبنان القوي ليعلق على الجلسة وتداعياتها، وينتظر أن يتوقف أمام ما وصفه ناشطو التيار بتصدّع التحالفات.
وزيرا حزب الله وزير العمل مصطفى بيرم ووزير الأشغال علي حمية تحدّثا بعد الجلسة لنفي أي بعد سياسي لمشاركتهما، فقال حمية لم نتشاور ولم نتصل بأحد بل استجبنا لأوجاع الناس.
القرارات التي صدرت عن الاجتماع الحكومي توزّعت بين بنود تمويلية تشغيلية للوزارات، وسداد فواتير المستشفيات الخاصة وتأمين شراء أدوية السرطان والأمراض المستعصية، وتغطية رواتب المتقاعدين والمتعاقدين.
مصادر وزارية قالت إن العبرة تبقى في كيفية إصدار المراسيم التي ستترجم قرارات الحكومة، وهل سيكتفي الرئيس ميقاتي بتوقيع الوزراء الذين حضروا متبنياً تفسيراً دستورياً يقول بأن توقيع الثلثين يكفي لتغطية توقيع رئيس الجمهورية، بالرغم من العرف الذي سارت عليه حكومتان سابقتان في إدارة الشغور الرئاسي بعد ولاية كل من الرئيس اميل لحود وولاية الرئيس ميشال سليمان، يشترط توقيع جميع الوزراء بدلاً من توقيع رئيس الجمهورية، وفي هذه الحالة ماذا سيكون الوضع لو طعن وزراء التيار بالمراسيم واعتبروها غير دستورية من هذه الزاوية؟ وماذا لو أخذ المجلس الدستوري بالعرف أساساً لغياب النص الواضح، ما يعيد الحكومة رهينة لوزير واحد يستطيع تعطيلها، فكيف لثمانية وزراء، سيكون شرط عقد أي جلسة أو إصدار اي مرسوم موافقتهم المسبقة، ليس على إدراج الموضوع على جدول الأعمال، الذي يعده رئيس الحكومة ويعرضه على رئيس الجمهورية، ويرثه هنا كل الوزراء، بل الموافقة المسبقة على مضمون التوجّه الحكومي في مقاربة بنود جدول الأعمال، مضيفة أن الحسم مبكر في تحديد الربح والخسارة، وما حدث تأهيل للدور النهائي الذي لم يحِن بعد.

سجل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي هدفاً سياسياً في مرمى رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل بتأمين نصاب انعقاد جلسة مجلس الوزراء، وذلك بعدما عمل باسيل منذ الإعلان عن الدعوة وفق معلومات «البناء»، على إجهاض انعقاد الجلسة بإفقادها النصاب عبر مقاطعة الوزراء المحسوبين عليه وعلى الرئيس ميشال عون وتجلّى ذلك ببيان الوزراء التسعة الذين أعلنوا مقاطعتهم للجلسة مساء الأحد الماضي، لكن الاتصالات والضغوط التي مارسها ميقاتي على عدد من الوزراء ليل الأحد – الاثنين وقبيل الجلسة بساعات، نجحت بـ»سحب» «الوزير الملك» وزير الصناعة جورج بوشكيان الى صفه وتأمين النصاب.
ووفق قراءة أوساط سياسية لـ»البناء» فإن ميقاتي بعقده الجلسة رغماً عن إرادة التيار الوطني الحر، فرض موازين قوى في مجلس الوزراء لمصلحته وكرّسها من خلال تأمين نصاب الجلسات المقبلة التي أعلن أنه سيدعو اليها عندما تستدعي الحاجة، ويتحصّن ميقاتي بحضور وزراء ثنائي أمل وحزب الله ووزراء أحزاب أخرى، الأمر الذي سينعكس على المشهد السياسي العام وتحديداً رئاسة الجمهورية، إذ أن تكرار جلسات الحكومة ستضغط سياسياً على فريق التيار وعون للتنازل في مسألة الرئاسة لكون ميقاتي نجح باستمرار العمل الحكومي ومارس صلاحياته الدستورية في موقع رئاسة مجلس الوزراء والسلطة التنفيذية بشكل طبيعيّ رغم الشغور في سدة الرئاسة وغياب رئيس الجمهورية. إلا أن مصادر أخرى تتوقع أن يذهب عون وباسيل الى تشدّد أكبر بملف الرئاسة والحكومة الجديدة لاستعادة التوازن السياسي والدستوري الذي بدأ يختلّ لمصالح خصومهما في عين التينة والسراي الحكومي وللحصول على ضمانة سياسية وميثاقية في الرئيس المقبل والحكومة الجديدة. متوقعة ارتفاع نبرة الخطاب السياسي والطائفي خلال المرحلة المقبلة.
وكانت جلسة الحكومة انعقدت في موعدها في السراي الحكومي برئاسة ميقاتي وحضور 17 وزيراً، وأكد ميقاتي بعد الجلسة «أنني اختصرت جدول الأعمال لأنه يجب اتخاذ قرارات ضرورية وأتمنى أن يحضر جميع الوزراء المرة المقبلة التي نعقد جلسة فيها عند الضرورة القصوى». وقال «عندما طرحت جدول الأعمال طلب بعض الوزراء شطب بعض البنود وتمّ التجاوب معهم وليس هناك «وزير ملك» فنحن جميعاً «خدم للبنانيين». وأضاف، «تم تقليص جدول الجلسة بناءً لطلب الوزراء الذين لم يحضروا».
وأكد وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال زياد مكاري خلال تلاوته المقرّرات أنه تمت الموافقة على الطلب من مصرف لبنان تسديد مبلغ 35 مليون دولار لشراء الأدوية وحليب الأطفال. وقال مكاري «أقرينا المساعدة الاجتماعية للعسكريين والمتقاعدين بمساعدة تقدر بضعفي الراتب». وأضاف، «مش مزبوط انو الوزراء ما معهم خبر». والأكيد أنهم تبلغوا حتى لو بالتواتر فالجميع كان يعلم أن الحكومة ستجتمع وتم إرسال جدول الأعمال على مجموعة «الواتساب».
وكان وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور الحجّار حضر الى السراي، لتلاوة بيان الأحد خلال الجلسة وفق ما قال، ومحاولة إقناع ميقاتي بعدم عقدها.
وأشارت المعلومات الى أن الحجار بعد أن أدلى بدلوه، لم يلق تجاوباً من ميقاتي، فحاول الاقتراب منه والاحتكاك معه، الا ان الوزير محمد المرتضى، تدخل وهدّأه، فخرج من المجلس. كما كشفت عن سجال بين الحجار والأمين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكية عندما بدأ الأخير بتلاوة جدول أعمال الجلسة فقاطعه الحجار بقوله: «مين سمحلك تبلش بتلاوة الجدول قبل ما اخلص كلامي»، فأجابه مكية: من أنت لكي تسمح لي أنت وزير، وأنا باخد توجيهاتي من رئيس الحكومة».
وقال الحجار في بيان: «خلال الجلسة، طلبت من رئيس حكومة تصريف الأعمال والوزراء الحاضرين التراجع خطوة إلى الوراء، ولكن لم ألق أي تجاوب، فسجّلت موقفي وخرجت. كان من الأجدى لنا أن نتشاور كحكومة ونتفق على كيفية إدارة البلاد في هذه المرحلة لغاية انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة أصيلة، ولنترك ملف الرئاسة للنواب ومجلس النواب».
إلا أن المعلومات أوضحت أن انفعال حجار خلال حضوره الجلسة انتهى باعتذار من رئيس الحكومة قبل تصريح ميقاتي للإعلام.
وكان ميقاتي أشار في مستهل الجلسة الى أن «الجلسة التي نعقدها استثنائية بكل معنى الكلمة، والاكثر استثناء فيها هو الملف الطبي الذي كان شرارة عقدها، وهو المتعلق بحقوق مرضى السرطان وغسيل الكلى. ولولا هذا الملف لما دعونا الى هذه الجلسة، لكن اذا كان البعض يتلطى وراء الدستور والعيش المشترك فنقول له إنهما لا يتحققان بموت الناس، وبكل الأحوال لن يحصل ذلك عن يدنا».
وكرّر ميقاتي القول «إنني لن أساهم في ارتكاب جريمة قتل المرضى بالامتناع، وليتحمل من يريدون منعنا من تنفيذ واجباتنا والقيام بالمهام المطلوبة منا مسؤولية جريمة القتل هذه». وقال: «ماضون في تحمّل مسؤولياتنا مهما بلغت الصعوبات، وأكرر بالدعوة الى تعجيل عملية انتخاب رئيس الجمهورية».
فيما حافظ وزيرا حزب الله على اللغة الهادئة، لم يدلِ وزراء حركة أمل بأي تصريح. وأكد وزير الأشغال علي حمية أننا «لم نتصل ولن نتصل بأحد وجئنا إلى الجلسة بسبب وجع الناس»، أما وزير العمل مصطفى بيرم فأكد أننا «نحترم من حضر ومن غاب والأصل كان احترام الدستور «هالقد حجمها» وندعو إلى الحوار لحل كل الأمور».
في المقابل صعّد التيار الوطني الحر من خطابه موجهاً رسائل سياسية للحلفاء والخصوم معاً، متوعداً بحراك تصعيدي قريب. وعلمت «البناء» أن النائب باسيل سيعقد مؤتمراً صحافياً عند الرابعة والنصف غروب اليوم بعد اجتماع تكتل «لبنان القوي»، على أن يعلق على انعقاد الجلسة والوقائع التي دارت قبلها وبعدها وملفات متعدّدة، وستكون مواقفه عالية السقف وتتضمن رسائل سياسية تصعيدية لميقاتي وللوزراء الذين حضروا الجلسة.
وأشارت مصادر التيار الوطني الحر لـ»البناء» الى أن الوزير بوشكيان كان حتى مساء الأحد في عداد الوزراء المقاطعين للجلسة، وهذا هو موقف حزب الطاشناق الذي هو جزء من التكتل النيابي والسياسي للتيار، لكن لا نعرف ماذا حصل وكيف عدّل موقفه وما هي الاعتبارات التي أملت عليه الحضور. وأوضحت أن «الوزير الحجار حضر بعد ما تأمن نصاب الجلسة وليس هو من أمن النصاب، وحضر لكي يقول موقف التيار ويخرج».
وكشفت المصادر عن حصول اتصالات بين التيار وحزب الطاشناق لبحث ما جرى، وأكدت أن هذا الملف وموقف بوشكيان المنفرد بالحضور سيناقش خلال اجتماع التكتل اليوم وسيحضر الوزير وسيشرح موقفه.
وعن تداعيات انعقاد الجلسة على العلاقة بين التيار وحزب الله، لفتت المصادر الى أنه «ليست المرة الأولى التي يحصل فيها تباين في وجهات النظر مع الحزب في ظل أجواء متشنجة ومتوترة في البلد، لكن بالتأكيد لن نتبنى أي تحليلات تعكس خلافاً بين الطرفين، وصحيح أن ما حصل ليس سهلاً فهو مخالفة دستورية ونحر للميثاقية بمشاركة كافة الوزراء الحاضرين وسيؤدي الى انعكاسات ليس على العلاقات مع بعض الحلفاء فحسب، بل على صيغة النظام السياسي برمته».
وحول الرواية التي تمّ التداول بها على وسائل الإعلام بأن باسيل عاد من قطر بأجواء سلبية والتقى الحاج وفيق صفا ووضعه بأجواء زيارته القطرية، وطلب موعداً مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ولم يأته الرد حتى الآن، نفت مصادر التيار هذه الرواية التي وضعتها في خانة الروايات المختلقة التي تدأب على بثها وسائل إعلام، مؤكدة أن «باسيل لا يتعاطى بهذه الطريقة وكذلك الأمر لا يتصرف الحزب بهذا الأسلوب مع حلفائه وخاصة التيار».
وأكد وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري خوري، وهو ممن لم يحضروا الجلسة، أن «لبنان أمام واقع لم يشهده من قبل ونحن امام 3 محطات: الأولى حكومة معتبرة بشبه المستقيلة والثانية خلو في سدة رئاسة الجمهورية والثالثة الحكومة لم تأخذ ثقة مجلس النواب». وقال خوري في تصريح: «هذه الجلسة غير دستورية بالإضافة الى أن ما اتفق عليه ضمن إطار حكومة تصريف الاعمال تصرّف الاعمال ضمن النطاق الضيق الا في الحالات الملحة جداً جداً وطارئة جداً».
وبعد الجلسة، عقد اجتماع تشاوري للوزراء في السراي حضره 14 وزيراً بمن فيهم الوزيران وليد نصار وهيكتور الحجار من الوزراء الذين لم يحضروا جلسة الحكومة. على الاثر قال نصار: «نأخذ القرار بما خصّ حضور جلسات مجلس الوزراء من عدمه كل جلسة بجلستها». اما وزير التربية عباس الحلبي فقال بعد اجتماع وزراء الحكومة: «ربما نكون مدعوّين الأسبوع المقبل إلى جلسة حوارية أخرى للوزراء قبل اجتماع لجلسة مجلس الوزراء».
وعلمت «البناء» أن ميقاتي سيدعو الى جلسات عدة للحكومة في ظل وجود الكثير من الملفات الطارئة على الصعد المالية والاقتصادية والمعيشية.
من جهتها، شددت أوساط نيابية في كتلة التنمية والتحرير لـ»البناء» على أن «الجلسة دستورية وضرورية خدمة لمصالح الناس وهو ما كان يجب أن يحصل، فلا انتصار لفريق على آخر إنما تأكيد على أن الاولوية دائماً مصلحة الناس وهي تضع حدود القانون والدستور».
وكان رئيس مجلس النواب نبيه بري، رأس الاجتماع الدوري للكتلة في عين التينة. وكان المكتب السياسي لحركة أمل أكد ألا ملف يتقدم على الحوار من أجل توافق على انتخاب رئيس للجمهورية. ودعا في بيان، “جميع القوى والمكونات السياسية إلى تحمّل مسؤولياتها الوطنية وعدم المكابرة”. وقال “عقد الجلسة الحكومية هي خطوة في مسار عدم استقالة السلطة التنفيذية من مسؤولياتها الوطنية وبداية فتح أفق معالجة القضايا الاجتماعية الملحة”.
في غضون ذلك، واصلت اللجان النيابية المشتركة أمس، في جلسة هي التاسعة، درسها مشروع قانون الكابيتال كونترول في مجلس النواب برئاسة نائب رئيس المجلس الياس بوصعب. الذي أوضح بعد الجلسة أنه «لا يمكننا أن نشرّع على قياس الشخص فحاكم مصرف لبنان يمكن أن يتغيّر بعد 6 أشهر، واليوم القرارات المتعلقة بالمصارف هي بيد شخص واحد»، مؤكداً «اننا نريد إزالة هذه الاستنسابية». وذكر أنه «تم تغيير مصطلح الأموال الجديدة لتصبح الإيداعات والتحاويل الجديدة، وسندرس صيغتها ونناقشها في الجلسة المقبلة»، لافتاً الى «أنني من المودعين الذين خسروا أموالاً في لبنان».