Beirut weather 20.41 ° C
تاريخ النشر June 17, 2023
A A A
افتتاحية “البناء”: سقوط محاولة فرض رئيس بالـ 65 صوتاً في الدورة الأولى فتحت الطريق لاستعادة فرنسا التفويض
الكاتب: البناء

تركزت الاهتمامات السياسية على قراءة المشهد الناتج عن جلسة الانتخابات الرئاسية في 14 حزيران، مع تأكيد المعلومات عن وجود خطة متكاملة لمحاولة فرض رئيس بـ 65 صوتاً في الدورة الأولى التي تحتاج إلى 86 صوتاً للفوز فيها، عبر مسعى مثلث الأضلاع، ضلعها الأول والأهم هو تركيز ماكينة سياسية أمنية مالية دبلوماسية مهمتها ضمان حصول مرشح التقاطع جهاد أزعور على 65 صوتاً وأكثر في الدورة الأولى، وكان أصحاب التقاطع داخلياً وخارجياً يعتقدون أن هذه المهمة يفترض أن تكون سهلة. فنواة التقاطع وحدها هي قوى 14 آذار وقد استعادت الحزب التقدمي الاشتراكي الذي غادرها بعد جولات ترشيح ميشال معوّض. وهذه القوى سبق وكان حجمها النيابي 71 نائباً يفترض أن يكون معها منهم 60 نائباً على الأقل بعد إزاحة الرئيس سعد الحريري من المشهد السياسي، ونواب التغيير الممكن استقطابهم بين 8 و9 نواب، والقادم الجديد الى التقاطع التيار الوطني الحر بمؤازرة قطريّة نشطة يمثل 17 صوتاً، ويفترض بالمقابل أن قوى 8 آذار الداعم الوحيد لترشيح سليمان فرنجيه قد خسرت التيار الوطني الحر الذي كانت تمثل معه 57 صوتاً في انتخابات 2009، فماذا عساها تمثل بعد خسارته وفشلها في استقطاب جنبلاط وتكتل الاعتدال؟ وتقول مصادر سياسية إن التهديدات التي تحدّث عنها نواب من كتلة التغيير لم تعُد خافية على أحد، وإن نائبين تغييريين تعرّضا علناً لها، بينما تمّ ضمان انتقال نائبين آخرين من الكتلة إلى تقاطع أزعور بتدخل حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة الذي تلقى وعوداً بمعالجة ملفاته الخارجية إذا تمّ ضمان فوز أزعور، وتمّ تحييد نواب لبنان الجديد عبر التهديد بشق التحالف إذا صوت عدد من أعضائه لفرنجيه بتهديد أعضاء محسوبين على سلامة بالتصويت لأزعور.

وبالتوازي كانت الخطة تقوم على بقاء النواب المؤيدين لقوى التقاطع بالبقاء في المجلس وجذب النواب الآخرين من غير مؤيّدي فرنجيه، بحيث كان التقدير بقاء فوق الـ80 نائباً، وهو الرقم الذي بقي في القاعة عند خروج مؤيدي فرنجيه عملياً، لتعطيل النصاب، وعندها يتم إدخال وسائل الإعلام والإعلان عن الاعتصام في المجلس النيابي حتى عقد دورة ثانية وإعلان أزعور رئيساً، وتتم مناشدة سفراء الدول الكبرى وممثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي للتوجّه الى المجلس والبقاء حتى يتم عقد الدورة الثانية، وتتم اتصالات دولية رفيعة برئيس مجلس النواب أقرب الى التهديد ما لم يقبل العودة الى قاعة الهيئة العامة والإعلان عن دورة ثانية. وتقول المصادر إن الفشل في تأمين الـ 65 صوتاً، بل وفي كسر عتبة الـ 60 صوتاً، هو الذي أسقط هذا المخطط الجهنميّ، وهو ما يفسّر حال الهستيريا التي أصابت أصحابه.
تعتقد مصادر نيابية أن ما جرى هو سقف ما يمكن فعله لصالح هذا المخطط الذي هُزِم وانتهى، وانتهى معه ترشيح أزعور، الذي كانت وظيفته فتح الطريق لهذا المخطط. ولذلك توقعت المصادر أن يكون مناخ التفاهم السعودي الفرنسي الذي أظهره البيان المشترك على صعيد حجم التعاون الاقتصادي والمشاريع الكبرى التي وُعدت الشركات الفرنسية بنيله، قد أنجز صفقة معاكسة لتلك التي تمّت بين الرياض وواشنطن، نالت فيها السعودية الضوء الأصفر لخطتها نحو سورية مقابل إمساك واشنطن بملف الرئاسة اللبنانية، فتنضوي فرنسا وراء الخطة السعودية في سورية، مقابل استعادة فرنسا التفويض في الملف اللبناني بعد الفشل الأميركي. وهذا يعني أن يحمل وزير الخارجية الفرنسية السابق جان ايف لودريان تصوراً يمثل تنشيطاً وتحفيزاً للمبادرة الفرنسيّة نحو الملف الرئاسي اللبناني.

داخلياً، كان الأبرز ما قاله نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب بعد لقائه رئيس مجلس النواب نبيه بري، عن أن فشل المجلس بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، وفشل الكتل النيابية بعقد حوار جدّي للخروج من هذا المأزق يبقيان الانتخابات النيابية المبكرة مخرجاً وحيداً من الأزمة. وتعتقد مصادر نيابية أن كلام بو صعب من منبر بري ونقل استعداده للتفكير يعنيان رسالة للكتل النيابية بأن الطرح قد يصبح جدياً إذا بقي الاستعصاء عند بوابة رفض الحوار والفشل في انتخاب رئيس. وهذا سوف يدفع بالكتل النيابية إلى إعادة حساباتها لأن تحوّل الطرح الى مشروع جدّي لا يستطيع أحد رفضه من زاوية ديمقراطية وإصلاحية وسيادية.

وإذ لم يسجل الملف الرئاسيّ أي جديد بعد جلسة 14 حزيران، بانتظار وصول المبعوث الرئاسي الفرنسي الخاص جان ايف لودريان الى بيروت مساء الأحد المقبل، رصدت الأوساط السياسية المحادثات بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في باريس والتي ستستمر لأيام لبحث جملة من الملفات تتعلق بالمنطقة ومستقبل العلاقات بين البلدين، وحضر الملف اللبناني على طاولة البحث.

وأشارت مصادر دبلوماسية مواكبة للقمة أن التوجّه هو لدعم اللبنانيين في اختيار قيادات سياسيّة مستقبليّة شبابية تتبوأ أرفع المناصب وتكون على قدر التحديات الحاصلة في المنطقة. وبحسب معلومات صحافية، فإن اللقاء بحث ملفات عدّة أبرزها الملف اللبناني وكيفية الاستفادة من التقارب الإيراني – السعودي، حيث يفترض أن يكون للأخير، تأثير إيجابي على لبنان.
ومساء أمس، أعلنت الرئاسة الفرنسية (الإليزيه)، في بيان أنّ «الرّئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السّعودي الأمير محمد بن سلمان آل سعود، شدّدا خلال لقائهما في باريس، على ضرورة وضع حدّ سريع للفراغ السياسي المؤسسيّ في لبنان، الأمر الذي يُعَدّ العائق الرئيسي أمام حل الأزمة الاجتماعية والاقتصادية الخطيرة».
وقد نقلت وسائل إعلام أجنبية إشارة بن سلمان الى أن هناك خلية عمل في السعودية مكلفة بالتواصل مع القوى المؤثرة في لبنان ومع اللقاء الخماسيّ لا سيما مع فرنسا لحل الأزمة اللبنانية وتسهيل انتخاب رئيس للجمهورية.
ومن المتوقع أن ينقل لودريان أجواء اللقاء بين بن سلمان وماكرون الى المسؤولين اللبنانيين، حيث يجري جولة استطلاع ويسمع من كافة الأطراف رؤيتها قبل أن يطرح عليهم حلولاً ويُعيد طرح المبادرة الفرنسية أي المقايضة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، كما سيحاول إقناع الأطراف بالاتفاق على مرشح توافقيّ مع عدم استبعاد أحد من المعادلة.

ولفتت مصادر نيابية لـ«البناء» أن رئيس مجلس النواب نبيه بري «لن يدعو الى جلسة جديدة إلا بحال توفرت معطيات جديدة تكسر حالة المراوحة ولا يكرّر سيناريو الجلسات الماضية، موضحة أن الجلسة الأخيرة فرضت نتائج ووقائع لا يمكن تجاوزها لجهة تثبيت الوزير السابق سليمان فرنجيه وفشل المعارضة في كسره وإقصائه من السباق الرئاسي أو بفرض مرشحها الوزير السابق جهاد أزعور، ما يفرض على هذه القوى المعارضة التجاوب مع مبادرات الحوار بعد سقوط نظريات الاستعراض والقوة والإقصاء». ولفتت المصادر الى أن الرئيس بري يعوّل على نتائج زيارة المبعوث الفرنسي لكي يدرس بعدها إمكانية الدعوة الى جلسة انتخاب جديدة.
الى ذلك، سجل موقف لافت لنائب رئيس المجلس الياس بو صعب. فبعد زيارته عين التينة، قال بو صعب: «تمنيت من الرئيس بري البدء في التفكير جديًا بالتوجه الى انتخابات نيابية مبكرة لأن المجلس الحالي عاجز عن انتخاب رئيس للبلاد». أضاف: «ما عرفته من بري أن الحوار هو الباب الأفضل ولكن إن كان الأفرقاء لا يريدون الحوار فهو مستعد للدعوة الى جلسة ثانية».

وتشير أوساط سياسية لـ«البناء» الى أن نتيجة جلسة الانتخاب الأخيرة والتحرك الفرنسي باتجاه لبنان وطرح ملف الرئاسة على طاولة بن سلمان – ماكرون، يؤكد بأن مصير الرئاسة اللبنانية أصبح في الخارج، ومن ملفات التفاوض بين اللاعبين الكبار الإقليميين والدوليين، وبالتالي لن نشهد رئيساً للجمهورية إلا بتسوية إقليمية – دولية – داخلية»، موضحة أن «القضية ليست صراعاً بين أطراف داخلية فقط، بل لها أبعاد خارجية تتعلق بمسار التفاوض والتسويات في المنطقة، من الاتفاق الإيراني – السعودي في الصين الى الانفتاح السعودي الخليجي العربي على سورية وعودتها الى الجامعة العربية، الى تقدم المفاوضات في الملف النووي الإيراني، وما ينتظر هو وصول مناخ الانفراجات الى لبنان»، ولفتت الأوساط الى أن «حل الأزمة الرئاسية في لبنان قد يطول نظراً لارتباطه بملفات تفاوضية عدة في المنطقة لا سيما تلك المتعلقة بالأمن الإسرائيلي كترسيم الحدود البرية واستمرار ضمان تنفيذ اتفاق ترسيم الحدود البحرية الاقتصادية والتهديد العسكري الذي يمثله حزب الله لـ«اسرائيل»، لا سيما بعد المناورة العسكرية الأخيرة في لبنان التي أرعبت القادة الإسرائيليين، لذلك سيستمر الأميركي بتعطيل الاستحقاق الرئاسي ومنع وصول مرشح حزب الله حتى يتمّ التفاوض على ملفات أساسيّة في المنطقة متعلقة بـ«إسرائيل» وموقع لبنان في المعادلة الفلسطينية فضلاً عن أزمة النازحين السوريين».

وفي سياق ذلك، رأى رئيس الهيئة الشرعية لحزب الله الشيخ محمد يزبك أن «يوم 14 حزيران تكشفت فيه النيات والعجز عن فرض رئيس، ولا سبيل إلا التفاهم والابتعاد عن الشخصانية والحسابات الضيقة وكسر الآخر، فالخاسر في هذا المعترك هو لبنان، ولا يظنن أحد أو فريق بأن بإمكانه إلغاء الآخر. فمهما كانت الحسابات والأجندات، ومهما كانت أطماع الخارج وسياساته، نعود ونؤكد أن على اللبنانيين أنفسهم العمل بكل جدية للخروج من الفراغ القاتل، ولا يكون إلا بالحوار هذا هو لبنان لا تقوم قيامته الا بالحوار والتفاهم، وليكن ما بعد 14 حزيران غير ما قبله بالتوجه الصادق للاتفاق بعيداً عن العصبيات والاتهامات والتخوين».
في المقابل أعربت مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان عن أسفها «لعدم انتخاب رئيس للبنان بعد اثنتي عشرة جلسة انتخابية غير حاسمة». وأشارت في بيان الى ان «من أجل مصلحة الشعب اللبناني وحرصاً على استقرار البلاد، نحثّ القيادات السياسية وأعضاء البرلمان على تحمّل مسؤولياتهم وإعطاء الأولوية للمصلحة الوطنية من خلال انتخاب رئيس جديد من دون مزيد من التأخير». وفي السياق، اعتبر البيان أنّ «أي استمرار للوضع الراهن غير المستدام لن يؤدي إلا إلى إطالة وتعقيد مسيرة تعافي لبنان فضلاً عن تفاقم المصاعب التي يواجهها الشعب». وحثّت مجموعة الدعم الدولية، السلطات اللبنانية على «المسارعة باعتماد وتنفيذ خطة إصلاحية شاملة لوضع البلاد على مسار التعافي والتنمية المستدامة»، مؤكدةً استمرارها بالوقوف إلى جانب لبنان وشعبه.

إلى ذلك خطف مؤتمر بروكسل الأضواء، واستدعى الموقف الأوروبي غير المتعاون في بروكسل مع طروحات لبنان في ملف النزوح السوري، ردود فعل لبنانية.
وكشف وزير المهجّرين في حكومة تصريف الأعمال عصام شرف الدين أن «عرقلة ملف اللاجئين من قبل الاتحاد الأوروبي هي ضغط سياسيّ على الحكم السوري لأنهم غير راضين عن نتائج الحرب السورية». واعتبر شرف الدين أن «بوجود هذا العدد الكبير من اللاجئين السوريين، ربما تكون للبعض منهم عقيدة سلفية أو توجّه ديني يمكن استغلاله من قبل خلايا نائمة لزعزعة الأمن في لبنان».
وأشارت مصادر مطلعة لـ»البناء» الى أن «الدول الأوروبية لن تسمح بعودة النازحين السوريين الى سورية لأسباب عدة سياسية واقتصادية وأمنية»، موضحة أن الأوروبيين لن يسمحوا بحل أزمة النازحين قبل تبلور قرار أميركي – غربي بحل هذه القضية، عدا عن مخاوف أوروبية من أن يؤدي أي قرار لبناني لإعادة النازحين قسراً الى سورية، الى تسرب أعداد كبيرة منهم الى أوروبا التي تغص بالنازحين الأوكران، كما أن الولايات المتحدة وأوروبا تريدان إبقاء أزمة النازحين كأداة للضغط السياسي والأمني على لبنان وسورية». وتخوفت المصادر من مخطط لإبقاء النازحين لسنوات وتحويلهم الى أمر واقع ما يسمح بدمجهم بشكل تدريجيّ في المجتمع اللبناني». وتوقعت المصادر أن تقرر «الدول الغربية في المؤتمر رفع الدعم الخارجي للبنان ودول النزوح في إطار تمديد مشروع إبقائهم في لبنان». محذرة من «ربط دول الغرب حل أزمة النزوح بعلاقاتها مع سورية وبالحل السياسي للأزمة السورية».

((وتردّد أن دولاً أوروبية منعت وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار من المشاركة في عداد الوفد الوزاري اللبناني المشارك في مؤتمر بروكسل بسبب مواقفه من أزمة النازحين، إلا أن الوزير حجار نفى في تصريح لـ»البناء» أن يكون استبعد من الوفد، مؤكداً أنه لم يكن ضمن عداد الوفد في الأصل رغم وجوده في بروكسل. موضحاً أنه خلال جلسة مجلس الوزراء تمّ بحث تكليف وفد وزاريّ للمشاركة في المؤتمر، لكن لم ينضم إليه.))
وذكر رئيس الجمهورية السابق ميشال عون أنّ «مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل لا يريد التطبيع مع النظام السوري، وهذا شأنه، أما حديثه عن إبقاء النازحين في الدول المضيفة وربط عودتهم بالحل السياسي فهذا شأننا ومصير وطننا، ونرفضه جملة وتفصيلاً، ونرفض أن يدفع لبنان ثمن الحرب التي شُنَّت على سورية».

ولفت في بيان إلى أنّ «مشروع دمج النازحين في المجتمع اللبناني هو تدمير ممنهج للبنان؛ وأسئلة مشروعة لا بدّ أن تُطرح حول دور فرنسا وألمانيا في هذا الشأن: مَن منحهما حق التلاعب بمصير لبنان؟ لأجل ماذا؟ ولمصلحة من؟ وأي «مستقبل» لسورية ولبنان تريدون «دعمه» وانتم تسعون لتخريب نسيج البلدين وضرب مقومات وجودهما؟».

وأكّد أنّ «مشروع الدمج يلغي عودة السوريين الى بلادهم وأرضهم مع ما يحمل ذلك من تداعيات على لبنان وعلى سورية على مختلف الصعد. هو قرار يقوّض المجتمعين اللبناني والسوري معًا، وعليهما رفضه ومقاومته مهما كلّف الأمر، والتنسيق بين الدولتين ضرورة من أجل تحقيق العودة الكريمة والآمنة».