Beirut weather 17.41 ° C
تاريخ النشر February 24, 2017
A A A
اغتيال جنيف وولادة عالم جديد مسقط رأسه دمشق
الكاتب: نواف إبراهيم - سبوتنيك

لم يظهر المجتمع الدولي على حقيقته كما يظهر في هذه الأيام تجاه القضايا العالمية والملفّات الساخنة التي أشعلت تحت مواقدها النار دول ما يُسمّى بالمجتمع المتحضّر والتي تُدير شؤون العالم منذ دخل مفهوم الاستعمار حيز التطبيق تحت شعارات “التبشير”، فقتلت ودمّرت واحتلت دولاً وشرّدت شعوبها وجوّعتها وجعلت منها عبرة لغيرها من الدول التي لا تنصت لها، نعم هذه هي الحقيقة وظهرت بالتدريج بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وفرّخت من بعدها منظّمات دولية تُعني بحقوق الإنسان كما تزعم إلا أنها ليست صورة حديثة مفهوم التبشير الاستعماري بذريعة تبدو أكثر عصرانية وملائمة لحاجات البلدان التي سبقت واستعمرتها, وبالتالي هي ما زالت ترقص رقصة الموت على صفائح التوتّر الذي أنشأته بين الدول وبين الشعوب في دولها على أسس دينية وعرقية وطائفية وإثنية وعشائرية وإلخ.

وتحت يافطة التبشير بحقوق الإنسان سلّطت قوى الاستعمار الجديد, على رقاب المجتمعات الفقيرة النامية, أربع منظّمات سيادية دولية لا يجوز الطعن بمصداقيتها من حيث المبدأ تتبنّاها هيئة الأمم المتحدة التي تُعتبَر رأس الأفعى الكبرى في جسم الهيدرا الذي يتربّع على العالم ولا يوفّر جهداً في حشر هذا الرأس في هذه الدولة، وذاك الرأس في تلك وهلّم جرّة، فمجلس الأمن الدولي لم يكن يوماً إلا منصّة للتآمر وفرض العقوبات وتمرير مشاريع القرارات التي لا تمّت للقوانين والشرائع الدولية بِصِلَة، لتدمير هذا البلد أو إسقاط نظامه تحت البند السابع الذي يُجيز التدخّل العسكري، ولا يبدو الزعيم الليبي الراحل “معمّر القذافي” مخطئاً-رغم اشكالياته وجدليته السياسية- حين مزّق ميثاق الأمم المتحدة من على منبر هذه الهيئة المتسلّطة على العالم ورماه خلفه ليلطم شعارها الزائف، وكم تحدّث الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” بهذا الصدد وعلى سبيل المثال لا الحصر عندما شارك في إحياء الذكرى السبعين لتأسيس هذه المنظمة العامّة حين تحدّث عن الذي يجري في العالم وأتى على ذكر سورية التي كانت تقتل على يد الإرهاب بدعم وتغطية سياسية من منظمات هذه الهيئة الخبيثة، وقال بعد أن فنّد أخطاء هذه المنظمة وأفعالها التدميرية بحكم السيطرة عليها من بعض الدول التي تعتبر نفسها متحضّرة وتُنصّب نفسها شرطيّاً على هذا العالم، قال هل رأيتم ما الذي فعلتموه بهذا العالم؟

جنيف بين النجاح والفشل وآمال الحل السياسي المعلقة
ومن هنا العد يطول فمحكمة الجنايات الدولية أيضاً جزء من هذه المنظومة التي تعمل على مطاردة هذا وذاك من قادة العالم بحجج مختلفة لإجباره على الرضوخ أو اغتياله سياسيّاً وحتى جسدياً وتمرير رجالاتهم الذين كانوا قد أعدّوهم مسبقاً، ولا يغيب هنا بنك النقد الدولي هذا الخزّان المالي الهائل الذي يسرق وينهب أموال الدول والشعوب المسروقة أصلاً من بعض قادتها ليكن المحرّك الاقتصادي الأول الذي يتم استخدامه في حال فشلت كل المنظمات السابقة في تطويع أي بلد، فترهق الدولة التي تريد السيطرة عليها بالديون الكبيرة بحيث تصبح فيما بعد عاجزة عن سداد الدين ومن هنا يتم التحكّم بمفاصل الدولة وسياستها الداخلية والخارجية وتسير في طريق العبودية الى أن تموت أو تحيا كما أرادت مراكز القرار التي تدير هذا البنك ، ولم يقف الحد هنا بل هناك آلاف بل عشرات الآلاف من المنظمات التابعة لهذه  المنظمة الدولية ومن يتبعها في العلن والخفاء بدءا من مجلس “حقوق الإنسان” وانتهاءا بمنظمات المجتمع المدني والمنظمات الإنسانية التي افتتحتها في معظم دول العالم وموّلتها وحاولت هدْم الأنظمة فيها عبر نشاطاتها المشبوهة تحت ستار العمل الإنساني وحماية حقوق الانسان وهذا ما جعل الرئيس بوتين خلال الأعوام القريبة الفائتة بأن يصدر قراراً بمنع جميع هذه المؤسسات المموّلة من الخارج على الأرض الروسية وكان قراراً صائباً لما توضح فيما بعد من الدور السيء والغايات المبيّتة لهذه المنظمات لجهة السيطرة أو القضاء على روسيا من الداخل.

فهناك إذاً تجارب ومساعي جادة للتخلص من هيمنة الإمبراطوريات الاقتصادية حيث قامت سوق شرق أوروبا بالتعاون مع الاتحاد السوفيتي السابق بمسعى لخلق توازن للخروج من هذه الهيمنة ولكن عادة ما تواجه هذه المساعي عراقيل إعلامية تحاول تصوير الدول التي تحاول التخلص من هيمنة الاقتصاد الأميركي بأنها دول دكتاتورية وغير ديمقراطية رغم أن المهم هو أنّ هذه الحكومات تمكّنت حاليا التخلص من هيمنة الولايات المتحدة الاميركية والنظام الرأسمالي العالمي، إذاً لن تقف أمريكا مكتوفة الأيدي وستحاول بشتّى الوسائل والسُبُل خلق ذرائع جديدة يوميّاً طالما هي تقتات على مصائب الآخرين لن تغيّر هذا النهج أو هذا السلوك وخاصة بما يتعلق بالشرق الأوسط والأزمات الدائمة التي افتعلتها فيه وكانت شريكاً اساسيّاً في تخريب وتدمير دولاً وشعوب.

بوتين: وحدة الأراضي السورية أمر ينبغي الحفاظ عليه
وها هو هذا المجتمع الدولي يعبّر عن نفسه مرّة جديدة في ملفات الشرق الأوسط بلا استثناء وعلى وجه الخصوص الملف السوري، الذي يتعامل معه على طريقة المافيات التي تفعل ما يخدم مصالحها في مخالفة فاضحة لجميع القوانين والشرائع الدولية غير آبهة بما يحصل لشعوب المنطقة في فلسطين والعراق واليمن وليبيا وفي سورية، هذه الدولة التي يحاربها ما يُسمّى بالمجتمع الدولي منذ بداية الأزمة التي افتعلتها بعض دوله بالتنسيق مع بعض الدول الإقليمية بقيادة الراعي الأكبر للإرهاب في العالم الولايات المتحدة الأميركية وملحقاتها من دول الاتحاد الأوروبي الذي يتخبّط الآن في أنهار دماء الأبرياء في دول العالم الثالث فقط من أجل الثروة والسيطرة وتأمين البنك الفيدرالي البريطاني الذي قتل لأجله الرئيس “جون كندي” عندما انتقد سياسته وقال أن العالم لا يمكن أن يستمر في الحياة بهذه الطريقة

إذاً البُنى الأساسية للرأسمالية العالمية تقوم على قواعد بربرية بحيث تتحكّم كتلة رأسمالية صغيرة بمصير  الاقتصاد العالمي….

إذاً الحديث يطول عن هذا الغرب وعن هذه الإدارات والجهات والمنظمات التي تدّعي وتقول ما لا تفعل وتفعل ما لا تقوله لنهب ثروات الشعوب وتدمير مقدّراتها وتحقيق مشاريع اقتصادية وجيوسياسية تسمح لها بإدارة شؤن العالم، اليوم يجتمع العالم في جنيف من أجل حل المسألة السورية..

كل العالم حسب منظورهم  كان يقول أن سورية تحتاج الى حرية وديمقراطية وتحتاج إلى أن يعيش شعبها بخير وأمان وسلام ولتحقيق ذلك لابد من أن تجتمع كل القوى والمنظمات والحركات والأحزاب  المعارضة وغير المعارضة لإيجاد حل سياسي للأزمة التي افتعلوها في سورية وسخّروا لها كل الإمكانات والأدوات القذرة، وعلى مدى ست سنوات كانت سورية والقيادة السورية والحلفاء يقدّمون تنازل بعد تنازل لكن بما يحفظ كرامة وسيادة الدولة الوطنية والشعب من أجل تذليل أي صعوبة للحل، وكل مرّة كان هذا المجتمع الدولي يمكر ويناور ويحتال لوضع سورية وحلفائها في خانة اليك، حتى فقد أعصابه من القدرة على التعامل مع هذه الأزمة وإدارتها بشكل متقن ودقيق رغم الثمن الباهظ الذي دفع بالدرجة الأولى من حساب حياة ودم الشعب السوري الذي حتى اللحظة ما زال ومن الواضح أنه سيبقى يقدّم الدم والتضحيات والشهداء ويصبر على القهر والجوع والعوز ولن يسمح لهذه القوى أن تنال منه هذا واضح بشكل لم يعهد له التاريخ مثيل.

فهذه المعوقات التي تحدث في جنيف بدءاً من تغيير المبعوث الدولي “ديمستورا”، وتأخير الفيَز للوفود الإعلامية وغيرها، وإرسال الدعوات بشكل غير مناسب لخلق بلبلة وخلافات وتمييز بين الأفرقاء ما ينعكس على الجو العام ويخلق التوتّر.
وبالعودة إلى ملف الأزمة بشكله العام قدّمت سورية كل ما استطاعت وحتى ما فوق الطبيعة والاستطاعة لتطويع الوضع وفق القوانين والشرائع الدولية التي كان يتبجّح مديروها بأنّ على السوريين أن يتوحّدوا وهم من قسّموا من غاب عن ذهنه قيمة الوطن ومشاريع الغرب الإستعمارية ولم يتعلّموا من دروس العراق وغيره الذي يُقتَل كل يوم منذ 13 عاماً والسرد يطول.

اليوم وصلت القيادة السورية وحلفائها وحتّى المعارضات بما فيها المسلحة التي تمّ فرزها وما زال جاري، عن المجموعات الإرهابية المُعترَف بها دوليّاً على أنّها منظمات إرهابية يجب القضاء عليها، عندما وصلت الحالة السورية الى هذا الوضع من التوافق الكبير والتأكيد على الحل السياسي واتفاق الجميع على أهمية مكافحة الإرهاب والتطرّف بغضّ النظر عن ماهية التوافق والخلاف على طريقة الحل السياسي في سورية، يقوم المجتمع الدولي الممثل بإشعال فتيل الخلافات الدولية والإقليمية وحتى البنية السورية السورية من أجل اغتيال لقاء جنيف الثالث بدورته الرابعة لما حمله من بوادر حقيقية لحل القضية السورية بالإجماع تقريباً.

فخلاصة الأزمات التي تحدث بفعل فاعلٍ أميركي غربي وبأدواتٍ إقليمية جلّ منفعتها إرضاء الولايات المتحدّة الأميركية لا أكثر، فمن اعتاد على أن يكون تابعاً من الصعب أن يرى دولاً صمدت وتحمّلت في مقابل الحفاظ على سيادتها وقرارها المستقل، فكانت سورية التي قسمت وكسرت هذه العنجهية عبر ثالوثها المقدّس “القيادة والجيش والشعب” وذلك عبر الدعم الواعي لخطورة المرحلة على السلم العالمي من قبل الحلفاء وعلى رأسهم روسيا وإيران وحزب الله وغيرهم من القِوى الإقليمية والدولية وحركات التحرّر العربي والعالمي التي لم تقبل إهانة الوقوف مكتوفة الأيدي في وجه هذا المارد المتمثّل بالإرهاب العالمي المدعوم دوليا واقليميا، متحمّلة ما لم يحتمله شعب في أي بقعة في العالم، فكان لابد من إفشال أي مسعى يخلق الجو الصحيّ للحل السلمي، لكن المطمئن اليوم أنّ العالم بات أكثر وعياً وسورية اكثر صموداً، والذي لم يستطيعوا أخذه بالقوة او تحت البند السابع، لن يحقّقوا في النهاية أي شيء إلا مماطلة لا متضرّر منها إلا الأبرياء.

ومن هنا دعت روسيا على لسان الرئيس بوتين ووزير خارجيته لافروف مؤخراً في عدة مناسبات إلى تشكيل عالمٍ جديد لأنّ العالم لا يمكن أن يستمر بعقلية الولايات المتحدة الأميركية.