Beirut weather 18.54 ° C
تاريخ النشر August 24, 2024
A A A
اشتعال الجبهات
الكاتب: ناصر قنديل

كتب ناصر قنديل في “البناء”:

في ثلاثة أيام متتالية شهدت جبهات غزة والبحر الأحمر وجنوب لبنان اشتعالاً غير مسبوق، وإذا قمنا بحساب بسيط سوف نجد أن ستّ سفن تمّت ملاحقتها وإصابتها من قبل حركة أنصار الله في البحر الأحمر، وأن قرابة عشرين آلية تمّ تدميرها إضافة الى مئة إصابة بين ضابط وجندي كانت حصاد غزة هذه الأيام، إضافة إلى عودة الصواريخ لاستهداف مستوطنات غلاف غزة، بينما انطلق من جنوب لبنان قرابة الثلاثمئة صاروخ والعشرين طائرة مسيّرة انقضاضيّة، وأنه لم يتبق مقر قيادة أو غرفة عمليات او مربض مدفعية أو قبة حديدية أو مركز استخباريّ بين الحدود وحتى الجولان وعمق عشرين كيلومتراً جنوباً في الجليل إلا واستهدفته المقاومة. وإذا كان الطابع الدفاعي لضربات جبهة لبنان حاضراً في ظل الغارات التي شنّها جيش الاحتلال واستهدافه للمدنيين ومجاهدي المقاومة، ومثله ترافق التصعيد في غزة مع الرد على المجازر المرتكبة من الاحتلال، إلا أن التزامن وشراكة اليمن في هذا الاشتعال يجب أن تجد لها تفسيراً إضافياً.

من جهة هناك محاولة إعلامية وسياسية تعبر عنها حملة مبرمجة هدفها التشكيك بصدقية إعلان إيران وقوى المقاومة في لبنان واليمن عن نيتها برد قوي على اعتداءات الاحتلال على الحُديدة وطهران وبيروت، واغتيال القائدين الكبيرين الشهيدين إسماعيل هنية وفؤاد شكر، وتجاهل حرص المقاومة وإيران على عدم الظهور بمظهر من يخرّب على مسار التفاوض والمعلومات التي تمّت إشاعتها عن فرص التوصل إلى اتفاق ينهي الحرب ومعها معاناة أهل غزة. والرواية التي ترافق التشكيك هي أن قوى المقاومة تخشى المواجهة مع الكيان فجاء هذا الزخم، في وقت لا يزال الترقب سيد الموقف بصدد المفاوضات، ليقول إن المقاومة لا تخشى المواجهة وهي جاهزة للذهاب بها إلى أبعد الحدود، وإن الرد مقبل حكماً، والمسألة مسألة وقت فقط.

من جهة ثانية يبدو بوضوح أن هناك محاولة خبيثة تريد تجاهل إعلان المقاومة ممثلة بحركة حماس عن مقاطعتها للمفاوضات، لأن المطلوب خطة تنفيذيّة لاتفاق عُرض على المقاومة وقبلته في 2 تموز الماضي ولم يعلن قبوله كيان الاحتلال، ورفضها بالتالي أن يجري التفاوض على شروط جديدة يضيفها الكيان، كمثل الحديث عن محور فيلادلفيا، وما يجري على ساحة التفاوض يقول إن موقف حماس ليس مهماً ويمكن تجاهله والمضي قدماً بالتفاوض مع حكومة الاحتلال، للتوصل معها إلى صيغة يمكن تسويقها للقول لحماس إما أن تقبل أو تتحمّل مسؤولية الفشل. وهذا الزخم الحربي يقول إن الإيحاء بأن المفاوضات تتقدم سوف تكذبه النيران المشتعلة والتي تقول إن من بيده الميدان هو المعني بالتفاوض ولا يمكن تجاهل موقفه، خصوصاً أن ما يجري على ساحة المفاوضات يريد الإيحاء بأن قضية جزئية مثل مستقبل محور فيلادلفيا لم تكن مطروحة أصلاً في كل مسار التفاوض يمكن ان تختزل محاور التفاوض الأصلية مثل الانسحاب الشامل من قطاع غزة وإنجاز تبادل الأسرى دون شروط مسبقة للاحتلال، وإعلان إنهاء الحرب لا مجرد هدنة أسابيع، والاشتعال تذكير لمن يتلاعب بأنه يلعب بالنار.

من جهة ثالثة يرتفع صوت التهديدات من قادة الكيان بالحرب في لبنان والمزيد من التصعيد في غزة، بينما يلوّح الأميركي بأنه جاهز لمواجهة تحديات مختلفة عن السابق بعدما استقدم حشوداً كميّة ونوعيّة الى المنطقة، فيأتي هذا الزخم ليقول، هاتوا دليلكم إن كنتم صادقين، ها هي المقاومة تلاقيكم في الميدان، فتعالوا بأفضل ما لديكم، وإذا كان الاحتلال قادراً على تحمل تحدي المزيد في جبهة لبنان فليفعل، وإن كان قادراً في غزة فليفعل، وإن كان الأميركي قادراً على تغيير معادلة البحر الأحمر فليرينا أفضل ما عنده. وهذا الزخم يفضح حال الوهن في جبهة الاحتلال والراعي الأميركي، ويثبت أنه بالرغم من العمليات العدوانية الكبرى التي سيتمّ الرد عليها بما يناسب إلا أن المبادرة في الميدان لا تزال بيد قوى المقاومة، ولا تزال يدها هي العليا.