Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر April 23, 2018
A A A
استقالة…يا للهول!
الكاتب: نبيل بومنصف - النهار

تأتيك المفاجأة السارة مرات من حيث لا تتحسب ابدا. ليست المسألة مهمة وجوهرية فقط لكون استقالة حصلت من هيئة الإشراف على الانتخابات التي تعني ما تعنيه في كونها الهيئة الرقابية الوحيدة التي تفضل قانون الانتخاب الجديد بإنشائها وضربت طبول الاهازيج احتفالا لإنجازه هذا الإجراء الاصلاحي المبدئي والذي يفترض ان يترجم حتى ضمن الحدود المضبوطة جدا لصلاحيات الهيئة. المسألة ببساطة وبمنتهى التواضع الذي بات يطبع طموحاتنا كلبنانيين اننا أصبحنا نصدم الصدمة العجيبة لسماع خبر استقالة أكان ذلك في ايام عادية او استثنائية او في زمن طبيعي او في ظرف طارئ.
فأن تقدم سوزانا اللقيس بصفتها العضوة في هيئة الإشراف على الانتخابات والممثلة الوحيدة لهيئات المجتمع المدني على فعلتها هذه وتستقيل من الهيئة قبل اسبوعين فقط من موعد الانتخابات النيابية مع إعلانها كل الأسباب الموضوعية والمثبتة والواضحة والمكشوفة التي دفعتها الى الاستقالة لهو الحدث بعينه في بلد تحولت فيه الانتخابات من نقطة تحول مرجوة للتغيير الى مقتلة تنافس قياسي بين مئات المرشحين وضاعت معها معظم المعايير الجادة للتمثيل النيابي.
لعل سوزانا لم تكن مدركة ان انتفاضتها على واقع الهيئة واستقالتها السريعة منها حتى قبل موعد الانتخابات ستصيب الخاصرة الرخوة لمكان آخر في نظام سياسي ودستوري وديموقراطي وقبل كل شيء “اخلاقي” مختل اختلالا مخيفا من ظواهره ان أحدا في هذه الجمهورية العليلة لا يستقيل ولا يخطر لمعظم اللبنانيين ضحايا التكلس والاستئثار والآحادية السياسية والحزبية والمذهبية والطائفية، ان يطالبوا باستقالة من يثبت بالوجه الشرعي انه يتعين عليه الرحيل.
مرت عقود على اللبنانيين وهم يكابدون تراكم الازمات المتفجرة ولعناتها وبالكاد تعثر على نموذج نادر لاستقالة جرت بدافع من انتفاضة او جراء رفض الاستمرار في تزييف واقع شاذ وتغطيته من دون ضبط شيء اسمه عالميا “المسؤولية” الذي فقد لبنان خط تداوله لفرط الابتعاد عن هذا “التقليد” القديم البائد عندنا.
من زمان لم نعد نعاين نماذج فذة لرجالات اقتحموا التاريخ من باب تمزيق المناصب وتركها من دون رفة جفن حين يستوجب الامر صدمات بالكي. لن نستشهد بشواهد وتجارب ونماذج من استقالات تسارعت أخيرا في عدد من الدول، وليست كلها من الدول العريقة في الديموقراطية والمحاسبة، على خلفيات وأسباب توصف عندنا بالتافهة والسخيفة.
حسبنا ان نلتفت الى ما اثارته سوزانا اللقيس من امواج الترحيب والإعجاب واحناء الرؤوس والقبعات احتراما لخطوتها الشجاعة الجريئة وتضحيتها بمنصب وراتب ومكسب في ايام عجاف لنتبين كم ان المناخ الديموقراطي في لبنان صار مصحرا ويفتقر افتقارا شديدا الى عودة الأصول الاساسية في المراقبة والمحاسبة والتنحي حين يستلزم الامر تحمل المسؤوليات الحقيقية. وحسب سوزانا اللقيس ان ضربتها جاءت على موقع ملتهب في زمن انكشاف الفساد الرسمي والسياسي المنفجر في كل نواحي المشهد الانتخابي فأذا باستقالتها المتواضعة تشكل الاختراق الاول والاخطر لمنظومة كاملة من الانتهاكات المقوننة بأمر واقع سلطوي.