Beirut weather 23.09 ° C
تاريخ النشر April 30, 2024
A A A
استفاقة مستجدة على خطة “ماكنزي”… فهل لا تزال صالحة اليوم؟
الكاتب: سلوى بعلبكي - النهار

بعدما ظنّ الجميع أنها صارت رميما وتخطتها الاحداث والتطورات المالية والاقتصادية والسياسية، عادت خطة “ماكنزي” من باب لجنة الاقتصاد الوطني والصناعة والتجارة والتخطيط النيابية التي استعادتها مجددا الى الخدمة بعد احالتها على التقاعد المبكر في العام 2018، علما أنه وللمفارقة، لو أُخذت الخطة على محمل الجد ونُفذت في حينه، لكنّا اليوم قاب قوسين من موعد انتهاء تطبيقها.

اللجنة التي أعادت احياء الخطة ستضطر الى اجراء بعض العمليات التجميلية لتجديد شبابها كي تتماهى مع التطورات والتغييرات في بنية الاقتصاد التي طرأت خلال السنوات الفاصلة ما بين اقرارها حتى اليوم. فالخطة، وإن مر عليها “الزمن”، لا تزال صالحة، لذا كان قرار رئيس لجنة الاقتصاد “سحبها من الادراج وتوزيعها على الاعضاء الذين هم في غالبيتهم خبراء بالاقتصاد”.

الاستفاقة المستجدة على “ماكنزي” التي تخطى عمرها السبع سنوات أتت على خلفية الحاجة الى بناء تصور ورؤية جديدين لتبنى عليهما مواد موازنة الـ 2025 وتهيئة المسودات اللازمة في حال استئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.

أساس لرؤية جديدة… وموازنة 2025؟
رئيس لجنة الاقتصاد الوطني والصناعة والتجارة والتخطيط النائب فريد البستاني أوضح لـ”النهار” أن اللجنة “تريد أن تنطلق من خطة “ماكنزي” لإعداد رؤية علمية وعملية، وكذلك الاعتماد عليها في إعداد موازنة 2025″. وبما أن الخطة أعدت قبل الأزمة المالية والاقتصادية في لبنان، لذلك سيعاد درسها جيدا مع اجراء تحديث لها خصوصا أن الظروف تغيرت كثيرا.
هذا التحديث لن تُكّلف به “ماكنزي”، بل ثمة فريق عمل يستعين به البستاني لوضع لمسات جديدة عليها، على أن يأخذ في الاعتبار التطورات الحاصلة محليا وعالميا، “فالذكاء الصناعي مثلا غير موجود في الخطة، وكذلك لم تكن هناك رؤية لقطاعي الغاز والبترول، وتاليا كل هذه التطورات وأكثر سيتم لحظها في التحديث”.

وفي التفاصيل، يوضح البستاني أن “الرؤية الاقتصادية والموازنة التي نعمل على إعدادها تتماشيان، لذا سننطلق من خطة “ماكنزي” لتكوين رؤية محددة للقطاعات الاقتصادية والانتاجية. وبعدها نستخلص منها مسودة ننتقل من خلالها الى المرحلة الثانية للتواصل مع المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد والملحقين الاقتصاديين لتحضير رؤية يمكن أن تساعد في اعداد البيان الوزاري للحكومة الجديدة حتى لا يكون كما جرت العادة “إنشاء”، فيما مشكلتنا الاساسية في البلد هي أزمة اقتصادية ومالية”. وبما أن صندوق النقد والبنك الدوليين سيكونان شريكين في هذه الرؤية، يؤكد البستاني أن هذا الامر “سيساعدنا على إحياء مشاريع عدة مثل “سيدر” وغيره”، لافتا الى أنه “في حال حصلنا على دعم من صندوق النقد وسنحصل عليه، نكون قد أسسنا لعنصر الثقة التي فقدناها عبر الجدية في العمل والشفافية”.

وبما أن الرؤية الاقتصادية والموازنة التي تعمل اللجنة على اعدادهما متلازمتان، يؤكد البستاني أن الرؤية “ستساعد في اعداد موازنة 2025، خصوصا ان التجربة مع موازنة 2024 كانت سيئة، إذ إنها كانت موازنة ضريبية من دون أي دراسة لتوقعات الايرادات أو النفقات”.
والرؤية التي يطمح البستاني الى اعدادها لا تعتمد على الافكار، ولا على “التنظير” بل على وقائع عملية يمكن تطبيقها، إذ وفق ما يقول: “ضقنا ذرعاً بإعداد الخطط ووضعها في الادراج”.
وفي السياق، يشير البستاني الى اقتراح القانون المقدم سابقا والمتعلق ببرمجة المالية العامة وحوكمتها، إذ يحدد الاقتراح توجهات استراتيجية وتنموية متوسطة الأجل لجميع الإدارات العامة، على ان تضع الحكومة مشروع برمجة المالية العامة الممتد على ثلاث سنوات، بناء على توقعات مجموع واردات ونفقات الإدارات العامة، طبقا لسياستها الاقتصادية والمالية وخطة عملها وتطور مجموع واردات ونفقات الإدارات العامة على مدى السنوات الثلاث، آخذة في الاعتبار معطيات اقتصادية ومالية واجتماعية واقعية ومبررة، وتقدمه إلى مجلس النواب لإقراره.

ووفق الاقتراح “يكرس مشروع البرمجة استراتيجيات قطاعية وتحديدا لأولويات الإنفاق المستقبلي والكلفة الاجمالية للمشاريع العامة، اضافة إلى تقدير كلفة السياسات الحالية والمستقبلية التي يمكن اعتمادها لتحقيق الاستقرار الاقتصادي. وتوزع الاعتمادات على الجهات المختصة وفقاً لسلم أولويات يحقق زيادة إنتاجية القطاعات المعنية بها وفعاليتها، على أن تعتمد معايير العدالة والشفافية في توزيع الأموال”.

أما بالنسبة الى التخطيط في المدى المتوسط فيعتمد على التوقعات الماكرو – اقتصادية التي تستدعي دراسة القطاعات الاقتصادية بأكملها، على أن يؤخذ في الاعتبار تأثير عوامل كالناتج المحلي الإجمالي والتضخم والبطالة على الاقتصاد بأكمله، وتحليل التطورات الاقتصادية، كما يؤخذ في الاعتبار التقييم المتوسط الاجل لإيرادات الدولة ونفقاتها موزعة بحسب الوظائف الرئيسية، وقائمة المهام ومؤشرات الأداء المرتبطة بكل من البرامج الموضوعة.

وإلى الأحكام المنصوص عليها أعلاه، تشمل التوجهات المتعددة السنوات للمالية العامة المحددة في قانون برمجة المالية العامة، لكل سنة من السنوات التي تتعلق بها: الحد الأقصى لاعتمادات موازنة الدولة، والإيرادات المتوقعة لتغطيتها، وهدف الإنفاق بالنسبة لجميع المخططات، والحد الأدنى لتأثير الأحكام الجديدة، التشريعية أو الحكومية المتعلقة بإيرادات الدولة من ضرائب ورسوم وسواها، وبالمساهمات كافة. كذلك بيان مدى وتوقيت الإجراءات التصحيحية التي يمكن تنفيذها في حال حدوث فروقات كبيرة عن التوجهات المتعددة السنوات التي تتعلق بمراقبة تنفيذ النفقات ومدى كفاية الاعتمادات الملحوظة لها، والتوازن بالتالي أو العجز في كل أو بعض الإدارات العامة.

ويلحظ الاقتراح تحديث البرمجة الممتدة على ثلاث سنوات كل سنة ومدى ملاءمتها مع تطور مجموع واردات الإدارات العامة ونفقاتها، مع إمكان إعادة ترتيب الأولويات بالنسبة للمشاريع المبرمجة.

وختم البستاني بالقول إن “الحوكمة المالية ضرورية لنبني على اساسها التوقعات المالية والاقتصادية”.

خطة تنموية بامتياز
ليس خافيا أن المشروع الذي أعدته شركة “ماكنزي” في العام 2018 كان يشكل رؤية واستراتيجية إقتصادية للمرحلة حتى سنة 2025، ويقوم على تنمية القطاعات الاقتصادية التي تساهم بإدخال العملة الاجنبية الى البلاد على نحو منتظم مثل السياحة، الزراعة، الصناعة، والمال والإقتصاد الرقمي والتكنولوجي، اضافة الى الموارد الاكثر فعالية لاستعادة النمو، علما أن تفعيل هذه القطاعات كان سيؤدي الى توفير 370 ألف فرصة عمل في العام الواحد كالآتي: 100 ألف فرصة عمل في القطاع السياحي، و50 ألفا في القطاع الصناعي، و25 ألفا في القطاع الزراعي، و50 ألفا في قطاع الخدمات المالية، و60 ألفا في قطاع اقتصاد المعرفة.

والخطة كانت تطمح في ما لو تم تنفيذها الى زيادة النمو في الناتج المحلي بنسبة تراوح ما بين 5 و6% سنويا حتى العام 2025، ليصل الناتج المحلي إلى 8 مليارات دولار، اضافة الى زيادة في حصة القطاعات الإنتاجية لتبلغ 35% من الناتج المحلي، والاهم هو خفض الدين العام بالنسبة للناتج المحلي من 150% إلى 110%، في حين تصل نسبة خفض العجز في الموازنة العامة من 10.5% إلى 3%.

ووفق ما يقول رئيس الإتحاد الدولي لرجال وسيدات الأعمال اللبنانيين MIDEL الدكتور فؤاد زمكحل لـ”النهار”، إن “هدف الخطة كان إعادة النمو لـ 5-6% سنويا، ورفع الناتج المحلي الذي انخفض من 55 مليار دولار في العام 2019 (يشكل ما نسبته 15% صرف عشوائي للدولة اللبنانية) الى نحو 25 مليار دولار حاليا”. وانطلاقا من هذه الارقام لا ينكر زمكحل أن الخطة “بحاجة الى اعادة نظر وتحديث في ظل التغيرات المحلية والاقليمية، ولكنها لا تزال تشكل أرضية خصبة ومثالية، ونقطة انطلاق بدل الانطلاق من الصفر. فالقطاعات التي يمكن أن تساهم بالنمو لم تتغير، عدا عن ذلك، فإن الخطة حظيت بتوافق في الحكومة ومجلس والنواب والاقطاب السياسية كافة”. ولا ينسى زمكحل الاشارة الى ضرورة أن تتزامن الخطة مع الإصلاحات المطلوبة من صندوق النقد الدولي، فيكون هذا المشروع نقطة الانطلاق للرؤية الإقتصادية الجديدة للبنان 2025-2030.

استغرق إعداد خطة “ماكنزي” أكثر من عامين، واشرف على اعدادها أهم الخبراء الدوليين والمحليين. ويقدّر زمكحل أن “المعنيين الذين اطلعوا على تفاصيلها، أو حاولوا تنفيذها، لا يتجاوزون عدد اصابع اليد الواحدة”.