Beirut weather 17.99 ° C
تاريخ النشر June 23, 2016
A A A
استغلال كابوس أورلاندو!
الكاتب: جيمس زغبي - السفير

استيقظنا صباح الأحد الماضي على أنباء مقتل 49 شخصاً بدم بارد في ملهى ليلي بمدينة أورلاندو في ولاية فلوريدا. ولأن كثيراً من الضحايا كانوا مثليين، بدا للوهلة الأولى أنها كانت جريمة كراهية. ولم يستغرق الأمر طويلاً حتى تم اكتشاف أن القاتل هو عمر متين، المولود في الولايات المتحدة لأب مهاجر أفغاني. وقد حذر مسؤولو إنفاذ القانون من التسرع في إصدار الأحكام جزافاً. لكن بمجرد أن سمع السياسيون والمراقبون ووسائل الإعلام السائدة المعلومة الخاصة بهوية الجاني الدينية، راحوا يزايدون!

هكذا، سارع دونالد ترامب إلى تهنئة نفسه معتبراً أنه «على حق» بشأن «الإرهاب الإسلامي الراديكالي»، وكرر دعوته إلى حظر دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة. وذهب إلى حد الإشارة إلى أن «شيئاً ما يجري» مع الرئيس أوباما، في إشارة ضمنية إلى أن الرئيس إما أنه كانت لديه معلومات بشأن القتلة أكثر مما يقر بمعرفته، أو أنه تقاعس في أداء واجبه. وفي حين أن كثيراً من «الجمهوريين» أعربوا عن غضبهم من «تلميحات» ترامب بشأن لوم أوباما، فقد بدا مقبولاً لديهم بما لا يدع مجالاً للشك أن ذلك كان «إرهاباً إسلامياً».

من جانبها، قبلت الشبكات التلفزيونية هذه الفرضية على أنها «حقيقة»، وكرست ساعات طوال لهراء لا معنى له ممن يطلقون على أنفسهم لقب «خبراء الإرهاب»، ممن لم يفوّتوا فرصة الظهور على شاشة التلفزيون برغم عدم درايتهم بتفاصيل الجريمة المعنية. ومن ثم توالت المقالات والتعليقات في الصحف تسلط الضوء على تنظيم «داعش» الإرهابي والعنف و «رهاب المثلية» في الإسلام وما ينبغي فعله لوقف «تطرف» الشباب المسلم.

المشكلة في هذه الرواية حول مذبحة أورلاندو هي أنها لا تصمد عندما نحقق فيها عن كثب. إذ نجد أن هناك تفسيراً آخر للأحداث، وهو أن عمر متين كان شخصاً يعاني من اضطراب شديد ولديه سجل حافل بالعنف والسلوك المضطرب والاعتداء على زوجته. ويبدو أنه كانت لديه مشاعر متصارعة حيال ميوله الجنسية. إذ تشير تقارير إلى أنه تردد على ملاهٍ ليلية ومواقع تعارف خاصة بالمثليين. وأوضح أحد التقارير أنه شعر بالغضب مؤخراً عندما رأى مشهداً مقززاً في العلن بين مثليين، فوضع اللمسة الأخيرة على ما يبدو أنه صورة تقليدية لشخص مريض نفسياً، يعيش في ألم بسبب ميوله المرتبكة، إذ في ضوء عجزه عن حل صراعه الداخلي، تفجر غضبه، لأنه كان يخشى أن يكون هو نفسه من المثليين. وراح يدمرهم لأنه أراد أن يدمر ذلك الجانب من نفسه.

إذا ما نظرنا إلى الأمر من هذه الزاوية، فإن جريمة القتل الجماعي في أورلاندو تكاد لا تكون مرتبطة بالدين أو «التطرف». ويبدو أن الحديث عن «داعش» لم يكن سوى محاولة من القاتل لـ «ستر ميوله» وإخفاء دافعه الحقيقي. فـ «داعش» لم تقده لجريمة القتل هذه، ولم تدربه أو تلهمه. وفي بعض مراسلاته، خلط متين بين «داعش» و «حزب الله»، وهو ما يظهر أنه لم يفهم أو لم يكترث لفهم الأيديولوجية الجنونية لذلك التنظيم. وأما رسالته الأخيرة التي يتعهد بالولاء فيها لـ «داعش»، فكانت إنكاراً نهائياً، إذ حاول الكذب على نفسه وعلى العالم بشأن ما كان عليه، وحيال السبب الحقيقي وراء ما فعله.