Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر July 14, 2016
A A A
ارتباك «أحرار الشام»: نأي بالنفس عن «النصرة»؟
الكاتب: عبدالله سليمان علي - السفير

مشهدٌ في غاية التعقيد آخذ بالتشكل في سماء الأزمة السورية. ويبدو بالرغم من كثرة اللاعبين في هذا المشهد، وتعدد أبعاده المحلية والإقليمية والدولية، أن حركة «أحرار الشام» ستكون في صلبه، والعديد من آثاره ستنعكس على مرآتها. فليس من محضِ الصدفة أن يخرج المتحدث العسكري باسم الحركة، أبو يوسف المهاجر، ليعلن في سابقة من نوعها أن «الحركة لم تشارك في معركة الملّاح في ريف حلب الشمالي، لأن القادة العسكريين قرروا أن نسبة النجاح ضعيفة جداً».

ولم يكتف المهاجر، وهو سوري لكنه اختار لقب «المهاجر» لأنه هاجر من درعا إلى إدلب، بانتقاد الخطة العسكرية التي وُضِعت من أجل محاولة فتح طريق الكاستيلو في ريف حلب الشمالي بعدما نجح الجيش السوري بقطعه قبل ايام، بل اعتبر المشاركة فيها نوعاً من «الانتحار العسكري الذي ليس وراءه إلا الخسارة وانهيار المعنويات»، وختم بالقول «إن الحركة لن تدخل معركةً لا ترى فيها جدوى أو نجاحاً».
وقد رفضت الحركة في السابق المشاركة في العديد من المعارك لسببٍ أو لآخر، كان آخرها في ريف حلب الجنوبي، لكنها المرّة الأولى التي تصرح فيها بأسباب ومبررات عدم مشاركتها في إحدى هذه المعارك، مع التلميح إلى أن انخراطها في أي معركة ينبغي أن يكون من ورائه «جدوى». وقد تزامن هذا التصريح مع تصريح آخر لأبي عزام الأنصاري، عضو مجلس شورى الحركة وعضو المكتب السياسي، نفض فيه يديه من دعوات التحريض لنصرة مدينة داريا، معتبراً أن «يوم إنقاذها قد فات». والأنصاري اسمه الحقيقي كنان النحاس، وهو شقيق لبيب النحاس، مسؤول العلاقات الخارجية في الحركة، الأمر الذي يعطي لـ «تخليه العلني عن داريا» في هذا التوقيت الحساس، أهمية خاصةً.

هذا الانكفاء العسكري لـ «حركة أحرار الشام» في جبهات مهمة، والذي سبق أن اشتكى منه، خصوصاً لجهة الأداء في حلب، خالد أبو أنس، أقدم مؤسسيها وعضو مجلس الشورى، يأتي بالتزامن مع متغيرات سياسية متسارعة بدأت تعصف بالمشهد السوري، وقد تؤدي في حال تصاعدها إلى نقله من حال إلى حال.

فأنقرة التي تعيش على وقع «انعطافتها» السياسية التي صدمت الكثير من الأطراف المحلية والاقليمية، أعربت على لسان رئيس وزرائها بن علي يلديريم عن ثقتها بعودة العلاقات الطبيعية مع سوريا، من دون أن يضع أي ضوابط أو قيود على هذه العودة. وبحكم أن تركيا هي الداعم الرئيسي لحركة «أحرار الشام»، فمن الطبيعي أن تجد الحركة نفسها مضطرةً إلى الانحناء أمام هذه العاصفة غير المتوقعة. وليس من الضروري أن يكون الانحناء تعبيراً عن القبول بالموقف التركي الجديد والتبعات التي يستلزمها، غير أن الحركة حتى في حال رفضها للتغيير الحاصل في سياسات داعمتها، فإنها ستحتاج إلى وقت طويل نسبياً قبل أن تتمكن من استيعاب الإنعطافة التركية، والتخلص من تداعياتها الكبيرة والواسعة عليها.

وقد لا يكون الإرباك الحاصل نتيجة ذلك متعلقاً بالحركة فقط، إذ ثمة معلومات أنه حتى الاستخبارات التركية وقعت بمثل هذا الارباك، وهو ما بدا جلياً جراء التعليمات المتناقضة التي كانت تصل إلى قيادة «الأحرار» بخصوص معركة الملّاح كما قال لـ «السفير» مصدر إعلامي مقرب من الحركة. إذ بعد أن كانت الأوامر هي المشاركة في المعركة، وهو ما دفع الحركة لحشد آلياتها ومقاتليها استعداداً لذلك، جاءت أوامر مناقضة وصلت قبل ساعات من بدء المعركة إلى يد القائد العسكري أبي محمد ملازم، الذي تذرع بعدم رضاه عن الخطة لتبرير عدم مشاركته فانسحب مع رجاله، ورفض حتى الإبقاء على بعض الآليات التي كان سحبها سيؤثر على فاعلية الهجوم.

ولكن قد تكون هناك أسباب أخرى، عدا الإنعطافة التركية، وما نجم عنها من إرباك، تركت تأثيرها على مدى الانسجام العسكري بين «أحرار الشام» و «جبهة النصرة» تحديداً. إذ لا بد أن قيادة «احرار الشام» بتأثير من جناحها السياسي قد استشعرت الخطر يقترب وهي تسمع بعض الدعوات الدولية لشن حملةٍ ضد «جبهة النصرة»، بالتزامن مع الحملة المستمرة ضد «داعش». وهو ما عبّر عنه الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند مؤخراً حيث حذر من أن يؤدي إضعاف تنظيم «داعش» إلى تعزيز منظمات متطرفة أخرى مثل «جبهة النصرة»، قائلاً «نرى جيداً أن جبهة النصرة يمكن أن تتعزز. هذه نقطة مهمة. يجب أن يكون هناك تنسيق كي تتواصل التحركات ضد داعش وفي الوقت ذاته، كي يكون هناك بين جميع الأطراف الروس والأميركيين في إطار التحالف، تحركٌ ضد النصرة يكون بدوره فعالاً». كما أن روسيا تواصل ضغوطها على واشنطن من أجل الالتزام بتعهداتها بخصوص عزل «جبهة النصرة» عن «الفصائل المعتدلة».

وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عشية زيارة مرتقبة لنظيره الأميركي جون كيري إلى موسكو، أن «زيادة مستوى التعاون العسكري والاستخباري مع الجانب الأميركي ضد «جبهة النصرة» ستكون في صلب محادثاتهما. ومع أن الولايات المتحدة لم تؤكد الأمر، إلا أن المتحدث باسم وزارة خارجيتها ترك الباب مفتوحاً على جميع الاحتمالات بقوله «ما زلنا ندرس الخيارات والبدائل والمقترحات في ما يخص النصرة والدولة الاسلامية في سوريا». ويجمع بين «جبهة النصرة» وبين «أحرار الشام» تحالف عسكري مستمر منذ العام 2012، وهما تسيطران على محافظة إدلب بكاملها، والكثير من مقارهما متجاورة ومتداخلة في ما بينها، وهو ما من شأنه تعريض «أحرار الشام» للخطر في حال انطلقت الغارات ضد «جبهة النصرة»، لذلك قد يكون الجناح السياسي الذي يسيطر عليه «الأخوان نحاس» بدأ بالضغط للابتعاد عن «جبهة النصرة» تفادياً لأسوأ الاحتمالات.

ولا يمكن للحركة الركون إلى الموقف الأميركي الرافض لوضعها على قائمة الارهاب، للاطمئنان على مصيرها، لأنها تدرك أن بعض التصريحات الأميركية التي تبدي القلق من ارتباطها مع «جبهة النصرة» ليست كلها من قبيل «الخطأ أو زلة اللسان»، كما فُسرت تصريحات وزير الخارجية جون كيري التي كشفت عنها صحيفة «واشنطن بوست» بخصوص وصف «احرار الشام» و «جيش الاسلام» بـ «المجموعات الارهابية الفرعية». بل قد تحتوي هذه التصريحات المتكررة (في آب 2015 وايار 2016) على رسائل مبطنة إلى الحركة بوجوب تغيير سلوكها.

بالإضافة إلى ذلك، فإن واشنطن وحدها هي من تملك إمكانية كشف حقيقة موقف «أحرار الشام» من الهدنة والعملية السياسية، وهو موقف بالغ الحساسية بالنسبة للحركة، وقد يؤثر على علاقاتها مع الفصائل «الجهادية» الأخرى، وعلى رأسها «جبهة النصرة» التي ترفض رفضاً مطلقاً اي حديث عن الوسائل السياسية لحل الأزمة السورية. حيث تؤكد واشنطن أن الحركة وافقت على «وقف الأعمال القتالية» وهي مشمولة بها، وهو ما يدفع واشنطن لرفض تصنيفها كتنظيم إرهابي كما قال المتحدث باسم خارجيتها جون كيربي، أمس، فيما تواصل روسيا منذ ايار الماضي الاعتراض بأنها لم تستلم ما يؤكد موافقة الحركة على الهدنة، وهو ما يخالف «ملحق الاتفاق المخصص لشروط وقف إطلاق النار» الذي نص على ضرورة إعلام الجانبين «الروسي والأميركي» بعضهما بأسماء الفصائل التي أكدت لأحدهما على القبول بوقف الأعمال القتالية.
***

fc300fef-32c7-47f2-ad22-7eb339fb06fa

طفلتان تحملان الخبز في المنطقة التي يسيطر عليها المسلحون في حلب أمس (أ ف ب)