Beirut weather 21.8 ° C
تاريخ النشر August 8, 2025
A A A
اتفاق الطائف ونواف سلام
الكاتب: ناصر قنديل

كتب ناصر قنديل في “البناء”

الواضح أن رئيس الحكومة قرّر الذهاب بعيداً في إدارة البلد بمعزل عن القواعد التقليدية التي بني عليها النظام اللبناني، مكرّراً تجربة الرئيس فؤاد السنيورة بعد حرب تموز 2006، وهي تجربة تقول كل الوقائع إنها لم تحقق أي إنجاز سوى أخذ لبنان إلى أزمة وطنية كبرى، والأزمة الوطنية الكبرى هي تلك الأزمة التي تؤدي إلى انقسام وطني كبير تفشل المؤسسات الدستورية باحتوائه بسبب منطق الغلبة العدديّة داخل المؤسسات، وتجاهل الحقائق الوفاقيّة والميثاقيّة بمعزل عن الجدل العقيم حول تعريفهما. فالمقصود هو اتساع الصدر والتصرّف بلباقة واحترام مع حالة الإضراب التي تطال أحد المكوّنات الطائفية، خصوصاً الكبرى، إذا شملت كل ممثلي هذا المكوّن، حتى لو كان الموضوع أقلّ أهميّة من الموضوع الخطير المثار حالياً، وهو موضوع صيغة التعامل مع الاحتلال من جهة وسلاح المقاومة من جهة مقابلة، ويعرف الجميع أنه في مسألة الاحتلال فإن لبنان منذ اتفاق 17 أيار لم يسلك الطريق الذي سلكته الحكومة بالموافقة على ورقة توم باراك، وبالنسبة لموضوع السلاح فإنه موضوع مؤجّل منذ أكثر من ثلاثة عقود، بسبب حكمة وتفهّم المسؤولين الذين تعاقبوا على تحمل المسؤوليّة، خصوصاً الرئيسين رفيق وسعد الحريري عندما تحمّل كل منهما هذه المسؤولية.

قرّر رئيس الحكومة أن يمضي قدماً في الأمرين غير آبه بالعواقب، متحدثاً عن اتفاق الطائف، الذي كان عندما يقتبس منه في محاضراته يركز على بند يعتبره جوهر الاتفاق وهو إلغاء الطائفية السياسية، داعياً كل حكومة يتمّ تشكيلها لجعل أولويتها تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية، فيذكر بأن الطائف قام على “اعتبار الطائفية السياسية هدف وطني أساسي يقتضي العمل على تحقيقه” ومن آلية “الهيئة الوطنية”، المفترض إنشاؤها لهذا الخصوص منذ 1992، من أجل العبور إلى “الدولة المدنية” التي يتساوى فيها المواطنون حقاً ويسود فيها حكم القانون”، ورغم ذلك لم يضع هذه الأولوية في البيان الوزاري لحكومته ولا جعلها هدفاً وطنياً لها، وتجاهل كل كلامه الذي قال فيه، ومما قاله نواف سلام قبل أن يصبح رئيساً للحكومة، “وما لا يقلّ خطورة هنا هو أنه فضلاً عن عدم تطبيق البند المتعلق بتشكيل “الهيئة الوطنية” المولجة “دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية” مع انتخاب أوّل مجلس نواب على أساس المناصفة (أي عام 1992) بحسب ما نصت عليه المادة 95 من الدستور، كما أشرنا، فإنه تمّ أيضاً في الممارسة انتهاك أحكام هذه المادة في وجوه ثلاثة أخرى. فبينما هي تنصّ على أنه “تُلغى قاعدة التمثيل الطائفي ويعتمد الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامة… باستثناء وظائف الفئة الأولى (وما يعادلها) وتكون هذه الوظائف مناصفة بين المسيحيين والمسلمين دون تخصيص أية وظيفة لأية طائفة مع التقيد بمبدأي الاختصاص والكفاءة”، فإننا نجد أن العمل بالقاعدة الطائفية لم يقتصر على المحافظة على المناصفة في وظائف الفئة الأولى وحدها بل راح، على العكس، ينسحب على كل فئات الإدارة حتى أدنى الرتب فيها وصولاً الى توظيف حراس الأحراج. كما أن العديد من الوظائف العامة، وليس تلك العائدة للفئة الأولى فقط، إن في الإدارة أو السلك الديبلوماسي أو القضاء أو الجيش والأجهزة الأمنية، أضحت أيضاً مخصصة لأبناء طائفة دون غيرها، مثل تخصيص مناصب القناصل أو المستشارين، ناهيكم بالسفراء، لأبناء مذاهب محدّدة في معظم المدن والبلدان وذلك خلافاً أيضاً لنص المادة 95، وأخيراً فإن الوجه الثالث لمخالفة هذه المادة في الممارسة فهو في سيادة عنصري الانتماء المذهبي والمحسوبية عند التعيين في الإدارة خلافاً لما أتى مرّتين في هذه المدة من ضرورة التقيد بمبدأي “الاختصاص والكفاءة”، وإن أردنا إيجاد عذر لرئيس الحكومة في هذا التجاهل والإنكار في مراعاة التوافق الوطني والميثاقية التي تقوم على التراضي الطائفي في مسائل حسّاسة كهذه، رغم ورودها في خطاب القسم الرئاسيّ بنصوص صريحة، فلماذا يسقط مبدأ مراعاة التوافق والميثاقيّة بمعنى الحرص على التراضي في مسائل أكثر خطورة؟

أما بشأن بسط سيادة الدولة فكان يقول في محاضرة ألقاها في شهر آذار من عام 2023 في جمعية المقاصد، “إن بسط سلطة الدولة “على كامل الأراضي اللبنانيّة بواسطة قواتها الذاتية”، بحسب ما نصّ عليه اتفاق الطائف أمر لم يتحقق بعد، كما هو معلوم. لا بل إنه من المسائل الأساسيّة العالقة منذ إقرار الاتفاق حيث تقتضي الإشارة أيضًا إلى أن ما اعتبرناه “المعاملة المميّزة” التي حظي بها “حزب الله” في الحفاظ على سلاحه بسبب الاحتلال الإسرائيلي، راحت تتحوّل بعد الانسحاب الإسرائيلي عام 2000 الى مصدر خلاف سياسي وتوترات طائفيّة في البلاد. والواقع أن هدف بسط سلطة الدولة على كامل أراضيها “بواسطة قواها الذاتية”، بات مرتبطاً بالاتفاق على “استراتيجيّة” للدفاع الوطنيّ، والتي يُفترض أن تعالج أيضاً قضية مستقبل سلاح “حزب الله”. فإن البحث في مضمون هذه الاستراتيجية وإقرارها هو المطلوب اليوم”. والسؤال البديهي الموجّه لرئيس الحكومة، هل هذا هو الطريق الذي سلكه عندما أصبح رئيساً للحكومة؟ أم أن كلام القرايا شيء وكلام السرايا شيء؟ أم أن الكلام بدون توماس باراك شيء وبحضوره يصبح شيئاً آخر؟

للتذكير فقط في اتفاق الطائف، عند الحديث عن بسط سيادة الدولة بقواها الذاتية الواردة تحت ترقيم ثانياً في اتفاق الطائف، وفيها فقرة يتمّ تجاهلها رغم وضوحها وأهميتها، تقول في بند ج من الفقرة 3 بعنوان تعزيز القوات المسلّحة، يجري توحيد وإعداد القوات المسلّحة وتدريبها لتكون قادرة على تحمّل مسؤوليتها الوطنية في مواجهة العدوان الإسرائيلي، للتذكير فقط!