Beirut weather 17.41 ° C
تاريخ النشر July 7, 2020
A A A
إهتراء “الطاقة” يُعالَج بـ… الترقيع
الكاتب: خالد أبو شقرا - نداء الوطن

السباق بين السلطة الحاكمة والوقت لا يتوقف. حشو الإدارة بقوانين وأزلام يضمنون استمرار نهج المحاصصة والمقاسمة يحتل الاولوية ويتقدم على أي موضوع آخر. فبحجة الإصلاح ومطابقة عمل الحكومة للمتطلبات الدولية والمحلية، يعاد اليوم وضع تنظيم قطاع الكهرباء على طاولة مجلس الوزراء.

ان المدخل المنشود بتعيين مجلس الادارة لـ”الكهرباء”، والموافقة على تعديل مشروع قانون 462 المتعلق بـ”الهيئة الناظمة للقطاع”، فُرّغ من محتواه، وقضى على أي أمل بتأمين أبسط حقوق المواطنين في القرن الواحد والعشرين. الخطوة الإصلاحية تترافق مع أسوأ أزمة انقطاع كهرباء يشهدها لبنان.

وبدلاً من ان تصيب الهدف وتسقط النهج القائم الذي أوصل البلد إلى هذا المأزق، أتت رصاصتها خلابية، صوتها مرتفع إنما معدومة الفعالية. إنطلاقاً من الضغوطات القائمة على الحكومة، والاسماء المتداول بها لمجلس إدارة الكهرباء، يظهر ان السلطة لن تنتج سوى مجلس إدارة جديد يستكمل المسار نفسه لمجلس الادارة القديم، والذي هو وضع اليد على القطاع الكهربائي بكل تشعباته وبخاصة المالية منها. الخبير في مجال الطاقة الدكتور منير يحيى يرى ان “العجلة في تشكيل مجلس الادارة أخيراً، بعد مطالبة من كافة المؤسسات الدولية، مرده إلى ان قوى السلطة تخشى ان تطيح الظروف الاقليمية والدولية والمحلية بهذه الحكومة، وإمكان الإتيان بحكومة أكثر استقلالية تضع تعيين مجلس الادارة من أولى مهماتها. وبالتالي ما تقوم به السلطة أو هذه القوى اليوم ليس بهدف الإصلاح بقدر ما هو ضمان وضع يدها على المؤسسة في حال حصول تغيير حكومي لاحق من خلال مجلس إدارة جديد”.

 

الهيئة الناظمة

التركيبة الملتوية لمجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان، يقابلها إمعان في تحويل الهيئة الناظمة للقطاع التي لحظ القانون تشكيلها منذ العام 2002 إلى صورية. فالتعديلات المطروحة تتيح لوزير الطاقة استمرار وضع يده على “الهيئة”، وجعله المجرى الذي من خلاله يؤمن مصالحه السياسية والمالية بحجة ان “الوزير سيد وزارته”. وبهذا “تتم مصادرة استقلالية كافة الهيئات الناظمة والمؤسسات العامة التي اعطيت استقلالية عالية في الاصلاح الشهابي”، يعتبر يحيى. و”كأن ما يحدث اليوم هو تناقض سافر في الرغبة بالتخلي عن الطائف من جهة والقبول به من جهة اخرى بتسيّد الوزير على وزارته “.

خطورة ما يحدث لا ترتبط بحفظ المصالح، وإبقاء المؤسسات العامة أداة للتمويل السياسي والتوظيف والاستزلام فقط. بل انها تعتبر الوجه الآخر لمأساة يعيش اللبنانيون فصولها يومياً بانقطاع الكهرباء اكثر من 20 ساعة، وتحكّم اصحاب المولدات بنفس المواطنين، ونقطة المياه الباردة التي يشربونها.

 

مليارات تدفع ولا كهرباء

بحسب تقرير “المسلسل المظلم لقطاع الكهرباء” الصادر عن “ملتقى التأثير المدني”، فان الكلفة التشغيلية لكهرباء لبنان تبلغ 700 مليون دولار سنوياً. منها: 140 مليون دولار لبواخر الطاقة، و110 ملايين دولار لصيانة المعامل، و200 مليون دولار لمقدمي الخدمات. في حين ان كلفة شراء الفيول تبلغ 1.2 مليار دولار. أما النتيجة فخزانات فارغة وعجز عن تأمين اكثر من 600 ميغاواط من أصل 1800 متوفرة. وهنا بيت القصيد فان كانت وزارة الطاقة عاجزة عن استغلال الموجود من الطاقة الكهربائية فكيف يمكنها طمأنة المواطنين الى انتاج 3 آلاف ميغاواط من المعامل الجديدة؟

 

462 بدون تعديلات تقنية

في الوقت الذي كان من المفروض فيه التركيز على التعديلات الجوهرية في مشروع القانون 462 الذي عفّى الزمن عن الكثير من بنوده، حصرت التعديلات بعدم المس بصلاحيات الوزير وابقاء سلطته المطلقة على القطاع. ومن وجهة نظر يحيى فإن التعديلات كان يجب ان تطال 3 أمور اساسية:

1 – إضافة التغيرات التي حصلت في ادارة قطاع الكهرباء في العالم بين الاعوام 2000 و 2020، على صعيد الأتمتة والتحوّل الرقمي. حيث دخلت عناصر جديدة تتمثل في الشبكات المصغرة وإمكانية المواطن انتاج الطاقة ووضعها وتبادلها على الشبكة”.

2 – تغيير الطريقة في ادارة قطاع الكهرباء. حيث برزت في الاعوام الاخيرة تجارب دولية مهمة على هذا الصعيد. فهناك بعض الدول ذهبت باتجاه انشاء هيئات كهربائية مستقلة. وهناك بعض الدول حافظت على الشركة الوطنية بالانتاج والنقل بينما اعطت الخدمات الكهربائية للقطاع الخاص. وهي تعتبر اليوم من الشركات الاولى في العالم على صعيد الخدمة والكلفة.

3 – تغيرات على صعيد الادارة المالية والانظمة الخدماتية في قطاع الكهرباء، حيث اصبحت هناك مجالات أوسع لتقديم خدمات غير كهربائية من خلال العدادات الذكية.

حتى لو أخذنا التعديلات التي ادخلتها الحكومة على مشروع القانون في العام 2010 فهناك تغيرات كثيرة في المكونات التقنية للقطاع الكهربائي لم يتم التطرق لها. منها، مثلاً، كيفية اعطاء الرخص التي اصبحت تعتبر طريقة متخلفة.

قانون 462 للعام 2002 يبعد نحو 20 عاماً، وتعديلاته في العام 2010 التي سيصوت عليها مجلس الوزراء اليوم تبعد 10 سنوات عن وقتنا الراهن. الامر الذي يدفع إلى الاستنتاج ان هدف القوى السياسية من خلال هذا التعديل ليس الاصلاح بل السيطرة على القطاع وإبقائه اداة للتمويل السياسي.