Beirut weather 14.41 ° C
تاريخ النشر December 31, 2017
A A A
إقفال صحيفتين طبَع السنة 2017 إعلامياً
الكاتب: غسان حجار - النهار

2017 إعلامياً: الحرية أولاً… وإقفال صحيفتين طبَع السنة
السياسة اقتحمت “تلفزيون لبنان” فعطّلته والوزير عاجز

يطوي العام 2017 صفحته الأخيرة غداً على ملف إعلامي شائك ومعقّد رغم هامش الحرية الواسع الذي يتمتع به لبنان والذي يضر بقدر ما يفيد في محيط أقرب الى الديكتاتورية منه الى قبول تنوّع الآراء وتعددها. ولعل توقيف عدد من أمراء السعودية الذين يملكون محطات تلفزيونية فاعلة، بل مسيطرة على سوق الاعلام والاعلان معاً، سيرسم صورة جديدة للاعلام العربي، والاعلام اللبناني بات جزءاً منه، بل تخلّف عنه في مستوى البرامج المقدمة، كما أنه أفاد من الحرية أحياناً بشكل غير ناضج، وغير إنساني، وغير وطني.

في الإعلام اللبناني، يطوي العام 2017 صفحته الأخيرة على مجموعة تعقيدات إن في “تلفزيون لبنان” الموضوع في الثلاجة منذ 6 أشهر بسبب مناكفات سياسية، أو في المحطات الأخرى المتعثرة مالياً بمعظمها، أو في الصحافة المكتوبة التي خسرت مؤسستين فيها، جريدة “السفير” العريقة، و”الاتحاد” التي حاولت أن تحل محلها، فإذا بها تفشل ولا تتجاوز شهرها الثاني معلنة “الاحتجاب” أي الإقفال، فيما معظم الصحف الأخرى تعيش أزمات وجودية بسبب ضآلة الإمكانات وتزايد الأعباء والديون، وهي، كما “النهار” تحديداً، تجاهد للبقاء في انتظار ظروف أفضل غير واضحة المعالم بعد مع تراجع أسواق الاعلانات، وأيضاً تحوّل القرّاء من الورق الى الالكتروني مع ما يسبب ذلك من خسائر إضافية تطمح صحف، بل “النهار” وحدها في لبنان (حالياً)، الى تعويضها من اشتراكات الكترونية تمضي ببطء، اذ إن القارئ اللبناني لم يعتد بعد دفع الاشتراك الالكتروني بعدما أدمن المواقع المجانية. تلك المواقع التي تعتاش على فتات الصحف، وتسرق منها كل صباح كمّاً هائلاً من المعلومات والتحقيقات، والأهم المقالات.

مارسيل غانم
واذا كان موضوع الحريات الاعلامية هو الأهم وسط كل الضجيج المؤسساتي فإن “زمن القلّة” يدجن تلك الحرية ويفرض رقابة ذاتية تسبق تلك الرقابة التي لوّح بها رئيس الجمهورية ميشال عون عندما تحدث عن أخبار وشائعات لا يمكن اثباتها وتستدعي إخضاع ناشرها للتحقيق، متناسياً حجم التهم التي وجهها في وقت سابق لفريق سياسي تحالف معه اليوم، وأصدر كتيبات عن الفساد لم يتم إثبات أي منها بإسناد، بل ظلّت حبراً على ورق.

هذه المحاسبة المفترضة حطّت في lBCI مع الزميل مارسيل غانم. وقد بدا أن “تدجين” مارسيل يكفي لإيصال رسالة الى كل المعنيين في الاعلام على أنواعه. لكن ما أصاب مارسيل غانم لم يطبق على وسائل أخرى مرئية ومكتوبة تبث الشائعات يومياً، وتطلق الإهانات وتسيء الى علاقة لبنان بدول شقيقة وصديقة، والأهم أن للبنان مصالح أساسية معها.

الملف طوي قبل أيام بوساطة قادها الوزير السابق الياس بو صعب ووافق عليها وزير العدل سليم جريصاتي بمباركة الرئيس عون، لكي لا يفتح ملف الحريات، ويدخل العهد في كباش مع الاعلام الذي سيجد من خصوم الرئيس مناصرين كثرا في هذه المرحلة. ولن تكون النتائج فيها كما كان يظن البعض.

“تلفزيون لبنان”
أما الملف الذي بدا شائكاً بتداخل السياسة بالاعلام فكان “تلفزيون لبنان” المنسي والداخل في غياهب الصراعات السياسية والحسابات التي لا تبالي بوضع تلك المؤسسة العريقة.

وبعد ترداد كلامي لوزير الاعلام ملحم رياشي ووصوله الى الحائط المسدود، دخل على الخط قبل أيام رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع الذي استغرب عدم إدراج بند تعيين رئيس ومجلس إدارة جديد لـ”تلفزيون لبنان” على جدول أعمال مجلس الوزراء منذ أكثر من ستة أشهر حتى الآن، مشيراً الى أن “الآلية التي اتبعت هي الأولى من نوعها في العهد الجديد، حيث فتح الباب أمام كل من يرى بنفسه الكفاءة للتقدم الى هذا الموقع، وبالتالي لم يحصل التعيين بأشخاص معينين” (…) وأضاف: “لا يمكن المرء أن يفهم أسباب عرقلة تعيين رئيس وأعضاء لمجلس إدارة “تلفزيون لبنان” بعد آلية من هذا النوع واضحة وشفافة وقانونية ونزيهة إلا إذا كان المطلوب عكس ذلك”، مؤكداً أن المطلوب “إدراج هذا البند في أسرع وقت ممكن على جدول أعمال مجلس الوزراء لأن تلفزيون لبنان يحتضر”. وغرّد لاحقاً “إنها مهزلة لا توصف بألا يتم إدراج بند التعيين منذ ستة أشهر حتى الآن”.

والواقع أن التعيينات “لا تشيل الزير من البير” في مؤسسة تفتقد الرؤية بسبب غياب الرؤيا لدى الدولة الى مشروع الاعلام الرسمي والمراد منه. لكن الحقيقة أيضاً أن المحافظة على التلفزيون، ما دام أي قرار بإقفاله لم يتخذ، تستوجب إجراء تعيينات فيه للتمكن من اتخاذ القرارات الضرورية الادارية والمالية. فكان الصراع الخفي القائم بين “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” ولجوء وزير “القوات” وزير الاعلام ملحم الرياشي الى التزام آلية التعيينات التي قررها من دون التشاور مع فريق رئيس الجمهورية (المعني الأول بتعيين مدير عام للتلفزيون) ما جعل التعطيل قائماً له بالمرصاد. ولم يتمكن في ستة أشهر من إدراج المشروع على جدول أعمال مجلس الوزراء، رغم حمله مراراً الى رئيس الجمهورية، ورئيس الحكومة، وبات ربط تعيينات التلفزيون بتغييرات في “الوكالة الوطنية للاعلام” و”اذاعة لبنان” أكثر تعقيداً بما يوحي عدم وجود رغبة في إهداء الرياشي ومن ورائه “القوات” أي رصيد نجاح في كل الملفات التي يتولونها.

مشروع دعم الصحف
وانعكس هذا التعطيل أيضاً على مشروع دعم الصحف الورقية الصادرة في بيروت بترخيص لبناني، والمشروع الذي وضعه الوزير السابق رمزي جريج، ولقي تأييداً واسعاً في القطاع الصحافي، حمله الرياشي الى الأمانة العامة لمجلس الوزراء بعد إدخال تعديلات عليه. لكن الأمانة العامة اعتمدت المماطلة أيضاً طوال ستة أشهر، والحجة أن وزارات أو قطاعات أخرى اعترضت عليه. ويبدو أن الاعتراض وجد في غير محله، لأنه ينسجم مع سياسة دعم تعتمدها الحكومات المتعاقبة، ولو بغير وجه حق وفي رؤية اقتصادية فاشلة. فالدعم متوافر لأطنان البطاطا، وللتبغ، والفواكه المصدرة الى الخارج، وللقمح، ولأنواع وأصناف أخرى يتطلب بقاؤها اعتماد حماية لها لا دعماً لتصديرها يكلف الدولة أعباء كبيرة ولا يجرؤ أحد على مناقشتها في السنة الانتخابية خصوصاً.

ولعل الدعم للصحافة الورقية كصناعة وكإرث ثقافي وتراث أدبي تستحق للبقاء وجهاً من الوجوه المنيرة لبلد صدّر الحرف وتحوّل لاحقاً عاصمة للصحافة العربية.

المجلس الوطني للاعلام
وفي هذا الإطار يتجنب وزير الاعلام الخوض في ملفات أخرى جديدة، ولو أساسية، لتجنيب نفسه مزيداً من الحروب والقذائف الحارقة، لذا يغض النظر عن المجلس الوطني للاعلام المنتهية ولايته منذ زمن، والذي يمضي في تسيير الأعمال وتصريفها على نحو واسع غير آبه بالمدة المتبقية، وربما يواجه المجلس تحديات أكبر مع اقتراب موسم الانتخابات، وأيضاً مع دخول وسائل التواصل الاجتماعي الاسواق من بابها العريض، ومثلها المواقع الالكترونية وملحقاتها، والتي باتت تحتاج الى تنظيم واسع يخرج من نطاق تركيبة المجلس الوطني الحالية غير العالمة بالتطورات التكنولوجية في العالم.
واذا كان هذا المجلس قد نظم مرحلياً قطاع البث الالكتروني والترددات والفضائيات، ومنع محطات الاذاعة غير المرخصة، فإن الترهل فيه انعكس على كل الملفات المصابة بفوضى عارمة لم يعد ممكناً تجاوزها بفريق عمل مماثل لتركيبة المجلس الحالي.

قانون الاعلاميين
واذ دخل الوزير الرياشي على العوالم الجديدة في الاعلام، فإنه سعى الى تأسيس نقابة جديدة للاعلاميين على مختلف اختصاصاتهم تعمل ضمن قانون جديد وعصري للاعلام. لكن المفارقة أن أهل الاعلام رفضوا المولود الجديد قبل أن يطل على الدنيا. وحصل نزاع بين الوزير ونقابة الصحافة التي ألغاها المشروع الجديد بشطبة قلم، ثم عاد الوزير متفهماً ليصير المشروع كله مؤجلاً أيضاً. ومثله قانون الاعلام الجديد في مجلس النواب الذي يتخبط كما المجلس وقوانينه بين إقرار ومطالبات بتعديلات واسعة تعلّق المشاريع والقوانين والتطوير.