Beirut weather 24.1 ° C
تاريخ النشر January 28, 2020
A A A
إقرار الموازنة عمل سيادي بامتياز لكنه مشروط بموازنة واقعيّة ويُمكن تنفيذها
الكاتب: بروفسور جاسم عجاقة - الديار

أقر مجلس النواب البارحة في جلسة لم تتعدّ بضع ساعات موازنة العام 2020 بموافقة 49 نائبًا (التيار الوطني الحرّ، التنمية والتحرير، الوفاء للمقاومة، القومي والنائبين نقولا نحاس وعدنان طرابلسي) وإعتراض 13 نائباً (الإشتراكي وبعض نواب المستقبل وفريد الخازن) وإمتناع 8 نواب عن التصويت (بعض نواب المُستقبل). وتمّ الأخذ بتعديلات لجنة المال والموازنة على بعض المواد (المادة 36… وغيرها).
وإذا كان إقرار الموازنات هو عمل أساسي في الدول يتمّ تصنيفه في خانة التشريع السيادي بحكم أنه يُنظّم السيادة المالية على أراضي هذه الدول، وبالتالي يتمّ إعتباره حدثاً إيجابياً في تاريخ الدول، إلا أن الأسواق المالية تفاعلت سلبيًا مع هذا الحدث من خلال إنخفاض أسعار سندات الخزينة اللبنانية (اليوروبوندز) في الأسواق نتيجة المخاوف من عدم قدّرة الدولة على تأمين تمويل إستحقاقاتها المالية لهذا العام. وتشمل مخاوف الأسواق أيضًا مخاوف من تحميل القطاع المصرفي وخصوصًا مصرف لبنان أعباء تمويل هذه الإستحقاقات في ظرف تزيد فيه الضغوطات على إحتياطات المصرف المركزي!
الغموض الذي إستشرفته الأسواق من إقرار موازنة لا تعكس الواقع بإعتراف النواب في مداخلاتهم في جلسة المناقشة، يأتي في ظل تبنّي رئيس الحكومة حسان دياب للموازنة مع إحتفاظه بحقّ إرسال مشاريع قوانين مُستقبلية لتعديلها بحسب التطوّرات. هذا الأمر تمّ تفسيره بمحدودية الخيارات التي تمتلكها الحكومة خصوصًا على صعيد المساعدات الدولية وبالتالي لا تمتلك الحكومة القدّرة على ترجمة خطتها إلى أرقام نظرًا إلى هذا الغموض في التعاون الدولي مع هذه الحكومة.
عمليًا أرقام موازنة 2020 كما أحالتها لجنة المال والموازنة إلى المجلس النيابي تُشير إلى أن حجم الموازنة بلغ 21.195.870.181.000 ليرة لبنانية بالإضافة إلى 1.500 مليار ليرة لبنانية سلفة خزينة لمؤسسة كهرباء لبنان أي ما مجموعه 22,695,870,181,000 ليرة لبنانية!
وتنقسم المداخيل إلى 15.674.229.000.000 ليرة لبنانية على شكل إيرادات ضريبية و4.141.678.000.000 ليرة لبنانية على شكل إيرادات غير ضريبية. وتمّ فرض ضريبة إستثنائية على حجم الأعمال للقطاع المصرفي بنسبة 2% فيما تمّ تحميل مصرف لبنان نصف خدمة الدين العام مما يجعل مُساهمة القطاع المصرفي الإجمالية تفوق الـ 5000 مليار ليرة لبنانية!
وإذا كانت لجنة المال والموازنة قد نجحت في تخفيض الإنفاق مقارنة بالصغية التي رفعتها الحكومة السابقة، إلا أن حجم هذا التخفيض غير كاف على الإطلاق لمواجهة الإنخفاض في الإيرادات والذي وصل إلى 40% بحسب وزير المال السابق علي حسن خليل! وهذا يعني أن إجمالي إيرادات الدوّلة الضريبية وغير الضريبية في العام 2020 قد تصل إلى حدود 9.700 مليار ليرة لبنانية مقارنة بـ 19.815 مليار ليرة لبنانية منصوص عليها في موازنة العام 2020!
أضف إلى ذلك العديد من الإصلاحات التي كان من الواجب إدخالها في موازنة العام 2020 لم ترد في النص وعلى رأسها ما يُقارب المئة مؤسسة وهيئة عامّة لا جدوى فعلية لها، بالإضافة إلى الشق المُتعلّق بالكهرباء والذي كان من المتوقّع أن ينخفض عجزها 50%، والأملاك البحرية والنهرية وسكك الحديد، والتهرّب الضريبي والتهريب الجمّركي، وهيكلة القطاع العام وغيرها من الإجراءات التي كانت لتضّمن تخفيض النفقات وبالتالي العجز في الموازنة!
ويبقى القول أن الإنكماش الإقتصادي الناتج عن الأزمة الحالية سيؤدّي حكمًا إلى رفع نسبة العجز في الموازنة إلى الناتج المحلّي الإجمالي ليصل إلى مستويات تفوق الـ 14% وأيضًا نسبة الدين العام إلى الناتج المحلّي الإجمالي!
من هذا المنطلق نطرح عددًا من الإقتراحات التي تُساهم بتأمين تمويل العجز:
أولا ـ وقف نزيف الكهرباء حتى لو إضطرّ الأمرّ إلى تخفيض ساعات التغذية نظرًا إلى أن الكلفة على المواطن في حال إعتمد المولدات الخاصة تبقى أقلّ مما ستفرضه الإستدانة لدعم مؤسسة الكهرباء وهي لا تؤمّن الكهرباء 24/24، بالإضافة إلى تعجيل تنفيذ خطّة الكهرباء وتقصير المُدّة!
ثانيًا ـ التشدّد في مراقبة الحدود البحرية والبرية والجوية لتفادي التهريب الجمّركي والذي يؤدّي إلى تراجع كبير في إيرادات الدولة من رسوم الإستيراد (1.300 مليار ليرة متوقّعة في العام 2020).
ثالثًا ـ حلّ مُشكلة وضع اليدّ على الأملاك البحرية والنهرية وسكك الحديد عبر رفع بدل الإشغال (من دون إعطاء أي حقوق ملكية عليها) بشكل تعكس أسعار العقارات في السوق.
رابعًا ـ إلغاء كل المؤسسات والهيئات الرسمية التي لا جدوى منها والتي أظهرت مناقشة موازنة العام 2019 أن هناك ما يُقارب المئة مؤسسة وهيئة عامة أقرب إلى التنفيعات منها إلى الحاجة الفعلية.
خامسًا ـ محاربة التهرّب الضريبي إن على صعيد الشركات أو على صعيد الأفراد وهذا الأمر أصبح أكثر من ضرورة خصوصًا مع نشر أوراق بنما وتقرير صندوق النقد الدولي عن نسبة التهرّب الضريبي.
سادسًا ـ البدء بتحفيز القطاعين الصناعي والزراعي بشكل يسمح بتخفيف التعلّق بالإستيراد من الخارج بالإضافة إلى تدعيم الأمن الغذائي والذي إختفى مع إستيراد 85% من إجمالي الإستهلاك الغذائي!
سابعًا ـ إجراء الإصلاحات المنصوص عليها في مؤتمر سيدر (الحوكمة المالية، محاربة الفساد، مكننة الدولة، إعادة هيكلة القطاع العام…) وذلك بهدف تحرير أموال مؤتمر سيدر وتفعيل الدورة الإقتصادية وإضافة مداخيل إضافية للدولة اللبنانية نتيجة هذا النشاط الإقتصادي.
ثامنًا ـ طلب مساعدة صندوق النقد الدولي التقنية بهدف الإستفادة من خبرته الواسعة في مواكبة الدول التي مرّت بحالة لبنان وأخذ أفكار إصلاحية تهدف إلى إعادة الإنتظام المالي للدولة اللبنانية.
هذه الإجراءات يُمكن إرفاقها بطلب مساعدة مالية خارجية إذا ما دعت الحاجة حيث ستُشكّل هذه الإجراءات علامة ثقة إضافة أن الحكومة اللبنانية عازمة على محاربة الفساد ودفع العجلة الإقتصادية والإنماء بما فيه مصلحة الشعب اللبناني.