Beirut weather 13.41 ° C
تاريخ النشر May 4, 2016
A A A
إفراغ فلسطين من المسيحيين جريمة
الكاتب: علاء جمعة - D W

يرى رئيس شبكة التسامح العربية إياد برغوثي أن انخفاضا ملحوظا يسجل في تواجد المسيحيين بفلسطين، مرده إلى عوامل عديدة، ويعتبر”جريمة بحق فلسطين”. DW حاورت الأكاديمي الفلسطيني، عن البدائل في مواجهة التعصب في المجتمعات العربية.

DW عربية: ما هي أبرز مظاهر الكراهية والتعصب التي يرصدها مركزكم في الأرضاي الفلسطينية، ومن تستهدف على الخصوص؟
* إياد البرغوثي : مفهوم التسامح هو إشكالي في المنطقة العربية، ومنها فلسطين. التسامح مسألة مهمة، خاصة في هذا الوقت، والذي نشهد فيه ازدياد مظاهر الكراهية. في فلسطين ينشط مركزنا لرصد حالات عدم التسامح، والتعصب، وهو أنواع: فهناك التعصب المبني على أسس دينية، أو إثنية مثلا وهي أمور غير ملموسة بشكل كبير داخل المجتمع الفلسطيني، وهناك التعصب المبنى على أسس سياسية مثلا وهو من الأمور المنتشرة داخل المجتمع الفلسطيني.

DW عربية: ما هي الوسائل التي تعتمدون عليها لرصد هذه الظواهر، وإلى أي حد تحظى بالاعتراف من قبل الأطراف المختلفة سواء الدينية أو السياسية؟
* نعتمد على رصد الانتهاكات. مثلا توثيق أية ظاهرة تحصل داخل المجتمع وتصنيفها. تعصب سياسي، ديني، اثني، أو ضد المرأة، أو لون البشرة. بعد التسجيل والتصنيف للانتهاكات، يتم التحقق منها، ونلفت انتباه المسؤولين لها. مجموع هذه الانتهاكات أو انحصارها ضمن مجال معين، يبرز مدى الانتهاكات الحاصلة في المجتمع.

DW عربية: وما هي أكثر الجهات تحريضا على الكراهية والتعصب: هل يتعلق الأمر مثلا بمتطرفين إسلاميين، أم ايضا يهود، أم معا، أم اطراف آخرى ما هي؟
* التعصب بين المسيحيين والمسلمين هو أمر نادر في فلسطين، وقد يظهر ضمن حالات فردية بين الفينة والأخرى، هنالك تحفظ داخل المجتمع من كلمة أقلية مسيحية أو أكثرية مسلمة، فالمسيحيون الفلسطينيون هم جزء لا يتجزأ من المجتمع الفلسطيني، وكذلك الطائفة السامرية الموجودة داخل فلسطين، وينطبق على المسيحيين والطائفة السامرية، ما ينطبق على المسلمين هناك. والهم الوطني يجمع الفئات المختلفة. وبالنسبة للمستوطنين اليهود، فإن عملنا ينحصر عادة على مكونات المجتمع الفلسطيني. أما رصد الأعمال التي يقوم بها المستوطنون، أو العكس فهي أمور ترصدها مؤسسات أخرى، ولا تندرج ضمن برنامج عملنا.

DW عربية: هل إن مظاهر التطرف والتعصب هي بالأساس بين الطوائف/ الأديان أم ان ظواهر لا تقل خطورة تجري أيضا داخل الكيانات المجتمعية التي تبدو ظاهريا متجانسة دينيا او طائفيا؟
* التعصب هو ظاهرة لا تنحصر على دين أو طائفة معينة، هي رفض الآخر مهما كان. تقبل مفهوم التسامح، آخذ في الازدياد داخل المجتمع. لقد كان التسامح مرتبط في ذهن الكثيرين بالتنازل، إلا أن الأمر ليس كذلك، المفهوم مختلف، ولا يجب أن نركز على مفهوم الصح والخطأ، بل التركيز على الحق في الاختيار، وتقبل الآخر.

DW عربية: ما هي أكثر الصعوبات أو العقبات التي تواجهكم في العمل من أجل نشر ثقافة التسامح؟ هل يتعلق الأمر مثلا بتابوهات أو محرمات مجتمعية؟ ما هي؟
هنالك دورات تدريبية، للشباب وخاصة طلاب الجامعات عن ماهية الاختلاف السياسي، وتقبل الآخر، وأن الآخر ليس على خطأ، فالحقيقة ليست موجودة فقط عند جهة معينة فقط. الانقسام السياسي الحاصل داخل المجتمع الفلسطيني، أبرز أهمية ما نقوم به، وجعلنا نعمل على تكثيف لقاءاتنا مع أطياف المجتمع المختلفة. ومعظم الأحزاب السياسية في فلسطين أهملت هذا الموضوع للأسف، ولم تدعمه، واعتبرته خارج عملها وهذا من أبرز المعوقات.

DW عربية: ترصد بعض الهيئات مظاهرة هجرة المسيحيين من القدس والاراضي الفلسطينية، ما هي الأسباب؟
*هناك هجرة واضحة داخل المجتمع الفلسطيني، وخصوصا بين المسيحيين، فقد انخفضت نسبة التواجد المسيحي داخل فلسطين إلى حوالي واحد بالمائة فقط في الضفة الغربية وغزة بعد أن كانت 13 بالمائة. وهنالك عدة أسباب وراء هجرة المسيحيين، منها الاحتلال، وتسهيل بعض السفارات الأجنبية لسفر المسيحيين، وتهجير، إلا أن ثقافة التعصب إن وجدت فهي تدعم أيضا هذا التهجير.

DW عربية: هل هنالك جهود لتشجيع المسيحيين على البقاء وحمايتهم من الضغوط؟
* نعم. برامج مع الكنيسة، من أجل حثهم على البقاء، لان إخلاء فلسطين من المسيحيين، هي جريمة بحق فلسطين، فمنهم كان رواد القومية، والوطنية.

DW عربية: هل أن ضعف منظمة التحرير سياسيا وتفككها، نتج عنه أيضا سقوط الأساس الذي قامت عليه أي خيار العلمانية والتعددية السياسية والفكرية والدينية؟
*نعم، أعتقد أن إهمال منظمة التحرير الفلسطينية، للعديد من البرامج مثل التعليم، هل هو تعليم ديني مثلا أم مدني، وأيضا الشؤون المجتمعية، وغيرها من الأمور، ساهم في مد إسلامي مقابل. برنامج منظمة التحرير والذي كان يدعوا لفلسطين موحدة علمانية لجميع سكانها، انحصر الآن في المطالبة بدولة سياسية، من غير التركيز على الأمور الثقافية، وماهية هذه الدولة، وهو ما استغلته الأحزاب الإسلامية.

DW عربية: هل يمكن للأحزاب الإسلامية (حماس، الجهاد الإسلامي) ان تنصهر في الدولة العلمانية أم أن تجربة الصراع المرير بين قطاع غزة والضفة الغربية، يجعل المهمة مستعصية؟
* الحقيقة إذ نظرت إلى مفهوم الدولة الحديثة، وأن تكون الدولة ديمقراطية، فلا يمكن إلا أن تكون علمانية، بمعنى وجود دولة لجميع مكوناتها. فحتى لو أرادت الدولة أن يكون لها طابع ديني، لا يمكن إلا انتهاج منهج علماني قائم على التعددية الثقافية، والفكرية، إن أرادت أن ترعى مواطنيها. أعتقد أن الأحزاب الإسلامية في فلسطين تريد الوصول إلى حل وسط ليبرالي، فهي تدرك أنها أمام طريقين، إما نموذج “داعشي متشدد”، أو منهج ديني متسامح، وهو ما تسعى إليه. قد يكون الوضع حاليا غير واضح بالنسبة لها تماما، إلا أن الأحزاب الإسلامية تريد أن تجد نوعا من الحلول الوسطى بين الإسلام والعلمانية، وتقبل الآخر. لذلك اعتقد أن الوضع في فلسطين قابل لاندماج بشكل معين بين الأحزاب المختلفة حتى ولو كانت إسلامية.

د. اياد البرغوثي هو باحث وأكاديمي فلسطيني، و رئيس شبكة التسامح العربية المتواجدة في 17 دولة عربية مختلفة. وله أبحاث ومؤلفات عديدة في مجال علمانية الدولة، وعلم الاجتماع، وقضايا الأقليات.