Beirut weather 17.41 ° C
تاريخ النشر October 2, 2020
A A A
إفتتاحية “البناء”.. إليكم ما تضمنته
الكاتب: البناء

تحت العنوان “بري يعلن فوزه بماراتون 10 سنوات من الضغوط الأميركيّة… ويسلم الأمانة لعون/ هل سلّم الأميركيّ بالتوازنات التي دُفع لبنان نحو الانهيار لتغييرها بعد فشل العقوبات؟ / موافقة أميركيّة إسرائيليّة على إطار للترسيم بشروط لبنان: لا تفاوض مباشر ورعاية أمميّة”، كتبت صحيفة البناء في افتتاحيتها:

بالمعنى القانوني والسياسي المفاوضات توشك أن تبدأ وهي بالتالي لم تنته حكماً، ولا توشك أن تنتهي، رغم أن تجاذبات أكثر من عشر سنوات رسمت حدود الممكن والممنوع والمستحيل فيها بما يكفي لتحديد هوامش التفاوض. وبالتوصيف القانوني والسياسي التفاوض الذي سيجري ليس مشروع معاهدة، كما توحي صلاحية رئيس الجمهورية بالتفاوض على المعاهدات الخارجيّة، وإلا دخل لبنان محظور التوقيع على معاهدة سياسية، وهو يفعل كل الممكن لتفادي هذه الكأس المرّة. فهي يجب أن تبقى مفاوضات عسكرية تقنية يشرف عليها رئيس الجمهورية كقائد أعلى للقوات المسلحة، وتتم تحت سقف رعاية الأمم المتحدة ضمن لجان رافقت مراحل شبيهة مع تفاهم نيسان عام 1996، والتثبت من الانسحاب الإسرائيلي عام 2000، وهدفها محصور بتصديق خرائط ومحاضر تشكل امتداداً تقنياً، لتثبيت خط الحدود الدولية للبنان المرسم لدى الأمم المتحدة، والمطلوب تثبيت الاعتراف بعلاماته الميدانية والانطلاق منها لتثبيت خرائط ومحاضر للحدود البحرية تضمّ في وثائق الأمم المتحدة لخرائط ومحاضر الحدود البرية.
لبنان لا يفاوض سياسياً، ولا مشروع معاهدة لبنانية إسرائيلية على الطاولة، بل أكثر من ذلك، لبنان لم ولن يقبل بمفاوضات مباشرة، وقد انتزع شروطه المعاكسة للشروط الأميركية الإسرائيلية، من الفريقين الأميركي والإسرائيلي، بمفاوضات غير مباشرة، تحت الرعاية الأمميّة، بدلاً من التفاوض المباشر تحت الرعاية الأميركية، رغم كل الضغوط المالية المسخرة لفرض التنازلات عليه، ورغم تهديده بخطر الانهيار والعزل والحصار وإشهار سيف العقوبات فوق رأسه وتطبيق البعض الصعب من هذه العقوبات، والفوز اللبناني الذي يُكتب تحقيقه لرئيس مجلس النواب نبيه بري، ينتظر استكماله بالفوز النهائي بعدما أعلن بري نهاية المهمة التي بدأت قبل عشر سنوات، بإعلان اتفاق الإطار الذي سيحكم التفاوض، بمستوى ضباط الجيش، لا وزارة الخارجية، وبصورة غير مباشرة وبرعاية الأمم المتحدة، حيث يجلس المفاوضون كل في غرفة سيتنقل بينهما الراعي الأممي والوسيط الأميركي، ولا يتم توقيع محاضرها من الراعي والوسيط إلا بعد توقيع طرفي النزاع.
رئيس مجلس النواب سلم الأمانة لرئيس الجمهورية، الذي أعلن ترحيبه بالاتفاق الإطار، لتختتم مرحلة هامة في طريق تثبيت حدود لبنان الاقتصادية في البحر، بينما أعلن بري أن التنقيب من طرف شركة توتال الفرنسيّة في المربع رقم تسعة الحدوديّ سيبدأ قبل نهاية العام بوعد من الرئيس الفرنسي أمانويل ماكرون.
الأميركيّون الذين رحّبوا بالاتفاق الذي مانعوا شروطه سنوات، وحجزوه رهينة في جيوبهم شهوراً، سيكشفون مع زيارة نائب وزير خارجيتهم ديفيد شينكر إلى بيروت خلال أيام عن درجة اقتناعهم بأنهم وصلوا إلى طريق مسدود رغم الضغوط والتهديد بالانهيار، والتلاعب بالتوازنات الطائفية التي شهدتها مفاوضات تشكيل الحكومة مؤخراً، واستخدام العقوبات التي شملت وزيرين سابقين في رسالة ضغط شديدة على الرئيس بري لدفعه لقبول تعديل الاتفاق. كما ستكشف الأيام المقبلة، ما إذا كان هذا الموقف الأميركي الإسرائيلي عشية الانتخابات الرئاسية الأميركية، يشكل أكثر من حملة احتفالية إعلامية في المسار الانتخابي، ويمكن أن يؤشر لتوجه جديد يفتح الباب للإفراج عن لبنان واقتصاده وحكومته، بعدما تحول كل شيء بقوة الضغط والتدخل الأميركيين إلى رهائن للتفاوض على اتفاق الإطار الخاص بترسيم الحدود، وقد أنجز الاتفاق، أم أن التفاوض على الترسيم الذي سيبدأ لن يقل صعوبة عن التفاوض حول الإطار، وسيشهد مواصلة للضغوط والعقوبات عند كل منعطف تفاوضي.
أعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري الإطار العملي للتفاوض حول ترسيم الحدود البحرية والبرية في جنوب لبنان.
وقال بري خلال مؤتمر صحافي عقده في عين التينة: «طُلب من الولايات المتحدة أن تعمل كوسيط لترسيم الحدود البحرية وهي جاهزة لذلك، وحين يتم التوافق على الترسيم في نهاية المطاف سيتم إيداع اتفاق ترسيم الحدود البحرية لدى الأمم المتحدة عملاً بالقانون الدولي والمعاهدات ذات الصلة». وقال بري: «إذا نجح الترسيم، فهناك مجال كبير جداً، خصوصاً بالنسبة للبلوك 8 و9، أن يكون أحد أسباب سداد ديوننا».
وأوضح أن «الاتفاق حصل في 9/7/2020، والعقوبات على حسن خليل وغيره أتت لاحقاً ولا علاقة لها بترسيم الحدود». قائلاً: «أنا «بري بحلاش عالرّص» وعلي حسن خليل أصبح أقرب إليّ بعد العقوبات أكثر من قبلها».
وعقب مؤتمر بري، رحبت الخارجية الأميركية بقرار بدء محادثات لبنانية إسرائيلية حول الحدود. وقال وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو: «المشاورات بين لبنان و»إسرائيل» تمهد للاستقرار والأمن والازدهار، والخطوة تخدم حماية مصالح لبنان و»إسرائيل» والمنطقة». وتابع «واشنطن تتطلع لانطلاق قريب لمناقشات الحدود البحرية بين لبنان و»اسرائيل»».
وأفادت المعلومات أن مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، ديفيد شينكر سيزور لبنان منتصف الشهر الحالي لمتابعة وضع أسس المفاوضات حول تحديد الحدود البرية والبحرية. وأوضحت المعلومات أن الوفد الأميركي في المفاوضات سيكون بصفة وسيط ومراقب وليس في موقع الشريك المفاوض المقرر».
واشار شينكر الى انّ «إسرائيل ولبنان طلبا من الإدارة الأميركية تسهيل التفاوض والوساطة ولن يتم التفاوض مع حزب الله نهائياً في ما يخص ترسيم الحدود»، مشدّداً على انّ «لبنان يمر بأزمة اقتصادية واتفاق التفاوض مع إسرائيل سيساعده». وتابع: «سنستمر بوضع مسؤولين لبنانيين مساعدين لحزب الله على لائحة العقوبات، والـ»أف بي أي» لا يزال يحقق بانفجار مرفأ بيروت». وأعلن شينكر أنّ «المحادثات الإسرائيلية اللبنانية ستبدأ في الناقورة في 14 تشرين الأول وسيستضيفها ممثل الأمم المتحدة في لبنان يان كوبيش وسأحضرها شخصياً».
بدوره، رحّب الرئيس عون بالإعلان الذي صدر عن بومبيو. مشيراً في بيان لمكتبه الاعلامي أن «رئيس الجمهورية سوف يتولى المفاوضة وفقاً لأحكام المادة 52 من الدستور، بدءاً من تأليف الوفد اللبناني المفاوض ومواكبة مراحل التفاوض، آملاً من الطرف الأميركي ان يستمرّ في وساطته النزيهة».
وتلفت مصادر رئيس الجمهورية لـ”البناء” إلى أن «عون سيُعيد تنظيم التفاوض حياله مع المسؤولين التقنيين والعسكريين المعنيين بالتفاوض ضمن لجنة التفاوض اللبنانية»، مشيرة إلى «تحفظ لديه حيال نقطة تلازم مساري التفاوض البري والبحري».
وأكد مصدر مطلع على الملف لـ”البناء” أن رئيس الجمهورية ينطلق من ثوابت لمقاربة الملف، وهي:
حصر الترسيم في البحر من دون البر بحيث تكون المرجعية الأولى هي اتفاقية البحار والمرجعية الثانية اتفاقية الهدنة التي تؤكد على الحدود البرية، والمرجعية الثالثة القرار 425، فيما الرابعة القرار 1701.
أما الخط الأزرق بحسب المصدر، فلا يعني لبنان لأنه ليس خط حدود دولية، وكانت اللجنة العسكرية الثلاثية التي تولّت المفاوضات غير المباشرة اعتبرت هذا الخط لاغياً في العام 2000 لانتهاء مهمته.
ويؤكد المصدر أنّ أي تفاوض على الحدود البرية المعترف بها دولياً وفقاً للقرارات الدولية يعني استعداداً للتنازل عن قسم من هذه الحدود، لذلك آلية الترسيم يجب أن تحصر في الحدود البحرية لأنه لا يوجد اتفاق على حدود بحرية مع فلسطين المحتلة، أمّا في البرّ، فسيُطالب لبنان بتحرير الحدود البرية من الاعتداءات الإسرائيلية في النقاط الـ 13 بعد العام 2006.
ويشدّد المصدر على أنّ «لبنان لن يتنازل عن حقّه في المنطقة التي تنازعنا عليها «إسرائيل» بل ستركّز المفاوضات على تثبيت حقنا في مساحة 850 كيلومتراً مربعاً كاملة، علماً أنّ لبنان أعدّ الدراسات والوثاثق والأدلة التي تثبت ذلك وسيعرضها في أول جلسة تفاوض. لكن مطلعين على الملف أوضحوا لـ»البناء» أنّ “إعلان اتفاق الإطار لا يعني التوصّل إلى حلّ لملف ترسيم الحدود مع العدو الإسرائيلي في وقت قريب، فالتباين حول نقطة تلازم المسارين في الترسيم يمكن أن يفجّر المفاوضات في أي وقت”.
وفيما يرى مراقبون أن التقدم المبدئي بملف الترسيم يمكن أن ينعكس ايجاباً على ملف تأليف الحكومة وسط جمود تام للاتصالات على هذا الصعيد، تشير مصادر «البناء» إلى أنّ لا علاقة بين ملف النفط وتأليف الحكومة، مشددة على أن الضغط الأميركي مستمر على لبنان وتعطيل تأليف حكومة يُمثَّل فيها حزب الله. لكن اللافت ربط شينكر ملف الترسيم بانفراجات اقتصادية مالية في لبنان، ما يُخفي استغلالاً أميركياً لهذا الملف لدفع لبنان للتنازل عن جزء من حقوقه مقابل الإفراج عن الدعم المالي الدولي.
ونقل زوار الرئيس عون عنه قوله لـ»البناء» الى أن الاتصالات الحكومية بين القوى السياسية مجمّدة ولم يحصل أي لقاء على هذا الصعيد»، مشيراً إلى أن الأبواب مقفلة حتى الآن في ظل تمسك الأطراف السياسيّة كافة على مواقفها وشروطها الأمر الذي سيعقد عملية التكليف والتأليف وبالتالي من المرجّح أن يتريث رئيس الجمهورية بالدعوة الى الاستشارات النيابية الملزمة وسيبادر بعد فترة وجيزة لإجراء مروحة اتصالات ولقاءات ومشاورات مع رئيس مجلس النواب نبيه بري والقوى السياسية كافة ومع فرنسا لجسّ نبض الأطراف للبناء على الشيء مقتضاه».
وترى مصادر سياسية لـ»البناء» بأن الأزمة الحكومية تعقدت أكثر بعد اعتذار مصطفى أديب، فالمشكلة الاصعب هي اختيار اسم سني لتكليف تأليف الحكومة لا سيما بعد ان أعلن الرئيس سعد الحريري بأنه ليس مرشحاً لرئاسة الحكومة كما لن يسمّي شخصية أخرى، ما سيفتح الباب أمام قوى الأكثرية النيابية الى اللجوء الى خيارات أخرى لم تعرف طبيعتها حتى الآن وذلك لملء الفراغ الحكومي لمواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية والمالية.
ولفت خبراء عسكريون لـ»البناء» في هذا السياق، إلى أن الجهود التي تبذلها القوى الامنية لا سيما الجيش اللبناني وفرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي والتنسيق بين كافة الأجهزة وتسجيل إنجازات أمنية بإجهاض المخططات الارهابية في الشمال نجحت في فرض سيطرتها على الوضع الأمني.
في غضون ذلك، علمت «البناء» أن هناك جهوداً جدية للتوصل الى صيغة توافقية لقانون العفو العام مقبولة من الكتل السياسية، مرجحة إقرار القانون في جلسة 20 تشرين المقبل بصيغة وسطية لإطلاق الحد الأقصى من الموقوفين بشكل لا يمسّ بالأمن والاستقرار وبالقوانين.