Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر June 2, 2021
A A A
“إشتدّي أزمة تنفرجي”… على المصارف والمسؤولين
الكاتب: خالد أبو شقرا - نداء الوطن

بعدما وصفها بـ”الكساد المتعمّد” في خريف 2020، قال البنك الدولي في تقرير “مرصد الإقتصاد اللبناني لربيع 2021” أن “لبنان يغرق”. فالأزمة الإقتصادية والمالية التي تضرب لبنان، صنّفت بحسب البنك الدولي من بين الأزمات الثلاث الأكثر حدة عالمياً منذ أواسط القرن التاسع عشر.

عدا عن دخول لبنان مرحلة “الكساد”، وتراجع ناتجه المحلي في سنة واحدة من 55 مليار دولار إلى 33 ملياراً، فان أخطر ما لحظه التقرير هو “عدم وجود بارقة أمل، نظراً إلى التقاعس المتعمّد عن اتخاذ السياسات الملائمة”. وهذا لا يعود بحسب البنك الدولي إلى نقص في المعلومات، أو إلى توجيهات خاطئة، بل إلى عاملين أساسيين: غياب الإجماع السياسي بشأن مبادارت سياسية فعالة، والإجماع السياسي في الدفاع عن نظام مفلس أفاد البعض لفترة طويلة. الأمر الذي يهدد “بانهيار وطني منهجي، تكون له انعكاسات محتملة على المستويين الإقليمي والعالمي”.

 

 

تحميل الخسائر للمواطنين

مرة جديدة يؤكد البنك الدولي ما حذرت منه نخب إقتصادية طيلة الفترة الماضية من مغبة تواطؤ الأقلية السياسية والمصرفية على البلد وكل المواطنين. حيث اعتبر “التقرير” أن “عبء التكيّف الجاري، وتقليص ميزانية القطاع المصرفي تراجعياً بشكل كبير يركزان على المودعين الصغار والغالبية الساحقة للقوى العاملة والمؤسسات الصغيرة. هذا ويؤدي تعدد أسعار الصرف وتسليم الودائع على 3900 ليرة، في الوقت الذي وصل فيه الدولار إلى 15 ألفاً، إلى إرهاق صغار المودعين الذين يفتقرون إلى مصادر دخل أخرى، والقوى العاملة المحلية التي تتقاضى أجورها بالليرة اللبنانية”. فما يحصل منذ بداية الازمة ما هو إلا “عملية استنزاف للمودعين المجبورين على سحب ودائعهم بأي ثمن”، يقول الإقتصادي والمصرفي الوزير السابق عادل أفيوني، “إذ انه في غياب أي حل جدي لإعادة هيكلة جذرية في القطاع المصرفي، يجد المودع نفسه مضطراً إلى سحب ما يستطيع، أو ما يسمح له المصرف، من ودائعه ويتكبد خسارة بين 70 و85 في المئة”. وبحسب أفيوني فان “خطورة ما يحصل لا تنحصر بتحميل الخسارة لكل المودعين قبل توزيعها على البنك والمساهم فحسب، إنما بتحميل المودعين وحدهم عبء الازمة، حتى قبل الإعتراف من قبل المصارف بالخسائر”.

هذه السابقة التي لم تحصل في أيٍ من الأنظمة المصرفية التي واجهت أزمات مماثلة حول العالم، تهدف إلى تقليص خسائر المساهمين على حساب تعميق وزيادة خسائر المودعين. وعلى الرغم من ذلك فان المصارف لم تكتفِ بنقل الخسائر لمودعيها، بل طالبت الدولة بتحميل المواطنين أيضاً الجزء الأكبر منها. فالبنوك اللبنانية تدعو بحسب التقرير “إلى وضع آليات تشمل أصولاً تملكها الدولة، واحتياطي الذهب، والعقارات العامة، من أجل إصلاح ميزانياتها الضعيفة. مما يشكل عملية إنقاذ من القطاع العام للقطاع المالي (BAILOUT)، لا تتماشى مع مبادئ إعادة الهيكلة التي تحمي دافعي الضرائب”. خصوصاً بعدما أجهض “التحالف الهجين، بين الطبقة السياسية وجزء من المصارف، كل الحلول العلمية والمنطقية التي قدمت لاعادة هيكلة القطاع، وتحييد صغار المودعين”، من وجهة نظر أفيوني، و”النتيجة لم تكن خسارة للمودعين فحسب، إنما خسارة لبنان لقطاعة المصرفي وصعوبة استعادة الثقة به في ظل هذه المنظومة المتحكمة بالقرارات”.

 

 

كلفة الدعم الباهظة

الخسائر الهائلة التي تلحق بالمودعين نتيجة هروب المصارف من تحمل مسؤولياتها، قابلتها خسارة المواطنين قدرتهم الشرائية بسبب السياسات الفاشلة، وفي مقدمها الدعم. حيث اعتبر البنك الدولي أن دعم الصرف الأجنبي الحالي “تشويهياً ومكلفاً وتراجعياً”. فهو يشكل ضغوطاً كبيرة على ميزان المدفوعات، ويحول من جهة أخرى دون زيادة أسعار هذه المنتجات، مما يزيد ضغوط التضخم، ويحد أكثر من القدرة الشرائية للمواطنين. فـ”الدعم الذي اتبع منذ أيلول العام 2019 يحمي في الظاهر الأمن الغذائي، الصحي والإجتماعي، ويشجع في الباطن الإحتكار والتهريب”، برأي الخبير الإقتصادي الدكتور وليد أبو سليمان، “حيث أن أي سلعة تباع بأقل من سعرها الحقيقي ستهرب إلى الخارج. وهذا تجلى في المنتجات الغذائية المدعومة التي وصلت إلى أصقاع الأرض، وبالمشتقات النفطية التي هربت نسبة كبيرة منها إلى سوريا. وبدلاً من وصول الدعم إلى مستحقيه جرى التفريط بحقوق المودعين، وزاد الإستيراد، واستفاد التجار بنسبة 60 في المئة. كما أن دعم استيراد المواد الغذائية بهذا الشكل ولفترة طويلة أضعف الصناعة المحلية، وقلل من قدرتها على منافسة البضائع المدعومة المستوردة. فكانت نتيجته كارثية على مختلف الأصعدة”.

 

 

رمي 10 مليارات دولار

على الرغم من إنفاق لبنان منذ بداية الأزمة ما لا يقل عن 10 مليارات دولار على الدعم في ظرف سنة و8 أشهر، فقد رجح تقرير البنك الدولي أن يكون أكثر من نصف السكان دون خط الفقر الوطني. وقد أظهرت مسوحات أجراها برنامج الأغذية العالمي في أواخر 2020 أن 41 في المئة من الأسر يصعب عليها الحصول على المواد الغذائية وسد حاجاتها الأساسية الأخرى. كما ارتفعت نسبة الأسر التي تواجه صعوبات في الحصول على الرعاية الصحية من 25 في المئة في شهري تموز وآب 2020، إلى 36 في المئة في تشرين الثاني، أي في غضون 3 أشهر فقط. وسجل معدل البطالة ارتفاعاً هائلاً من 28 في المئة، إلى 40 في المئة في كانون الأول 2020. هذه المعطيات الخطيرة ما هي إلا دليل حسي على “الفشل المقصود في سياسة الدعم”، بحسب أبو سليمان. فـ”الهدف لم يكن حماية المواطنين بقدر ما هو لاستمرار مصالح الكارتلات المغطاة من السياسيين. وإلا لكانوا أوجدوا طرقاً عملية للدعم تحمي الإنتاج الوطني ولا تركز الثروة في يد بعض المستفيدين. ومنها على سبيل المثال استمرار دعم المازوت، ورفعه تدريجياً عن البنزين مقابل تأمين نقل مشترك. فمن غير المنطقي في بلد غير نفطي أن يكون سعر صفيحة البنزين فيه أقل من الدول المنتجة للبترول. إلا ان آذان المسؤولين صمت عن سماع كل الحلول المنطقية التي نادينا بها منذ أكثر من سنة”.

 

 

فرص الإصلاح المعدومة

ما حدث منذ نهاية العام 2019 هو خطة ممنهجة من قبل السلطة لتحميل المواطنين عبء الأزمة وتحييد نفسها وجماعتها. وليس أدل على هذا التحليل إلا ما ذكره البنك الدولي من أن “تولي الحكم من قبل طبقة نخبوية تستخدم ذريعة الطائفية قناعاً لها، يعتبر أحد أبرز القيود الأساسية التي تعيق التنمية في لبنان”.

وعليه، هل من الممكن لهذه الطبقة نفسها، أن تصلح الإقتصاد حتى لو نجحت في تشكيل الحكومة بعد 8 أشهر؟

“بالطبع لا”، يجيب أفيوني، “فبناء على ما نراه من عودة إلى النمط نفسه من المحاصصة وبمشاركة كل القوى التي أوصلت البلد إلى الإنهيار، فان الأمل بأي إصلاح جدي مفقود. فلقد أجهضوا فكرة حكومة الاخصائيين المستقلين. وأعادو طريقة تركيب الحكومة إلى النمط نفسه الذي أوصل البلد إلى الهلاك. ومن الصعب على هذه القوى أن تضحي بمصالحها وتتحمل المحاسبة في سبيل تحقيق النمو والإزدهار الذي تتطلبه عملية الإصلاح. من جهته يعتبر أبو سليمان أن “حكومة المهمة التي كان مطلوباً تأليفها لفترة 6 أشهر قد تخطاها الزمن. والمجتمع الدولي الذي يرى صراع الأحزاب على تقاسم الوزارات أدرك أن الحكومة لن تصلح للإنقاذ. وبالتالي فان الضغوط ستتركز في حال النجاح في التأليف على ان تكون حكومة انتخابات.

في حال أفرزت الإنتخابات النيابية القادمة في 2022 نخباً جديدة ستبدأ عملية الإصلاح، وفي حال تكريسها الواقع الحالي فان البلد سيغرق بعد العام 2022 بكل ما للكلمة من معنى.