Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر January 17, 2025
A A A
إسرائيل تبدأ «معركتها التالية»: كيف يُمنع انبعاث المقاومة؟
الكاتب: يحيى دبوق

كتب يحيى دبوق في “الأخبار”

أنهت إسرائيل، مبدئيًّا، حربها على قطاع غزة، من دون أن تحقّق أهمّ أهدافها: إزالة حكم حركة «حماس» والقضاء على الحركة نفسها؛ إذ لا إشراف أو سيطرة مباشرة إسرائيلية على القطاع بفعل صعوبة ذلك والأثمان المترتبة عليه، كما ليست ثمة جهة ثالثة محلية أو إقليمية أو دولية يمكن أن يوكل إليها الإشراف على تنفيذ الاتفاق والترتيبات السياسية والأمنية المتصلة به، من دون المقاومة. وفيما يتركّز الاهتمام حاليًّا على تقدير المرحلة الثانية من الصفقة، والتي تعترضها عقبات يمكن أن تحول دون تنفيذها، فإن معركة من نوع آخر بدأت فعلياً – وكأنّ الحرب باتت وراء إسرائيل -، عنوانها: منع تعافي حركة «حماس» والفصائل المقاومة الأخرى في غزة.

وتتضمّن المرحلة الأولى من الاتفاق وقفاً لإطلاق النار مدّته 42 يوماً، على أن تبدأ المفاوضات على المرحلة الثانية خلال الأسبوعين الأوَّلين من بدء التنفيذ، علماً أن الهدنة المؤقتة ستصبح دائمة لاحقاً، حين يستكمل الجيش الإسرائيلي انسحابه من المواقع التي يسيطر عليها في القطاع، ويبدأ، أيضاً، وهو الأهمّ، التمهيد لما بعد الانسحاب، وخصوصاً لناحية إعادة إعمار غزة، بإشراف مباشر من مصر وقطر والأمم المتحدة. وستشمل انسحابات إسرائيل المقرَّرة، محور «نتساريم» الفاصل بين شمال القطاع ووسطه وجنوبه، ومحور «فيلادلفي» على الحدود المصرية مع القطاع، والذي تمسّك به رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، وأفشل بحجّته كل اقتراح عُرض عليه لوقف إطلاق النار، معتبراً أن هذا المحور هو «صخرة أمن إسرائيل».

على أي حال، يبدو أن الاتفاق شقّ طريقه إلى التنفيذ، وتحديداً في ما يتّصل بالمرحلة الأولى منه، والتي سيبدأ تنفيذها الفعلي بعد أن تتّخذ إسرائيل قرارها الرسمي عبر آلياتها المؤسساتية في جلسة الحكومة الأسبوعية الأحد المقبل. وإذا ما صودق على الاتفاق، وهو الأرجح، سيبدأ الجانبان تطبيق التزاماتهما؛ وفي حال نجاح المرحلة الأولى من دون عراقيل وتفسيرات خاصة لبنودها تحول دون استكمال تطبيقها، فسيكون تأثير ذلك كبيرًا جدًّا على مفاوضات المرحلة الثانية، وإنْ كان الشكّ لا يزال قائمًا وحائلًا دون ترجيح أيٍّ من سيناريوَي ما سيلي المرحلة الأولى: فشل المفاوضات التي ستتخلّلها، أو نجاحها؟ علماً أن للسيناريوين مسارات وفرضيات لا يمكن حصرها من الآن، وإن كان البعض يرى أن طريق إنهاء الحرب فُتح، ومن الصعب إغلاقه مجدداً.

ترامب محبّ لإسرائيل في حال كانت مصلحته أن يتعاطف معها ومع مصالحها

وبالنسبة إلى تداعيات الاتفاق على الساحة الداخلية الإسرائيلية، فليس ثمة يقين أو تقديرات راجحة. إذ إن حزبَي الصهيونية الدينية، واللذين وصفا الاتفاق بأنه «كارثي» على إسرائيل وعلى أمنها ومستقبلها، وأعلنا معارضتهما الصفقة من داخل الحكومة وخارجها، لم يحسما إلى الآن موقفهما من احتمال الانسحاب من الائتلاف، والتسبُّب تالياً بإسقاط حكومة نتنياهو، وإن لوّح أحدهما، مساء أمس، بهذا الخيار. ويبدو، كما يرى مراقبون في إسرائيل، أن زعيمَي الحزبَين، الوزيرين بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، يجدان صعوبة في التخلّي عن مميزات منصبيهما، والتي يستفيدان منها شخصيًّا، كما الأيديولوجيا الاستيطانية التي يقودانها من خلال الخزينة الإسرائيلية.

على أن البارز في المقاربة الإسرائيلية عبر التقديرات التي يجري تداولها في وسائل الإعلام العبرية لليوم الذي يلي، على رغم كل الصخب الذي يثيره نتنياهو وحاشيته عن «الانتصار»، إقرار ضمني بفشل الحرب في تحقيق أهمّ أهدافها، وخاصة إرساء الترتيب السياسي والأمني البديل من حركة «حماس»، التي تعتبر في تموضع مريح نسبيًّا للعودة إلى السلطات المدنية في القطاع، وربّما لاحقاً البدء بإعادة ترميم نفسها عسكريًّا، وإن بشكل تدريجي. كذلك، فشلت إسرائيل في السيطرة الدائمة على محور «فيلادلفي» أو محور «نتساريم»، الأمر الذي سيمكّن أكثر من مليون فلسطيني من العودة إلى شمال القطاع، لينهوا عبر العودة الخطط التي عملت عليها تل أبيب خلال أشهر الحرب، وأبرزها جعل المنطقة الشمالية خالية من سكانها، ليصار إلى فرض ترتيبات فيها، أمنية أو استيطانية، وفقاً للمتغيرات التي تطرأ على الميدان وعلى الإمكانات السياسية.

يضاف إلى ما تقدّم، أن ثمة «خيبة أمل» كبيرة جدًّا لدى أطراف اليمين الإسرائيلي من الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، الذي أثبت لهم وهْم ما كانوا يعتقدونه مع فوزه بالانتخابات الأميركية. ذلك أن ترامب، وفقاً لما تظهره التطورات الأخيرة في مسار وقف إطلاق النار، محبّ لإسرائيل في حال كانت مصلحته أن يتعاطف معها ومع مصالحها، علماً أنه ينطلق من مصالح أخرى أكثر تعقيداً، ومن بينها مكانته الشخصية التي تفوق في اعتبارها وتأثيرها أيّ اعتبارات أخرى. وعلى هذه الخلفية، تتبدّد الآمال المفرطة والعالية بأن يسمح الرئيس الجديد بأن تنتقل الحرب إلى مرحلة أخرى، يتخلّلها إبعاد الفلسطينيين وترحيلهم و«تطهير» القطاع من سكانه، وإن لا يزال خطر ضم الضفة الغربية إلى الكيان الإسرائيلي قائماً.