Beirut weather 17.41 ° C
تاريخ النشر April 5, 2024
A A A
إسرائيل بين الضغوطات الدولية والحاجة الى التصعيد
الكاتب: الياس مخايل المر - الجمهورية

نعم، هي ارتدادات زلزال السابع من أكتوبر على اسرائيل والمنطقة، وما نتج عنها من مفاعيل سياسية ميدانية وديبلوماسية، لأنّ قبل السابع من أكتوبر لن يكون كما بعده، وبالتالي مسار العلاقات الثنائية والدولية بين الدول كذلك لن يكون كما السابق.

تبدّلت مسارات السياسة الخارجية للكثير من الدول في المنطقة، أبرزها سياسة الولايات المتحدة التي كانت تستعد عشيّة السابع من أكتوبر لتدشين مرحلة الاستقرار والتراجع من المنطقة للتفرّغ الى أمرين استراتيجيين غاية في الأهمية بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، الأمر الأول هو اعادة رسم السياسات الاستراتيجية للتعاطي مع الملفات الدولية الأكثر حماوة على الساحة العالمية، أبرزها المأزق الغربي في الوحول الأوكرانية ومآلات هذا الصراع المفتوح مع المحور الشرقي، ولا تنتهي الاهتمامات بجوانب الصراع المفتوح مع الصين وما يستجدّ من تطورات دراماتيكية خصوصاً على محوري التايوان والفليبين.

 

والهدف الثاني الداخلي هو الاستعداد للتفرّغ لمرحلة الانتخابات الرئاسية الأميركية في ظل انقسام داخلي لم تشهد له الولايات مثيلاً، بدأ مع النزعة اليمينية البيضاء التي تَجلّت في «هجوم الكابيتول» ولا زالت مستمرة الى اليوم وهي في تصاعد كلما اقترب موعد الانتخابات.

 

اذاً، السابع من أوكتوبر بَدّل الموازين وأعاد ترتيب الأولويات، ولكن الثابت الوحيد في المشهد الضبابي هو الرغبة الأميركية الايرانية بالاستمرار في مسار الحلول الذي بدأ قبل السابع من أكتوبر والعمل بجهد وجدية للحفاظ عليه، رغم التحديات الجسام التي تطال هذا المسار وتدفع به باتجاه الانزلاق نحو التصعيد والفوضى وصولاً الى الحرب الشاملة في المنطقة، حرب يبدو أنّ ايران وأميركا المختلفتان على الكثير أو على مجمل الملفات في المنطقة مُتفقتان على عدم التدحرج نحوها لِما لها من آثار مدمّرة على الجميع، فكل من أميركا وايران راكَم عبر السنين مجموعة من الانجازات والمكتسبات التي تسمح لهما بالتغاضي عن كثير من الأثمان المُكلفة للحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار في سبيل الحفاظ على المكتسبات الميدانية، وبالتالي السياسية.

إغتيال القائد الايراني في دمشق يأتي في توقيت مريب سياسياً، بعد أسبوع فقط من زيارة وزير الدفاع الاسرائيلي الى واشنطن ولقائه قيادات أمنية وسياسية رفيعة. ويأتي أيضاً بعد الاجتماع الرفيع عبر الفيديو الذي أعلن عنه بين القيادات الاسرائيلية والأميركية وقيل إنه حول رفح. فما الداعي الى اجتماع الفيديو حول رفح، قُبَيل عودة وزير الدفاع الاسرائيلي من أميركا، ممّا يضع علامات استفهام حول مضمون الاجتماع واذا كان حول عملية الاغتيال وليس كما أعلن عنه أنه يحاكي العملية العسكرية على رفح.

قد تكون رسالة ضوء أخضر أميركي للتحرك ضد ايران في المنطقة، وذلك لرد اتهامات ترامب التي يوجّهها دائماً لبايدن على أن سياسته تقوم بتقوية ايران في المنطقة، وأنه السبب الرئيسي في هجوم السابع من أكتوبر بسبب رفع بعض العقوبات الاقتصادية عن ايران التي سمحت لها بضَخ الأموال والدعم العسكري لحلفائها، ومنهم حماس.

 

خمسة عوامل أساسية تقف وراء اغتيال قائد فيلق القدس في لبنان وسوريا:

أولاً، عمليات التهريب عبر الحدود الأردنية والتي تسبّب بإدخال كميات كبيرة من الأسلحة الى داخل الضفة الغربية، الملف الذي يعتبر الأخطر حتى قبل اندلاع أحداث السابع من أوكتوبر.

 

ثانياً، عمليات المقاومة وخصوصا البعيدة منها من العراق التي تستهدف ايلات، وكذلك عمليات الحوثيين والدعم الايراني الواضح لهم والذي يمكّنهم من الامساك بحركة الملاحة التي تؤثر سلباً على اقتصاد اسرائيل.

 

ثالثاً، يأتي الاغتيال مباشرة بعد تمرير قرار مجلس الأمن الذي فرض وقف اطلاق النار وزيارة اسماعيل هنية الى طهران التي أتت مباشرة بعد قرار مجلس الأمن، في رسالة واضحة من اسرائيل أن معركتنا لم تعد مع حماس بل مع الأصيل الذي يقف وراء حماس، أي مع ايران مباشرة.

رابعاً، وقوع عملية الاغتيال هذه في اليوم الذي تَبع خروج نتنياهو من المستشفى بعد خضوعه لعملية جراحية، في رسالة الى الداخل الاسرائيلي أنه خرج من الوضع الصحي وسيكمل بوتيرة أكبر وأعلى من الضربات كمّاً ونوعاً.

 

خامساً، العلنية والتغطية الاعلامية التي تضع ايران أمام ضغط الرد.

اذاً، اسرائيل تتعمّد الدفع بإيران أو «حزب الله» على الأقل للرد المباشر على هذه العمليات، بالرغم من أنّ اسرائيل الى لحظة كتابة هذا المقال لم تتبنّ رسمياً العملية بل اكتفت بالاعلان عبر مسؤولين رسميين أدلوا بتصاريح لصحف أميركية ومنها «نيويورك تايمز»، مما يضع ايران أمام خيار الرد تحت طائلة التمادي الاسرائيلي وصولاً الى تنفيذ عمليات عسكرية داخل ايران في المرّات القادمة.

 

من الواضح أنّ اسرائيل باتت اليوم أكثر من أي وقت بحاجة الى رد وتصعيد من قبل «حزب الله» لتوسيع العمليات العسكرية على جبهتها الشمالية وذلك لثلاثة أسباب رئيسية:

 

الأول، الوضع الداخلي المعقّد على المستوى السياسي وحتى العسكري في ظل الوقوع أمام عدم إمكانية الدخول الى رفح من جهة وعدم القدرة على التراجع ووقف الحرب من دون تحقيق الأهداف التي لم تتحقّق، ومنها تحرير الأسرى وتدمير حماس بالكامل.

والسبب الثاني والرئيسي هو الوضع في شمال اسرائيل لناحية معضلة النزوح التي لا يمكن أن تعالج وتعود العائلات الى المستوطنات اذا بقي الوضع القائم على ما هو عليه.

 

ويبقى السبب الثالث وهو غياب وتراجع الدعم الدولي عن الحرب في غزة ممّا يجعل اسرائيل بحاجة الى وضعية جديدة وجبهة جديدة تُمدّد لها الوضع الحربي القائم، وتُجدد التغطية الدولية لعملياتها العسكرية تحت عناوين ومسميات جديدة غير تلك التي استهلكت في مجازر غزة.