Beirut weather 14.41 ° C
تاريخ النشر December 31, 2024
A A A
إستحقاق الرئاسة في لبنان بين سندان تجاذبات الداخل ومطرقة الاحتلال!
الكاتب: وسام مصطفى

كتب وسام مصطفى في “سفير الشمال”:

أما وبعد أن حدّد رئيس مجلس النواب نبيه بري التاسع من كانون الثاني / يناير موعداً لانتخاب رئيس للجمهورية فقد بات الجميع في لبنان يحتسب الساعات الفاصلة عن حلول التاريخ العتيد فيما يحصي الطامحون إلى تسنّم الكرسي المنشود أعداد النواب ويوازنون بين ترجيحات الكتل السياسية التي تقودهم إلى الفوز المنتظر.

والمشهد المرتسم حتى الآن يظهر ثلاث فئات رئيسية تشخّص الواقع السياسي الراهن، فئة تعمل على أن يأتي الرئيس بقرار لبناني صرف وباتفاق داخلي بعيدا عن الضغوطات الخارجية، ويعمل وفق أجندة محلية تأخذ بالحسبان مصلحة البلد وتضعها فوق كل اعتبار، وفئة ثانية تعمل وفق الإيعاز الخارجي والترشيحات الآتية من عواصم عربية وأخرى غربية، وتلعب على وتر الاستفادة من التقاطعات بين هذه العواصم لتقدّم نفسها الحصان الرابح الذي يضمن لها تحقيق أهدافها في لبنان أولاً والمنطقة تالياً، أما الفئة الثالثة فما تزال تفضّل الانتظار ريثما تسفر المنازعات والمنازلات السياسية عن بروز اسم توافقي فتحسم خيارها الواضح.

أفرزت بورصة الترشيحات عن أسماء باتت معروفة لدى الرأي العام اللبناني، وأبرزها قائد الجيش جوزف عون الذي تدعمه كل من واشنطن والرياض، واللواء الياس البيسري الذي تسوّق له الدوحة بقوة، ورئيس تيار المرده سليمان فرنجيه الذي يؤكد الثنائي الشيعي تمسكه به كمرشح وحيد، كما تتردّد أسماء أخرى موازية كالمصرفي سمير عساف الذي تدعمه باريس، والعميد جورج خوري والوزير السابق زياد بارود، فيما يترقّب البعض حصول مفاجآت من خارج الأسماء المتداولة يشكّل أرنباً مخفياً يخرجه الرئيس بري من القبعة في اللحظة الأخيرة.

من سالف الذكر أن لبنان – ومنذ الإعلان عنه كدولة في عام 1920 – لم يكن يوماً مستقلاً في قراره واختياره في المجالات والمستويات شتّى، ويسوّغ له ذلك أنه بمثابة التقاء مصالح خارجية وحاملاً موروثات احتلالية تجعله محور اهتمام الجهات المختلفة في كل محطة يجري فيها صياغة نظامه السياسي؛ فهذا البلد الصغير لم يعرف الاستقرار في منظومته الداخلية نتيجة التجاذبات التي تأخذه شرقاً وغرباً بحسب قوة الهيمنة والسيطرة لهذه الجهة أو تلك، وبفعل الولاءات المتعدّدة التي تحكم طوائفه الدينية ومذاهبه السياسية وبفعل ثقافاته المتنوّعة التي ضاعت هويتها بين الانتماء إلى الحضن العربي والتبعية إلى الغرب.

ولا ريب في أن لبنان قد دخل محطة جديدة بعد العدوان الوحشي الإسرائيلي والذي ما يزال مستمراً في جنوب لبنان على الرغم من الإعلان عن وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر الفائت، وما أعقبه من سقوط لنظام الأسد في سوريا على يد الفصائل المسلّحة المدعومة من تركيا، فضلاً عن التحدّي الخطير الذي يمثّله التوغّل الإسرائيلي في الأراضي السورية وانتشار قواته على الحدود الفاصلة بين لبنان وسوريا، ولعلّ بعض القوى السياسية في الداخل يحاول استثمار هذه المعطيات الميدانية لاستعادة أجواء واقع السقوط الذي ساد في لبنان عقب الاجتياح الإسرائيلي في العام 1982، ليرفع سقف مطالبه وشروطه ويفرض رؤيته في شكل النظام اللبناني الجديد وبنيته السياسية، ويسعى إلى استنساخ التجربة التي أتت ببشير الجميل رئيساً.

تقرأ أوساط مراقبة “فوضى التحرّكات” الجارية على الساحة اللبنانية على أنها زوبعة في فنجان التي يريد البعض من خلالها التشويش على الاستحقاق الرئاسي، خصوصاً أن أي طرف سياسي لم يصل حتى الآن إلى حسم قدرته على جمع العدد الكافي من الأصوات التي توصل مرشحه من الدورة الأولى، ولئن عزم الرئيس بري على الاستمرار في عقد الدورات الانتخابية وصولاً إلى انتخاب رئيس، إلا أن هناك خشية من تحوّل عملية الانتخاب إلى بازارات وتجاذبات داخل البرلمان تفقد العملية هيبتها ورونقها السياسي فتأتي برئيس ذي تمثيل ضعيف يكرّس حال الانقسام الداخلي بدل أن يكون جامعاً للأطياف اللبنانية.

وتلفت الأوساط إلى أن الأطراف التي كانت تطالب الرئيس بري بتحديد موعد لجلسة الانتخاب وتتّهمه بتعطيل الاستحقاق الرئاسي هي نفسها اليوم تعمل على تأجيل موعد انعقادها بذرائع متعدّدة، تارةً بحجة عدم التوافق، وتارة بدعوى انتظار استلام دونالد ترامب مقاليد الرئاسة الأمريكية ليُبنى على الشيء مقتضاه!! وهذا يؤكد أن هناك أفرقاء عدّة في لبنان يصرّون على ربط الاستحقاقات الداخلية بالتطوّرات السياسة والمواقف الخارجية.

وفي كل الأحوال، تضيف الأوساط ينبغي على الأطراف جميعها عدم الركون إلى استقرار الوضع الأمني جنوباً أو في الحد الأدنى الركون إلى عدم إقدام العدو الإسرائيلي على تصعيد عدوانه على لبنان، حيث إن مواقف مسؤولي العدو على اختلاف مستوياتهم ومواقعهم السياسية والحكومية تكاد تجمع على أن “هدنة” الستين يوماً ما هي إلا حبرا على ورق، وأن ليس هناك نيّة للانسحاب من قرى جنوب الليطاني بذريعة عدم تركها مجدّداً لحزب الله، وهذا الأمر يطرح تحدّياً خطيراً قد يترك أثره المباشر على الاستحقاق الرئاسي وهوية الرئيس العتيد، وسيجد هذا الرئيس نفسه أمام خيار من اثنين: إما المواجهة أو الخضوع.