Beirut weather 22.43 ° C
تاريخ النشر November 28, 2023
A A A
إدارة بايدن تقوّم أداءها: حان وقت لجم إسرائيل
الكاتب: خضر خروبي - الأخبار

 

انتقل الجناح «المعارض» لاستمرار دعْم واشنطن اللامحدود للعدوان الإسرائيلي على غزة، داخل إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، من «خانة التعبير» إلى «مربّع التأثير»، وإنْ بصورة متدرّجة، بخاصة في أوساط المسؤولين المنحدرين من أصول عربية وإسلامية ممَّن أنشأوا مجموعات دردشة خاصة بهم عبر تطبيقات التراسل، لتنسيق مواقفهم المعارضة للحرب. هذا التحوّل، الذي تسارعت وتيرة اتّساع نطاقه إلى أقسام الإدارة كافة، بعدما انحصرت مفاعيله، خلال الأيام الأولى للحرب، ضمن أروقة وزارة الخارجية، يبدو أنه لعب دوره أخيراً، بعد موجة أخذ وردّ على «خط واشنطن – تل أبيب»، لـ»إقناع» رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، بالموافقة على «الهدنة المؤقتة» في غزة، والتي كانت ضغوط بايدن أحد عوامل التوصّل إليها.وعلى وقع ما بدأ يتكشّف من انعكاسات العدوان على «صورة أميركا الدولية»، يستمرّ مستوى تأييد الرأي العام الأميركي لإدارة بايدن – ولا سيما في أوساط الشباب، ممَّن يشكّلون 40% من القوّة التصويتية في الانتخابات الرئاسية المرتقبة العام المقبل -، بالتهاوي، ملامساً في أحسن الأحوال حدود الـ30%، وفق أحدث استطلاعات الرأي. وفي خضمّ ذلك، يمكن التوقّف عند تصريحات عضو مجلس الشيوخ الأميركي، الديموقراطي كريس مورفي، التي شدّد فيها على أنّ عدد الضحايا المدنيين في غزة «غير مقبول»، داعياً المشرّعين الأميركيين إلى النظر في ربْط المساعدات الأميركية لإسرائيل، بامتثال الأخيرة لـ»القانون الدولي الإنساني». وضمن السياق نفسه، يمكن تفسير ما جاء على لسان مستشار الأمن القومي الأميركي، جايك سوليفان، من أن مسألة إرسال مساعدة مشروطة إلى إسرائيل، «فكرة جديرة بالاهتمام».

كواليس الإدارة: حلبة النقاش تتّسع
وكمؤشر إلى ما دأب مراقبون غربيون على وصفه بـ»تضرُّر المكانة الأخلاقية للولايات المتحدة في أنحاء واسعة من العالم» بفعل محاباتها تل أبيب في حربها على غزة، وهو ما بات يقرّ به مسؤولون أميركيون، كشفت صحيفة «واشنطن بوست» عن طلب نحو 20 من موظّفي البيت الأبيض، مطلع الشهر الجاري، عقْد لقاء مع كبار مساعدي بايدن: رئيس موظفي البيت الأبيض جيف زينتس، وكبيرة المستشارين أنيتا دان، ونائب مستشار الأمن القومي جون فاينر، لمناقشة «ثلاث قضايا رئيسيّة»، في طليعتها الإستراتيجية المعتمدة من قِبَل واشنطن للحدّ من حصيلة الضحايا المرتفعة في صفوف المدنيين الفلسطينيين، إلى جانب البحث في الرسائل التي تنوي (الإدارة) توجيهها إلى القادة الإسرائيليين في هذا الشأن، فضلاً عن تقديم إجابات حول «رؤيتها» الإقليمية لفترة ما بعد انقضاء الحرب. ونقلت الصحيفة عن مصدر أميركي مسؤول، قوله إن مستشاري بايدن أكدوا، خلال الاجتماع، أنه «كان يتعيّن على الإدارة أن تتحاشى توجيه انتقادات علنية إلى إسرائيل، بما يسمح لها بممارسة نفوذها على قادة الأخيرة في الكواليس»، مضيفين أن واشنطن حثّت في الوقت نفسه حكومة نتنياهو على «تقليص» عدد ضحايا الغارات الإسرائيلية من المدنيين، وعمدت إلى الترويج لإحياء مسار «حلّ الدولتين» فور انتهاء الحرب. وحاجَّ هؤلاء بأن «احتضان» بايدن لحكومة نتنياهو، على المستوى السياسي، منذ أحداث السابع من تشرين الأول، سمح للأول بممارسة قدْر معيّن من الضغط على الثاني، بصورة أفضت إلى إقرار» الهدنة» والاتفاق على تبادل الأسرى بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لافتين إلى أن الإدارة تسعى إلى الاستفادة من تلك الهدنة بهدف «حضّ إسرائيل على تنفيذ عمليتها العسكرية المرتقبة في جنوب غزة، حيث يتجمّع نحو مليونَي فلسطيني، بشكل أكثر دقة، وأقلّ فتكاً».
«أمد تلك الحرب لن يستمر حتى موعد احتدام الحملة الرئاسية لعام 2024»

وتابعت الصحيفة الأميركية، بالاستناد إلى مقابلات أجرتها مع 27 مسؤولاً في البيت الأبيض، وكبار الموظفين والمستشارين الأميركيين، أن الإدارة تصرّ على أن نهجها المشار إليه، والذي شمل إيفاد ثلاثة من كبار القادة العسكريين الأميركيين لإجراء محادثات مع نظرائهم الإسرائيليين، نجح في التأثير على التكتيكات العسكرية المتّبعة من قِبَل الجيش الإسرائيلي في القطاع، بما أدّى إلى إقحام ثلث القوات التي كان الأخير ينوي الزجّ بها في المعارك هناك، إضافةً إلى الاتفاق مع تل أبيب على السماح بعبور أكثر من 100 شاحنة من الإمدادات الإغاثية إلى غزة يوميّاً.
في المقابل، يردّ كبير الباحثين في قسم دراسات أفريقيا والشرق الأوسط، في «مجلس العلاقات الخارجية»، ستيفن كوك، على الحجج التي يدفع بها البيت الأبيض، بالقول إنه «لو كنّا (الأميركيون) انتهجنا مقاربةً مختلفة، أكثر دقّة منذ بدء الصراع (في غزة)، لكان يمكن للإدارة أن تنأى بنفسها عن مجرياته بطريقة تجعلها في وضعية أكثر أمناً، من الناحيتَين الدبلوماسية والسياسية»، مشيراً إلى أن سياسة الدعم المطلق لإسرائيل «تتسبّب بالكثير من الأضرار» لواشنطن. وفي الاتجاه نفسه، يرى محلّلون أن فريق السياسة الخارجية الخاص ببايدن، والمدرك لواقع تأثير المنظّمات الداعمة لإسرائيل في السياسة والمجتمع داخل الولايات المتحدة، قد تجاهل عاملاً لا يقلّ أهمية، يتعلّق بالتغيّرات الديموغرافية في البلاد، وتحديداً في عدد من الولايات الأميركية المتأرجحة كميشيغان، التي تتميّز بثقل متنامٍ ملحوظ للأميركيين من أصول عربية وإسلامية، بصورة تدفع بعض وجوه الحزب الديموقراطي إلى إعادة النظر في مدى صحّة ما سمّوه «النهج السياسي التقليدي» المتّبع في واشنطن، والمنحاز تاريخيّاً إلى الكيان الإسرائيلي.

بين نتنياهو وبايدن
أمّا عن العلاقة بين نتنياهو وبايدن، فتكشف مصادر أميركية أن البيت الأبيض يَنظر إلى كل من وزير «الأمن القومي» الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، ووزير المالية، بتسلئيل سموتريش، باعتبارهما شخصيتَين متطرّفتَين «مثيرتَين للقلق والمتاعب (السياسية)»، ملمّحة إلى انزعاج بايدن من «مراعاة نتنياهو طوال الوقت للعواقب السياسية المترتّبة على أيّ أمر (قد يفعله)»، في إشارة إلى خوفه المستمرّ من فقدان دعمهما للائتلاف الحكومي الذي يتزعّمه. وتتوقّف المصادر عند ما سبق أن أعلنه بايدن، في شأن نيّته إصدار قرار حظر على منْح تأشيرات الدخول إلى الولايات المتحدة، بحقّ «المتطرّفين» من المستوطنين الإسرائيليين، على خلفية اعتداءاتهم على المدنيين الفلسطينيين في الضفة الغربية، وذلك للدلالة على تبنّي الرئيس نهجاً «صدامياً على نحو أكبر» تجاه نتنياهو وحلفائه سراً وعلانية، ملمّحة إلى تطلُّع واشنطن إلى حقبة ما بعد نتنياهو، من خلال التشديد على أن الإدارة «تحتاج إلى شخص ما لاتخاذ القرارات الصحيحة». وبحسب المصادر، فإن الخلاف المركزي بين الزعيمَين، لا يتعلّق بوقف إطلاق النار، الذي يعارضه كلاهما، بل بوجود تقدير في واشنطن مفاده أن «إسرائيل لديها معيار غير مقبول للتناسب» في تنفيذ عمليتها العسكرية الرامية إلى القضاء على حركة «حماس»، ولا سيما أنها تعتمد تكتيكات القصف المركّز بالقنابل الشديدة التدمير، وهي تكتيكات تؤدي حتماً إلى مقتل أعداد كبيرة من المدنيين.
وتنطلق تلك المصادر من تأكيد بايدن، في مؤتمر صحافي، أن «الهدنة الإنسانية» كان يجب أن تحدث في وقت مبكر من الصراع الدائر في غزة، وأن تستمر لفترة أطول من المدّة المعلنة، المتّفق عليها، لتدعيم مزاعمها. وفي هذا الصدد، يقول مسؤول أميركي لصحيفة «واشنطن بوست»، إنّ «بايدن عمد، في جلسات خاصة، إلى توجيه انتقادات حادّة إلى نتنياهو على خلفية أعمال عنف قام بها مستوطنون، وما نجم عنها من خسائر في صفوف المدنيين (الفلسطينيين)». وتتخوف المصادر نفسها من أن تكون إسرائيل «ليست في وارد ممارسة ضبط النفس، وهي في طور نقل عمليتها العسكرية إلى جنوب غزة»، موضحةً أنه «كلّما طال أمد الصراع، زاد الضرر السياسي والدبلوماسي اللاحق ببايدن». وفي معرض تعليقها على ما لا ينفكّ يردّده القادة الإسرائيليون في شأن عزمهم خوض حرب لمدّة عام أو أكثر، تعرب المصادر عن تفاؤلها بأن «أمد تلك الحرب لن يستمر حتى موعد احتدام الحملة الرئاسية لعام 2024، بسبب سرعة التوغّل الإسرائيلي، من جهة، ووجود تقييم بأن (الإسرائيليين) لا يملكون الموارد الكافية لمواصلة هذه العملية العسكرية لفترة طويلة، من جهة ثانية»، مؤكدة استمرار الخلافات بين واشنطن وتل أبيب، القائمة منذ اليوم الأول للحرب، على خلفية افتقار الأخيرة إلى «إستراتيجية تحقّق للإسرائيليين ما يريدونه، من دون أن يلحقوا الأذى أو يقتلوا ويهجّروا أعداداً كبيرة من الفلسطينيين».