Beirut weather 26.41 ° C
تاريخ النشر October 6, 2016
A A A
إحصائيات قوى الأمن: انتحار شخص كل 3 أيام في لبنان
الكاتب: سمار الترك - اللواء

الوصمة التي تلحق بالمريض النفسي تعود إلى زمن لم يكن أحد يعرف كيفية عمل الدماغ ولا كيفية معالجته. كل الناس يقومون بإخفاء المريض النفسي وحبسه وإبعاده عن الأنظار، واليوم بتنا نعلم من خلال الأبحاث الطبية والنفسية المتقدّمة أنّه مثلما تسوء حالة الرئتين، القلب، الكبد والكلى.. كذلك هو حال الدماغ. أما علاجات الأمراض النفسية فأصبحت فعّالة ومتعدّدة، لذلك لا يجوز لأحد أنْ يعاني بسبب الوصمة المرتبطة بالمرض النفسي.

انطلاقاً من هذا الواقع، أنشئت شبكة «أمبراس» embrace لدعم ونشر الوعي حول الصحة النفسية في لبنان والشرق الأوسط، بالتعاون الوثيق مع قسم الطب النفسي في المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت.

«الشبكة» أطلقت حملات إعلامية متعدّدة بهدف معالجة موقف المجتمع التمييزي تجاه المرض النفسي وتشجيع انخراط المرضى النفسيين وعائلاتهم في الحوار البناء حول الرعاية الصحية النفسية. وفي هذا الإطار، أطلقت الشبكة مؤخراً حملة «أكيد رح فيق» في مساهمة منها للحد من الانتحار ومساندة العائلات التي فقدت عزيزا نتيجة الانتحار.
د. نحاس
لتسليط الضوء على هذه «الحملة» ومعرفة الواقع والأسباب التي تؤدي إلى الانتحار، التقت «اللواء» برئيس قسم الطب النفسي في المركز الطبي في الجامعة الأميركية ببيروت الدكتور زياد نحاس الذي يترأس بدوره شبكة «أمبراس»، والذي يُعتبر عضوا أساسيا في حملة «أكيد رح فيق»، فكان الحوار الآتي:

«أكيد رح فيق»
{ بداية ماذا تخبرنا عن حملة «أكيد رح فيق»؟
– «نحن نقوم بالحملة للعام الثالث على التوالي، وسنحرص على إقامتها سنوياً، وكنا قد بدأنا بها منذ سنتين، والهدف منها أنْ نقوم بـ «تمشية» تجاه الفجر، حيث نجتمع بالقرب من مقهى «بيت ورد» لجهة الرملة البيضاءلنسير إلى صخرة الروشة. أما هدف هذه اللفتة، فيكمن في تأكيد التضامن مع الأشخاص الذين فقدوا عزيزا من خلال عملية انتحار أو هم بدورهم عانوا من فكرة الانتحار. وانطلاقا من ذلك، أردنا أن نسلط الضوء على مشكلة الانتحار في لبنان ووصمة العار التي لا تزال مع الأسف تحيط بالأمراض النفسية ككل. وقد أقمنا الحملة في شهر أيلول لأن العاشر منه يصادف اليوم العالمي للحماية من الانتحار».

منتحر كل 3 أيام
{ ما الذي دفعكم للقيام بهذه «الحملة»؟، وبالتالي هل هناك تزايد لعدد المنتحرين في لبنان؟
– «بالإجمال هناك شخص ينتحر كل 3 أيام في لبنان. هذه الإحصاءات مبنية بعد مراجعة الملفات التابعة لقوى الأمن الداخلي، ولا سيما أنّ قوى الأمن تُستدعى إثر حدوث حالات وفاة لتسجّل ما إذا كانت الوفاة طبيعية أم حالة انتحار. والملفات التي قمنا بمراجعتها هي منذ العام 2008 لغاية العام 2015، وقد تبيّن في العام 2015 أنّ النسبة أعلى بقليل بحيث كل يومين ونصف اليوم تُسجّل حالة انتحار وليس كل 3 أيام، وبما أنه ليست لدينا إحصاءات للعام 2016 من الصعب القول بأن هناك زيادة في النسبة، لكن خوفنا يبقى لأن وصمة العار قوية جدا من ناحية الانتحار بحد ذاته فهناك تكتم واضح.

لذلك عندما تتم عملية الانتحار بطريقة عنيفة من الصعب التكتم عليها، وقد تبين لنا تحديدا كسائر النسب أنّ كل حالتي انتحار هي ذكر وحالة أنثى، لأنّ الرجال عموما يسعون وراء طرق عنيفة للموت. وتجدر الإشارة، إلى أن لبنان هو الوحيد الذي يختلف عن بقية العالم ويشبه أميركا لأن الأسلحة هي النسبة الأعلى من حيث الوفيات، وكما هو معلوم فأن الأسلحة في لبنان متوافرة مثل أميركا. كذلك، لا بد من أن نشير إلى أن الإحصاءات التي تمثل 3 إلى 100 ألف في لبنان ليست مرتفعة جدا. طبعا نحن بودنا ألا تُسجّل أي حالة انتحار لذلك نقوم بهذه الحملة، ولكن في نفس الوقت لا نريد أن نخيف الناس خصوصا أن الأرقام في البلدان الأخرى أعلى بكثير. ونحن إنْ اعتبرنا أنّ هذا الرقم متحفظ نسبيا نتيجة التكتم على هذه المسائل، فإنْ رفعناه ولو قليلا نصبح نشبه كثيرا البلدان المحيطة بالبحر الأبيض المتوسط مثل البرتغال أو إسبانيا..»، وأيضا، تشير الدراسات العالمية إلى أن كل شخص توفي نتيجة انتحار يؤثر على ستة غيره وهؤلاء الستة بدورهم سيؤثرون على آخرين..».

خط ساخن
{ كيف يتم التنسيق بينكم وبين السلطات المعنية؟
– «هدف الحملة الأساسي أن نتمكن من إيجاد تمويل مادي يمكّننا من أن نطلق أول خط ساخن في لبنان، بالتنسيق مع وزارة الصحة.أما من ناحية قوى الأمن الداخلي فقد كان هناك الكثير من التجاوب، ونحن على متابعة دائمة معهم، وقد قدّمنا لهم لائحة تتضمّن تفاصيل كيفية تسجيل حالة الانتحار من حيث الجنس والعمر، وذلك لنتمكن من فهم الحالة. وأيضا هناك مشروع نحن بصدد القيام به، وقد أجرينا الاتصالات مع قوى الأمن الداخلي لندرب العناصر الجديدة على الحالات النفسية كي يتمكنوا من التعامل معها بأفضل الطرق».

الانتحار والأمراض النفسية
{ ما الأسباب التي تدفع الشخص للانتحار، وهل الظروف التي نعيشها تساهم في هذا الاتجاه؟
– «ما نعرفه أنّ 90% من حالات الانتحار مرتبطة بالأمراض النفسية، وبالتالي من خلال معالجة هذه الأمراض نتفادى العديد من حالات الانتحار. وإذا كانت هناك أمراض نفسية متضاعفة مع حالات إدمان على الكحول وغيرها… فإن إمكانية الانتحار تتضاعف أكثر.طبعا الضغوطات التي نعيشها في لبنان سواء الإضطرابات المادية أو الإجتماعية من الممكن أن تؤثر على مَنْ يعانون من إضطرابات نفسية، وبالتالي المأساة التي تنتج عن هذه الأمراض تتمثّل بالانتحار».

عوارض؟!
{ هل من الممكن أنْ نلاحظ عوارض الانتحار على الشخص؟
– «عندما نلحظ أن هناك شخصاَ ما ينزوي ولا يقوم بأعماله الاعتيادية، ولايتفاعل اجتماعيا ويلمح إلى نظرة متشائمة جدا، هنا بإمكاننا أن ندفع الشخص للمعالجة، وأخذ الإرشادات من المعالج النفسي أو الطبيب العام كي تتوضح الأمور. أما إذا كانت هناك في العائلة سوابق انتحار فهذه المسألة سوف تؤثر جدا على العائلة، وبالتالي الفراغ القائم مع الأسئلة ستؤثّر بشكل سلبي، لكن ليس بالضرورة أن تدفع الجميع نحو الانتحار. وهنا لا بد من أن نلفت إلى نوع من الأمراض النفسية التي تتسبب بها الجينات، فإن كان هناك أحد في العائلة يعاني من أمراض نفسية يجب أن نتنبّه إلى هذه الحالة والأخصائيون يجب أن يتابعوا الحالة بدقة منعا لإمكانية حدوث حالة انتحار. كما يجب أن نتنبّه إلى الشخص في حال حاول الانتحار مسبقا لأنه من الممكن أن يكرّر المحاولة مجددا».

الوعي أكثر انتشاراً
{ كيف وجدتم التجاوب مع حملة «أكيد رح فيق» هذا العام؟
– «صراحة هذا العام شارك العديد من الناس معنا رغم صعوبة الإستيقاظ باكرا (الخامسة والنصف صباحا)، وقد فرحنا بالمشاركة ما يؤكد أن نسبة الوعي لهذه المسألة باتت أكثر انتشارا والرسالة المنشودة باتت تصل. وطبعا، حملة الوقاية من الانتحار هي جزء من مشاريع واسعة لشبكة «أمبراس» التي تسعى بدورها إلى إقامة حملات أخرى تتعلق بالأمراض النفسية بالمطلق».

خط ساخن في 2017
{ كلمة أخيرة؟
– «عندما انطلقت «أمبراس» في 2013، أول حملة كانت تحت عنوان «فكّوا العقدة»، إذ كانت العقدة بالمجتمع وليس بالمريض، الأمر الذي يدعونا إلى التحدث بصراحة عن الأمراض النفسية. ونحن سنكمل في هذا الإتجاه، لكن ما أود أن أشدد عليه هو أننا بحاجة إلى الدعم المادي، فلقد وصلنا إلى نصف الطريق الذي سيمكّننا من توفير هذا الخط الساخن، والذي سيكون أوّل خط ساخن في منطقة الشرق الأوسط للحماية من الانتحار، لكن ما ينقصنا الدعم المادي، ونأمل في العام 2017 أن نتمكن من تأمين هذا الخط».