Beirut weather 21.41 ° C
تاريخ النشر December 24, 2018
A A A
إحتمال عودة سباق التسلح بين الروس والاميركيين… الاسباب والتداعيات
الكاتب: العميد شارل ابي نادر - موقع المرده

خلال اجتماع موسع لوزارة الدفاع الروسية بتاريخ الثامن عشر من شهر كانون الاول الحالي، القى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خطابا مطولا امام قادة وضباط الصف الاول في القوات المسلحة الروسية، يمكن وصفه بالخطاب التاريخي، لما تضمنه من نقاط استراتيجية تتلخص بتعزيز القوات النووية الاستراتيجية، وبدء تشغيل المنظومات الصاروخية المتطورة، ودعم التقنيات الرقمية للجيش وتطوير التعاون مع كل الحلفاء، وذلك من ضمن تَعَهُّد رسمي روسي بالرد في حال انسحاب واشنطن من معاهدة الصواريخ …
فما هي حيثيات القرار الاميركي المحتمل بالانسحاب من معاهدة خفض الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى، والذي ادى بالروس الى التحضير لاتخاذ هذه الاجراءآت الاستثنائية ؟ وماذا يعني ذلك من الناحية العسكرية والاستراتيجية، وهل يمكن إعتبار ذلك بمثابة عودة الى سباق التسلح بين الجبارين ؟
تعود معاهدة خفض الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى لعام 1987 حيث وقِّعَها الاميركون والسوفيات آنذاك، على خلفية ارتفاع مستوى التوتر بين الفريقين وحلفائهما خلال الحرب الباردة، والتي نتجت عن سباق تسلح غير طبيعي، امتلك من خلاله الكثير من اللاعبين الدوليين وعلى رأسهم القطبين الكبيرين، ترسانة ضخمة من الصواريخ الباليستية، التكتية والاستراتيجية، والقادرة على حمل القنابل النووية واسلحة الدمار الشامل، وقد نصت المعاهدة على منع ووقف تصنيع وتطوير جميع الصواريخ التي يتراوح مداها بين 500 كلم ادنى و5500 كلم حد اقصى ، وقد تحددت هذه المسافات استنادا لفكرة إبعاد الخطر والدمار عن اوروبا بشكل عام، والتي كانت مسرحا للمواجهة الباردة وللاشتباك الاستراتيجي الخطر بين تلك الاقطاب.
مع الوقت، وبعد ان سلكت تلك المعاهدة نحو التطبيق، والتزمت بها الاطراف الموقعة عليها، حافظت تلك الدول على نمطٍ آخر من التسلح، يتضمن تصنيع وتطوير وامتلاك القدرات الاستراتيجية والنووية البعيدة المدى والعابرة للقارات، وقد نشأ عن هذا السباق ايضا توترا حساساً، على خلفية الخطر القاتل والمدمر بشكل اكيد للجميع بسبب تلك القدرات، وايضا مرة اخرى لجأ المتنافسون الى النقاش حول ذلك وتوصل الروس والاميركيون عام 1991 الى توقيع معاهدة سارت 1 لخفض الرؤوس النووية، ولاحقا وقَّعوا عام 2010 معاهدة سارت الجديدة والقاضية بالزام الاطراف ” النووية ” على تخفيض متدرج للقدرات والصواريخ والرؤوس النووية ليصل خلال 10 سنوات الى 30 % حد اقصى من قدرة كل طرف عند توقيع المعاهدة.
صحيح ان الاطراف الاساسية التزمت بجميع هذه المعاهدات، تقريبا، ولكن بقيت المواجهة الباردة بين قطبي العالم تتطور وتتوتر يوما بعد يوم، على خلفية ملفات المنافسة الاستراتيجية، المتعلقة بالمنافسة وببسط النفوذ ما وراء البحار وبالسيطرة العسكرية والاقتصادية والسياسية، ولم يجد كل من الطرفين الاّ العودة للسباق ” الام ” والذي يتعلق بالتسلح وبامتلاك القدرات الرادعة والمؤثرة، ولكن من خلال تغيير المناورة التقليدية المعتمدة تاريخيا في سباق التسلح، وذلك عبر تجاوز مفاعيل تلك المعاهدات من دون اختراقها، فكانت مناورة الانتشار المتقارب على اراض ونقاط حساسة تؤثر على الطرف الاخر، وكانت مناورة تصنيع وتطوير قدرات ومنظومات صاروخية، تحترم في الشكل وفي الظاهر بنود المعاهدات المذكورة اعلاه، ولكن عمليا وفعليا، تتجاوز هذه القدرات بمفاعيلها العسكرية بنود تلك المعاهدات، و منها على سبيل المثال لا الحصر :

  • نشر الاميركيين منظومة ” إيجيس ” المضادة للصواريخ غرب روسيا في بولونيا ورومانيا، وشرق روسيا في المحيط الهادي بين اليابان وكوريا الجنوبية، وهذه المنظومة والتي هي دفاعية ضد الصواريخ الهجومية بالمبدأ، تملك الامكانية التقنية لان تتحول وبطريقة تلقائية الى منظومة هجومية، قادرة على استهداف اكثر من عشرين هدف هجومي ودفاعي في نفس الوقت، مع قدرة فعالة على تجاوز المنظومات الصاروخية الدفاعية المتطورة مثل اس 300 واس 400 .
  • بالمقابل، نشر الروس منظومة صواريخ تكتية متطورة نوع ( اس اس سي 8 ) في عدة نقاط من غرب روسيا بمواجهة اوكرانيا، وتم نشرها ايضا في شبه جزيرة القرم وفي مقاطعة كالينينغراد التابعة للاتحاد الروسي على بحر البلطيق، ومن مميزات هذه المنظومة بالاضافة لكونها تكتية ، فهي قادرة على حمل رؤس نووية، لتصبح بذلك إستراتيجية، و صحيح ان مداها لا يتجاوز ال 500 كلم كما تقضي معاهدة الصواريخ القصيرة المدى، ولكنها قادرة على العمل بشكل خفي بالكامل ومن امكنة بسيطة لا تثير الانتباه او الاهتمام، وممكن نقلها بسهولة وبشكل سري والمناورة بها واطلاقها من طائرات او من سفن تجارية او من اليات نقل لوجستية، فتزيد بذلك من فعاليتها وتصبح اشد تاثيراً عند اي اشتباك استراتيجي، مع قدرة شبه اكيدة على عزل وتدمير اغلب المنظومات الصاروخية الدفاعية المعادية، والمنتشرة في قطاع عملها.
    وهكذا بعد أن جاء الرد الاميركي بالتهديد بالانسحاب من معاهدة الصواريخ القصيرة والمتوسطة، والذي كان على خلفية تصنيع ونشر الروس للمنظومة الصاروخية ( اس اس سي 8 )، والتي بدورها صنَّعها الروس ونشروها للرد على المنظومة الصاروخية الاميركية ” ايجيس ” ، أنطلقت صافرة بداية سباق تسلح خطر وحساس بين القطبين، توَّجَه مؤخراً الرئيس الروسي، وفي خطابه الاخير بالتهديد برد صاعق عنوانه : تفعيل الثالوث النووي الروسي ” ، اي تعزيز القدرات النووية الروسية عبر :
    1- القاذفات الاستراتيجية الحاملة للرؤوس النووية ، 2 – الصواريخ الحاملة للرؤوس النووية والعابرة للقارات ، 3 – الغواصات النووية الاستراتيجية .