Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر January 23, 2017
A A A
أي رسالة يريدها الارهاب من خلال عملية الحمراء الفاشلة؟
الكاتب: ابراهيم بيرم - النهار

لم يكن مفاجئا للعديد من المتابعين ان ينتهي الاسبوع المنصرم على “مفاجأة” امنية من النوع الثقيل الذي شهده شارع الحمراء الاكثر حيوية في قلب العاصمة مساء السبت حيث نجا بأعجوبة من عملية انتحارية ارهابية بطلها المزوّد حزاماً ناسفاً لبناني من صيدا يدعى عمر حسن العاصي، أفادت معلومات اولية انه ينتمي الى جماعة الموقوف الشيخ احمد الاسير، ثم سرت لاحقا معلومات رجحت امكان انتمائه الى تنظيم “داعش” وانه يعمل بوحي من اوامر هذا التنظيم الارهابي.
فالاجهزة الامنية المعنية من رسمية وغير رسمية كانت منذ بداية الاسبوع المنصرم تتحرك بوحي من معلومات تحذيرية فحواها ان الارهاب اعد العدة للظهور في الساحة اللبنانية عبر عملية ارهابية نوعية تهز الوضع اللبناني برمته، وذلك بناء على دوافع شتى محتملة منها ان هذا الارهاب بدأ يعاني في الآونة الاخيرة اوضاعا صعبة في ميادين عدة ويريد ان يشتت الانظار من جهة، وان يسلط الاضواء مجددا على وجوده وقوة فعله في الساحة اللبنانية كساحة رفد وتنفس وتنفيس وصندوق بريد لبعث الرسائل الى جهات وعناوين شتى من جهة اخرى، وفق ما اعتاد عقل هذا الارهاب في التعامل مع الساحة اللبنانية طوال الاعوام التي اعقبت اشتعال فتيل الاحداث في الساحة السورية.
وبناء على هذه المعلومات التي حرص المعنيون على ابقائها طي الكتمان، سارعت الاجهزة المعنية، ولاسيما منها الجيش، الى اتخاذ حزمة تدابير احترازية منها رفع درجة الاستعداد في العديد من المناطق التي تكون عادة في دائرة الخطر وخصوصا في البقاع وعكار وطرابلس والضاحية الجنوبية. ومن هذه الاجراءات نشر حواجز جديدة وإحداث نقاط مراقبة عند معابر حدودية غير شرعية بين لبنان وسوريا.
وتحت وطأة هذه المخاوف والمعلومات، عاشت على سبيل المثال مدينة النبطية ومحيطها ليل الاربعاء – الخميس الماضي حالا شديدة من الحذر والترقب والاستنفار اثر انتشار معلومات عبر مصادر شتى، منها وسائل التواصل الاجتماعي، عن مجموعة ارهابية مؤلفة من ثلاثة ارهابيين انتحاريين يستقلون سيارة رباعية الدفع في طريقها الى المدينة لتنفيذ عملية تفجير في منطقة مكتظة، وتحديداً في سوق النبطية. وعلى الفور بادرت وحدات الجيش الى اتخاذ تدابير مشددة على كل مداخل المدينة ومخارجها ونشرت حواجز تفتيش ومراقبة جديدة معززة.
وعلى رغم انه تبين لاحقا ان تلك المعلومات غير دقيقة وانها ربما بُثّت بقصد احداث موجة بلبلة واضطراب، الا ان الاجهزة المعنية لم يكن بمقدورها التعامل بلامبالاة وقلة اكتراث معها، خصوصا ان المناخات الامنية لدى هذه الاجهزة كانت كلها تحض على الحذر وتدعو الى التنبه واليقظة.
وحيال المفاجأة الامنية التي حصلت ليل السبت في احد ابرز شوارع العاصمة، والتي كانت تستهدف بتفجير انتحاري احد ابرز مقاهيه (الكوستا الذي يحتل مكان مقهى الهورس شو ذي الشهرة الكبيرة منذ ستينات القرن الماضي الى اواخر سبعيناته)، أُثيرت جملة تساؤلات عن الابعاد والاهداف العاجلة لهذا الحدث الخطير من جهة وتلك التي يمكن ان تكون آجلة.
وبصرف النظر عن حقيقة الجهة التي يرتبط بها الارهابي الموقوف، فالامر جلل وبالغ الخطورة، اذ ان ظهور الارهاب في شارع مثل شارع الحمراء في قلب العاصمة ينطوي على دلائل وابعاد عدة، في مقدمها ان عقل الارهاب يخطط لتوجهات جديدة تختلف عن كل توجهاته السابقة. فالشارع المستهدف لا يقع ضمن منطقة تحسب بالعادة على جهة معينة كما هو شأن الضاحية الجنوبية التي اعتاد الارهاب الضرب فيها. وهذا يعني بشكل او بآخر ان الجهة التي دفعت الارهابي الى اختيارشارع الحمراء بالضبط ليضرب فيه الضربة الموجعة انما تريد تحقيق اهداف غير معتادة وتبدأ عهدا جديدا في عملها في الساحة اللبنانية من خلال:
– تبديد اجواء الاستقرار والتوازن والارتياح التي عاشتها البلاد في الاشهر الثلاثة الماضية في اعقاب انتخاب رئيس جديد وتأليف حكومة تمثل غالبية مكونات المشهد السياسي وعودة الروح الى العمل التشريعي، وبالتالي اعادة البلاد الى اجواء السخونة والقلق التي ارخت بثقلها على صدر لبنان واللبنانيين.
– ليس المقصود من الضربة التي لم تكتمل بفعل سهر الاجهزة جهة بعينها او تنظيما بذاته تحت الذريعة المعتادة (المشاركة في الميدان السوري)، بل يتضح ان هدف الارهاب هذه المرة كل لبنان وكل الدولة اللبنانية حاضرا ومستقبلا.
– ان الارهاب يبعث برسالة يعلن فيها انه في طور الانتقال الى مرحلة جديدة سواء في الداخل اللبناني او في الاقليم عموما، خصوصا بعد ضرباته الموجعة التي استهدفت في الايام القليلة الماضية الاردن ثم السعودية، وهذا مضمونه ان الآتي ربما كان اعظم.
وفي كل الاحوال، تنطوي عملية شارع الحمراء التي قيًض لها الا تكتمل فصولا فنجا الشارع ولبنان من كارثة، على رسالة تحد كبيرة للدولة ومؤسساتها واجهزتها. فهل ان بيروت التي دخلت للتو في تجربة شراكة سياسية جديدة تجمع كل مكوناتها الاساسية بلا استثناء، جاهزة للرد بجدارة وكفاءة على رسالة التحدي الكبيرة؟
لا يمكن أحداً ان ينكر ان الاجهزة الامنية، وخصوصا مخابرات الجيش، نجحت في الاعوام الاربعة الماضية وبجهود احترافية، في توجيه ضربات موجعة للارهاب تجسدت في القضاء على عشرات الشبكات والخلايا والقبض على رؤوس كبيرة لهذا الارهاب وشل حركته. ولكن على رغم اهمية ذلك وبلاغته، لايمكن الا القول اننا ما زلنا في بداية الطريق والتحدي.