Beirut weather 15.77 ° C
تاريخ النشر December 17, 2025
A A A
أيّ «سلام» مع «إسرائيل»؟
الكاتب: نور نعمة

كتبت نور نعمة في “الديار”

يتكلمون كثيراً في الآونة الاخيرة عن السلام مع «اسرائيل» وتطبيق «اتفاقيات ابراهام» بين البلدان العربية، التي لم تطبع مع الكيان العبري، على غرار دول عربية قامت بذلك. ومن بين هذه الاتجاهات، البعض يروج لفكرة السلام بين لبنان و«اسرائيل»، على قاعدة انه مفتاح الحل لكل ازمات لبنان، وفي حال حصل السلام سينعم لبنان بالاستقرار والهدوء والازدهار، وسيشهد اللبنانيون اياما جميلة، وستتوقف هجرة الشباب اللبناني الى الخارج، لان لبنان سيكون دخل عصره الذهبي.

يا لسذاجة عقول هؤلاء، الذين يعتبرون ان «اسرائيل» فعلا تريد السلام مع لبنان، او مع اي دولة عربية، حيث ان المفكر والفيلسوف الاميركي اليهودي نعوم تشومسكي قال مرارا وتكرارا ان «اسرائيل» غالباً ما تتعامل مع اتفاقيات السلام كوسائل مؤقتة، دون التزام فعلي بتنفيذها على الأرض.

ان السلام لم ولن يكون يوماً مطروحا في ادبيات الكيان العبري، لان السلام يمنع قيام مشروع «اسرائيل الكبرى»، الذي يتضح بشكل جلي ان الدولة العبرية تمضي قدما في توسعها لتحقيق هذا المشروع، وتحديداً في ايامنا هذه.

قصارى القول الى جانب احتلال «اسرائيل» للجولان السوري، توسع جيشها الى جبل الشيخ بعد سقوط نظام الاسد في سوريا، لتقضم المزيد من الاراضي العربية. وفي لبنان، وبعد اتفاق وقف الاعمال العدائية، توغل الجيش «الاسرائيلي» في جنوب لبنان متمركزا في اكثر من خمسة مواقع داخل الاراضي اللبنانية، ناهيك عن تدميره الممنهج للقرى الجنوبية. وفي حين ينفذ الجيش اللبناني انتشاره في الجنوب، وحدها «اسرائيل» من تعرقل انتشاره، كما تضرب اتفاق وقف اطلاق النار بعرض الحائط، بمواصلة تنفيذ اغتيالات لعناصر من حزب الله، ومن ثم تلعب دور الضحية وبانها المعتدى عليها، في حين ان «تل ابيب» هي التي تخرق سيادة لبنان وتعتدي على ارضه وشعبه.

والتجارب القديمة والجديدة تظهر ان «اسرائيل» لا تعير اهتماما للسلام او التطبيع، واحدث دليل على ذلك هو كيفية تعامل الكيان العبري مع سوريا، التي اصبحت برئاسة احمد الشرع. فالاخير لم ينفذ هجوما على «اسرائيل»، ولا يملك حتى القدرة لمواجهة «الجيش الاسرائيلي»، بما ان هذا «الجيش» دمر كل العتاد العسكري للجيش السوري، فضلا ان سوريا في حالة يرثى لها ، وتحتاج لكثير من الوقت لتنهض من جديد.

اضف الى ذلك، ان الرئيس السوري احمد الشرع لم يلق خطابا واحدا يهدد فيه «اسرائيل» او يعتبرها عدوا، ورغم ذلك نرى ان الطيران الحربي الاسرائيلي اغار على مسافة قريبة من «قصر الشعب»، كما يواصل تنفيذ اعتداءاته في ريف دمشق وحلب وحمص والسويداء ومناطق سورية اخرى. وكل هذه الاعتداءات على سوريا ان دلت على شيء فهي ان «اسرائيل» غير مكترثة للسلام مع دمشق، بل تقوم بكل ما يصب في تعزيز نفوذها في الدول المجاورة خصوصا، وفي المنطقة عموماً.

اما اذا تكلمنا عن الدول العربية التي ابرمت «اتفاقات ابراهام» مع «اسرائيل»، نتساءل هل فعلا تنظر «تل ابيب» الى هذه الدول بعدل ومساواة؟ وبمعنى آخر، لا تقبل «اسرائيل» وبشكل علني ان تشتري هذه الدول العربية سلاحا وطيرانا حربيا متطورا من الولايات المتحدة، يتساوى مع معداتها العسكرية التي تتلقاها من واشنطن حليفتها. لا يرضى الكيان العبري ان تضاهيه اي دولة عربية في القدرة العسكرية، وان كانت هذه الدول على علاقات جيدة معه من خلال اتفاقيات التطبيع او السلام.

وعن مصر، الدولة التي وقعت اتفاق سلام مع «اسرائيل»، وخرجت من المعادلة في مواجهة الاحتلال، لا تزال «تل ابيب» حتى اليوم تخرق سيادة مصر ،حيث ان الاستخبارات المصرية كشفت في الماضي القريب نشاطا «للموساد» في قلب مصر وتجنيده عملاء ، بهدف التجسس على الدولة المصرية. فهل فعلا «اسرائيل» تحترم اتفاقيات السلام او التطبيع مع الدول العربية؟

ان كل من يعتبر ان السلام مع «اسرائيل» امر ايجابي فهو مخطىء في فهمه لاهداف هذا الكيان في منطقتنا، وبالتالي كل من يروج للسلام او التطبيع مع «اسرائيل» «كمن يجلب الدب الى كرمه»، او بالاحرى الوحش الى بلده.