Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر August 19, 2024
A A A
أيّ تأثير للحرب الكبرى في اقتصاد لبنان والمنطقة؟
الكاتب: يمنى المقداد

كتبت يمنى المقداد في “الديار”:

شرّع ما سمّي بـ “حراك تشرين” في العام 2019 ، الباب على مصراعيه أمام الانهيار الاقتصادي الأكبر في تاريخ لبنان. ومنذ ذلك الحين والاقتصاد في تهاوٍ مستمر، حتى خسرت الليرة نحو 95% من قيمتها، وأصبح سعر صرف الدولار بين 89 و90 ألف ليرة، بعد أن كان كلّ دولار يساوي 1500 ليرة، واحتجزت المصارف أموال المودعين، وسُحق ما يسمى بـ “الطبقة الوسطى”، وتضخّمت نسبة المعدمين فقرا.

ورغم القراءة المتفائلة لبعض خبراء الاقتصاد، والقائلة انّ اقتصاد لبنان يمكن أن يتعافى سريعا لأنّه بلد صغير، لم تشهد الساحة الاقتصادية أيّ محاولة إنقاذية جديّة تسمح له باسترداد عافيته، ويرجّح سبب ذلك غياب القرار السياسي بفضح الفاسدين ومحاسبتهم، فبقي الحال الاقتصادي هشا على حاله.

ومنذ ذلك العام المشؤوم، لم يستعد اقتصاد لبنان عافيته بعد، فالإصلاحات شبه معدومة، والاعتماد لتأمين بعض الإيرادات لخزينة الدولة اقتصر على جيوب الناس فقط، من خلال فرض رسوم وضرائب من دون خطط كاملة للنهوض بالقطاعات التي تفرضها.

إلى ذلك، دخلت منطقة الشرق الاوسط منذ طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر في حرب استنزاف، وهذا الواقع الأمني الجديد مهدّد بالانفجار على شكل حرب كبرى في المنطقة كلّها، ما قد يزلزل ما تبقى من مقوّمات الاقتصاد اللبناني، بخاصة أنّه اقتصاد ريعي خدماتي ينهار مع أيّ خضّة سياسيّة أو أمنية.

يشار هنا، إلى أنّ العدوان الصهيوني اليومي على جنوب لبنان، تسبّب بخسائر اقتصادية عديدة، إن كان من خلال حركة النزوح الكثيفة، أو تدمير البيوت وجزء من البنى التحتيّة، أو إلحاق الضرر بالأراضي الزراعية والحرجية، وتأثيره في النشاط السياحي في الجنوب وعموم لبنان. وقدّرت الخسائر بملايين الدولارات، وكل ذلك خلخل أعمدة الاقتصاد المتهالك أصلا، ما يستدعي السؤال: أيّ اقتصاد للبنان اليوم؟

عكّوش: التأثير “كارثي”

قال الخبير الاقتصادي الدكتور عماد عكّوش لـ”الديار” انّ الوضع الاقتصادي الحالي في لبنان، يعتبر واحدا من أسوأ الأزمات في تاريخ البلاد، وتشمل هذه الازمة: تضخمًا حادا، انهيار قيمة العملة الوطنية، ارتفاع معدّلات البطالة، تراجعا كبيرا في الخدمات العامة، وقطاعا مصرفيا منهارا.

وماذا سيحلّ باقتصاد لبنان لو حصل عدوان واسع تجاوز حدود جنوبه، وأشعل الحرب الكبرى في الشرق الأوسط؟ لفت عكّوش إلى أنّه سيكون لأيّ اعتداء على لبنان تداعيات كبيرة ومؤثّرة، ويمكن أن تكون مدمّرة في حال لم يتم الوقوف إلى جانبه في إعادة الاعمار، ويمكن أن تشمل: تدمير ما تبقى من البنية التحتية مما سيؤدّي إلى توقف الخدمات الأساسيّة وتعطيل الأنشطة الإقتصادي، زيادة نسب البطالة والفقر نتيجة تدمير الشركات والمؤسسات والبنية التحتية، ارتفاع أرقام الدين العام في حال استطاع لبنان ان يجد من يُقرضه بسبب الحاجة الى تمويل إعادة الإعمار، تراجع الاستثمارات الأجنبية حيث سيصبح البلد غير مستقر وغير آمن للاستثمار، نزوح السكان مما سيزيد من الضغوط الاجتماعية والاقتصادية .

ماذا عن الآثار الاقتصادية للحرب الإقليمية؟

كما بات معلوما، فإنّ احتمال تمدّد العدوان أو الحرب ليشمل المنطقة كلّها أمر وارد، ما يعني أضرارا اقتصادية إقليمية كذلك، وبرأي عكّوش سيكون التأثير في المنطقة، “كارثيا” لأسباب متعدّدة تشمل: تعطيل التجارة الإقليمية مما سيؤثر في الصادرات والواردات، ارتفاع أسعار الطاقة نظراً للاحداث الجيوسياسية التي ستحصل ويمكن أن تؤثّر في حركة العبور في مضائق وقنوات المنطقة، تدهور السياحة نظراً لاعتبار المنطقة غير آمنة للسياح ، زيادة الفقر والبطالة نتيجة للاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية.

لكن هل نشوب الحرب الكبرى سيقضي على أي أمل بتعافي اقتصاد لبنان؟ يجيب جازماً بأنّ اندلاع الحرب الكبرى في المنطقة، سيكون لها تداعياتها على التعافي الاقتصادي في لبنان، الذي ستكون فرصه ضعيفة جدًا وأصعب، والأسباب كثيرة منها أنّ الحرب ستؤدّي إلى تدمير ما تبقى من البنية التحتية وتفاقم الأزمات الاقتصادية، مما سيجعل من الصعب جدا على لبنان أن يتعافى في المدى القريب أو المتوسط.

أما بخصوص ما يمكن فعله من إجراءات لتجنّب الكارثة الاقتصادية، نصح باتّخاذ عدّة إجراءات لتجنّب هذه الكارثة أبرزها: محاولة الحصول على دعم مالي وإنساني، إصلاحات اقتصادية جذرية تشمل محاربة الفساد وتحسين إدارة المواد، تشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي من خلال تحسين البيئة الاستثمارية، تطوير البنية التحتية لتعزيز قدرة الاقتصاد على التعافي والنمو، وأخيرا تقديم دعم اجتماعي للفئات الأكثر ضعفا لتخفيف حدّة الأزمات الاقتصادية على المجتمع.

خلاصة القول… في زمن السلم كما يقال، هرب السياسيون من الإصلاح بقرارات ومراسيم ترقيعية مؤقتة في معظم المرافق العامة، لضمان تسييرها من دون إصلاح أو أقلّه أفق واضح أو تحسين خدمات أو استمرارية، فكيف بهم في زمن الحرب؟ ربّما سيكون هروبهم حينئذ بلا عودة، وليس فقط بلا إصلاح، وسيترك اللبناني يواجه مصيره وحده، كما حاله اليوم!