Beirut weather 20.41 ° C
تاريخ النشر July 23, 2023
A A A
أوساط ديبلوماسيّة: لا يُمكن للإتحاد الأوروبي تجاهل دعوة لبنان الى الحوار بشأن النازحين السوريين!
الكاتب: دوللي بشعلاني - الديار

 

تحركت الديبلوماسية اللبنانية منذ أيّام تجاه قرار البرلمان الأوروبي الذي صدر بتاريخ 12 تمّوز الجاري الذي تناول فيه اقتراح إبقاء النازحين السوريين في لبنان. فقد وجّه وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بوحبيب رسالة الى نائب رئيس المفوضية الأوروبية، مفوّض الشؤون الخارجية وسياسة الأمن جوزيب بوريل، شجب خلالها القرار المذكور. وأكّد في رسالته على ضرورة إطلاق حوار بنّاء شامل بين لبنان والإتحاد الأوروبي حول الملفّات كافة ولا سيما ملف النزوح السوري، الذي بدأ يُشكّل تهديداً ليس فقط على التركيبة الإجتماعية اللبنانية والإستقرار الإقتصادي بل أيضاً على استمرار وجود لبنان ككيان.. فهل يُوافق الإتحاد الأوروبي على مقترح لبنان حول إطلاق الحوار لمناقشة ملف النزوح السوري في لبنان؟!

تقول أوساط ديبلوماسية عليمة بأنّ الإتحاد الأوروبي يعلم بأنّه لا يُمكنه فرض أي شيء على لبنان، من خلال الإقتراحات التي يُقدّمها مع المجتمع الدولي منذ سنوات بخصوص «دمج» أو «إبقاء»، ما يعني «توطين» النازحين السوريين في لبنان من دون بحث الأمر مع الدولة المعنية. ولأنّ الدستور اللبناني ينصّ في مقدّمته على «رفض التوطين»، إذ يقول حرفياً «لا للتقسيم، لا للتجزئة، لا للتوطين»، وليس بالتالي «بلد لجوء»، فلا يُمكن حلّ أزمة النزوح السوري على حساب لبنان الذي يعيش أزمة مالية وإقتصادية ومعيشية غير مسبوقة.

 

 

فقرار البرلمان الأوروبي، على ما ذكرت لجنة الشؤون الخارجية والمغتربين، جاء مخالفاً لمقدمة الدستور اللبناني الذي لم يسمح بالتوطين بأي شكل من الأشكال. كما للقانون الدولي إذ لم يلتزم باتفاقية اللاجئين المقرّة في جنيف في 28 تمّوز من العام 1951، وبروتوكولها الخاص الصادر في 31 كانون الثاني 1967 اللذين يفرضان، بحسب الآلية المطبّقة من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، موافقة الدول المعنية على أي إجراء من هذا النوع. وقد حدّدت الإتفاقية في مادتها الأولى معنى «اللاجىء» وميزته والذي يختلف عن غيره من النازحين والمهاجرين، وتنصّ بالتالي على العودة الطوعية. وهذا ما يُطالب به لبنان منذ سنوات لمصلحة اللبنانيين والسوريين معاً.

أمّا الحوار الذي دعا اليه بوحبيب مع دول الإتحاد الأوروبي، فيهدف، على ما أوضحت، الى وضع «خارطة طريق» لعودة النازحين الآمنة والكريمة الى بلادهم، سيما وأنّ الدول المانحة والمنظمات الدولية التي تدفع المساعدات لإبقائهم في لبنان، يُمكنها أن تدفع لهم مبالغ أقلّ بعد عودتهم الى مناطقهم التي بات أكثر من 90 % منها مستقرّاً وآمناً. كذلك فإنّ أكثرية النازحين السوريين الموجودين حالياً في لبنان، ليسوا ضد النظام، بل على العكس يؤيّدونه، والدليل ذهابهم وإيابهم بمئات الآلاف خلال فترة الأعياد الى سوريا، وعودتهم منها. فضلاً عن تهافتهم على الإنتخابات الرئاسية وتأييدهم للرئيس بشّار الأسد. وهذا الأمر من شأنه تسهيل عودة أكبر عدد منهم الى بلادهم، إذ لا شيء يحول دون هذه العودة سوى نقص الموارد المالية التي تستطيع الدول المانحة تأمينها لهم، إذا لم تكن تريد «تسييس هذا الملف».

وأكّدت الأوساط نفسها بأنّه لا يُمكن للإتحاد الأوروبي تجاهل رسالة وزارة الخارجية اللبنانية، وعدم اتخاذ أي قرار بشأن الدعوة الى إطلاق حوار بنّاء وشامل حول النزوح السوري في لبنان، سيما وأنّه لا يتعامل مع كلّ من الأردن وتركيا اللتين تستضيفان النازحين السوريين على أراضيهما أيضاً، بالطريقة نفسها. فالإتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي يؤجّلان الموافقة على إعادة النازحين السوريين الى بلادهم، بحجّة إيجاد الحلّ السياسي للأزمة السورية. واليوم مع عودة الإنفتاح العربي الخليجي على سوريا مجدّداً، والتطبيع معها، لا بدّ من أن يأتي الحلّ موحّداً لأزمة النزوح السوري في دول الجوار، لا أن يكون على حساب لبنان الذي يدفع الأثمان غالباً.

ولأنّ قرار البرلمان الأوروبي نصّ على «ضرورة أن يعمل المجتمع الدولي على معالجة أسباب النزوح وتسريع التعافي المبكر بما فيه تأمين البنى التحتية والخدمات الأساسية في سوريا من أجل تسهيل العودة»، فإنّ لبنان يُشجّع على هذا الأمر ومستعدّ للتعاون على قدر الإمكانات لا سيما البشرية منها التي لا يزال يمتلكها، ويتمسّك بحقوقه ومسؤولياته في تسهيل العودة الآمنة والكريمة للنازحين السوريين الى بلادهم، بما يتماشى مع مبادىء القانون الدولي التي يقوم بتطبيقها.

وبرأي الأوساط عينها، أنّ الدعوة الى حوار لبناني- أوروبي شامل يشمل المجالات كافة، وتحديداً قضية النازحين الحسّاسة، لا يتعارض مع المساعي التي يقوم بها الوفد اللبناني الرسمي في سوريا من أجل تأمين العودة الآمنة للنازحين السوريين الى ديارهم.

وترى بأنّ فكرة تشكيل بعثة إستشارية إدارية شاملة تابعة للإتحاد الأوروبي للبحث في الحاجات الطارئة للقطاع العام اللبناني وتوفير الخدمات الأساسية، على ما ورد في القرار الأوروبي، هي فكرة جيّدة، خصوصاً وأنّ لبنان بات يحتاج الى أمور كثيرة لم تعد متوافرة بفعل الأزمة الإقتصادية والمالية. غير أنّها «مرفوضة» إذا كان الهدف منها «إبقاء النازحين السوريين في لبنان»، وتقديم المساعدات للبنانيين كشرط لدمج السوريين وإبقائهم على الأراضي اللبنانية. فلبنان يرفض أي ثمن للتوطين، وسبق أن رفض «توطين الفلسطينيين» كونه ليس «بلد لجوء» على غرار الدول الأوروبية.