Beirut weather 20.84 ° C
تاريخ النشر March 16, 2025
A A A
أوساط ديبلوماسيّة: حذار من النوايا “الإسرائيليّة” المبيّتة.. ولا تُفرّطوا بمزارع شبعا!!
الكاتب: دوللي بشعلاني - الديار

بدأ التفاوض بشأن الحدود البريّة بين لبنان و”إسرائيل” التي تمتدّ على مساحة نحو 81 كلم، ولا تحتاج بأكملها الى الترسيم إنّما في جزء منها، والى التثبيت في الجزء الآخر. ومن الواضح موقف لبنان الرسمي من هذا الأمر، ألا وهو تنفيذ الإنسحاب “الإسرائيلي” من النقاط الـ 13 المتنازع عليها، ومن التلال الخمس، كما من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء الشمالي من بلدة الغجر ومن بلدة النخيلة، لكي تتمكّن الدولة اللبنانية من بسط سيطرتها على كامل الأراضي في المنطقة الجنوبية، ولإعادة إعمار القرى التي دمّرتها “إسرائيل” خلال الحرب الأخيرة. غير أنّ موقف “الإسرائيلي” لا يزال ملتبساً في ظلّ التأكيد على عدم سحب قوّاته من النقاط الخمس، والبقاء بالتالي في مزارع شبعا كونها “سورية”، على ما يدّعي ويوهم المجتمع الدولي من خلال التلاعب بالخرائط، وسعيه بالتالي الى التطبيع مع الدول العربية، ومن ضمنها لبنان.

فالتفاوض مع “الإسرائيلي”، وإن برعاية الأمم المتحدة ووساطة الولايات المتحدة الأميركية، على ما تقول أوساط ديبلوماسية مواكبة لقضايا الترسيم، ليس بالأمر السهل، سيما وأنّه عدو شرس غالباً ما يُراوغ من أجل الحصول على بعض المكاسب التي ليست من حقّه أساساً. ففي ما يتعلّق بالنقاط الـ 13 التي يتحفّظ عليها لبنان وهي: رأس الناقورة (النفق)، هانيتا، علما الشعب، إدمث، البستان، مروحين، رميش، يارون (مارون الراس)، بليدا، ميس الجبل، العديسة، كفركلا، ميتولا (الوزّاني). فقد جرى التوافق في وقت سابق على 7 نقاط، ويبقى منها 6 تحتاج الى النقاش حولها. ولا يُعرف حتى الآن، إذا ما كان “الإسرائيلي” سيعود الى التفاوض حول كامل هذه النقاط أم لا.

يُضاف اليها المواقع الاستراتيجية الجديدة التي احتلّتها القوّات “الإسرائيلية” أواخر العام الماضي، وهي خمس تلال: تلال اللبونة، جبل بلاط، مرتفع جبل الدير، جبل الباط، نقطة الدواوير (ومن ضمنها تلّة العزّية وتلّة العويضة) وتلّة الحمامص، والتي تقع على بعد مئات الأمتار من السياج الحدودي. وهذه النقاط، على ما تشير الأوساط، لا يبدو أنّ “إسرائيل” عازمة على الإنسحاب منها، رغم موافقتها على بدء التفاوض على الترسيم البرّي، سيما وأنّ مسؤوليها يُعلنون عن البقاء فيها الى أجلٍ غير مسمّى. وعلى ما يبدو فهي ترفض الإنسحاب منها ليس لأنّها مواقع عسكرية استراتيجية فقط تُطلّ على المناطق الجنوبية، كما على المستوطنات الشمالية، إنّما بهدف عرقلة مسألة إعادة الإعمار في البلدات الجنوبية الواقعة عند الحافة الأمامية للحدود.

أمّا مسألة مزارع شبعا (وهي 14 مزرعة تمتدّ بحدود 25 كلم تقريباً في الطول، وبعرض بين 13 و14 كلم، وتُشكّل 80 % من مساحة بلدة شبعا) وتلال كفرشوبا والقسم الشمالي من بلدة الغجر (الذي ضمّته “إسرائيل” في بعض الخرائط الى أراضيها)، على ما أضافت الأوساط الديبلوماسية، والتي ينصّ القرار 1701 على ضرورة الإنسحاب “الإسرائيلي” منها، فتدّعي “إسرائيل” بأنّها سورية وليست لبنانية، لهذا تتذرّع بالبقاء فيها. علماً بأنّ الإتفاقيات والخرائط الدولية المودعة لدى الأمم المتحدة منذ العام 1923 وما بعده، تؤكّد على أنّ مزارع شبعا تقع داخل الأراضي اللبنانية. ولهذا فخلال التفاوض على الترسيم، على الدولة اللبنانية الطلب من الرئيس السوري الإنتقالي أحمد الشرع، وثيقة رسمية يعترف فيها بـ “لبنانية” المزارع. فتكون بمثابة تأكيد ما هو مؤكّد يجري إيداعها لدى الأمم المتحدة الى جانب الوثائق والمستندات التي بحوزتها، كما يُمكن إبرازها خلال عملية التفاوض، ما يُلزم القوّات “الإسرائيلية” بالإنسحاب منها فتعود الى السيادة اللبنانية. أمّا إذا قال الشرع إنّها سورية، وليست لبنانية، لسبب ما، عندها يُصبح النزاع بين لبنان وسورية عليها، ويُمكن حلّه من خلال التوافق على ترسيم الحدود الشرقية والشمالية، وعندئذٍ لا يعود للإحتلال أي علاقة له بها، ما يوجب انسحابه منها.

وتلفت الأوساط الى أنّه على “إسرائيل” الإنسحاب من المزارع وتلال كفرشوبا والقسم الشمالي من بلدة الغجر ومن النخيلة، لأنّها ليست أراضٍ “إسرائيلية” بالدرجة الأولى، وذلك تنفيذاً لاتفاق وقف إطلاق النار، والقرار الدولي 1701 والقرارات ذات الصلة. أمّا إذا كان هدفها من طلب تطبيق القرار 1701 فقط بسط سيطرة الدولة في منطقة جنوب الليطاني ونزع سلاح المقاومة، من دون تنفيذ بند الإنسحاب، فإنّ مثل هذا الأمر لن يُوافق عليه لبنان، وإلّا يكون بذلك قد فرّط بأراضٍ لبنانية تريد “إسرائيل” الإستيلاء عليها عنوة ومن دون وجه حقّ، من خلال تغيير المعالم الجغرافية على الأرض بما يتناسب مع مخطط توسيع “دولة إسرائيل” المزعومة.

وفي حال رفض المفاوضون الأميركيون و”الإسرائيليون” الخوض في مسألة مزارع شبعا، وتأجيله الى وقت لاحق، على ما عقّبت، فإنّ لبنان سيتمسّك بالنقاش حولها سيما وأنّ القرار 1701 ينصّ عليها، ويريد بالتالي تنفيذ بنوده بكامل مندرجاتها. أمّا تمسّك “الإسرائيلي” باستبدال العسكري في لجنة التفاوض بديبلوماسي، فيعني على ما تشرح الأوساط الديبلوماسية، بأنّه ينوي أن يكون الحضور ديبلوماسياً أو ما فوق، أي أنّه يريد تمثيلاً سياسياً، وألّا يقتصر الأمر على الضبّاط فقط. وللإيحاء بالتالي أنّ هذا الإتفاق الذي سيحصل على ترسيم الحدود البريّة له أبعاداً سياسية، وليس مجرّد رجوع الى خط الهدنة أو الحدود الدولية. كذلك فإنّ دخول “إسرائيل” الى جبل الشيخ هو التفاف على الموضوع بأسره جغرافياً وسياسياً وإخراجه من التداول والبحث. كما أنّ احتلال تلّة الحمامص يعني عزل مزارع شبعا عن التماس مع الأراضي اللبنانية ومحاصرتها. في الوقت الذي يحقّ للبنان المطالبة أيضاً باستعادة القرى السبع التي ضمّتها “إسرائيل” اليها وهي: طربيخا، صالحة، المالكية، قدس، النبي يوشع، هونين وإبل القمح.

من هنا، تجد الأوساط أنّه على لبنان الحذر خلال التفاوض من النوايا “الإسرائيلية” المبطّنة التي تهدف الى التطبيع، خصوصاً وأنّه سبق وأن حاولت “إسرائيل” الإشارة الى هذا الأمر بعد أن أنجز الوسيط الأميركي السابق آموس هوكشتاين “إتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان و”إسرائيل” في 27 تشرين الأول 2022. في حين أنّ التوصّل الى تثبيت الحدود البريّة الدولية للبنان، واستعادة كامل الأراضي اللبنانية المحتلّة، من شأنه المساهمة في تسريع عملية إعادة إعمار القرى الجنوبية، التي يُفترض أن تكون من أولويات حكومة الرئيس نوّاف سلام بعد الإنتهاء من التعيينات الإدارية والتشكيلات القضائية والديبلوماسية، بعد أن أنجزت التعيينات الأمنية والعسكرية في فترة قصيرة. كما يُشكّل مصدر طمأنينة لدى الشركات النفطية العالمية التي تنوي الإستثمار في بلوكات لبنان البحرية الواعدة في قطاع النفط، سيما وأنّ عدم الإستقرار في المنطقة هو الذي أوقف عمليات التنقيب واستخراج النفط من البلوكات البحرية الحدودية.