Beirut weather 17.99 ° C
تاريخ النشر August 8, 2020
A A A
أنظار اللبنانيّين مَشدودة إلى نهاية التحقيق.. حجم الخيبة سيكون مُضاعفًا؟
الكاتب: ناجي س. البستاني - الديار

توالت خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية التوقيفات على ذمّة التحقيق في أسباب إنفجار المرفأ الذي وقع في الرابع من آب الحالي، مُسبّبًا عددًا كبيرًا من الضحايا والجرحى، إضافة إلى دمار هائل. ومع إستمرار العدّ العكسي لإنقضاء المُهلة التي وضعها المسؤولون الرسميّون، لكشف حقيقة ما حصل، الأنظار كلّها مشدودة إلى ما ستؤول إليه التحقيقات القائمة، وخُصوصًا إلى مُستوى التوقيفات الذي يُمكن أن تبلغه. وإذا كان صحيحًا أنّ أيّ عقاب بحقّ مُطلق أيّ شخص، لن يُعيد شهيدًا إلى أحضان أهله، ولن يُبلسم جراح مُصاب، ولن يُعمّر منزلاً أو متجرًا أو مُؤسّسة أو مصنعًا مُهدّما، فإنّ الأصحّ أنّ إحقاق العدالة من شأنه أن يُعيد الأمل إلى اللبنانيّين بإمكان أن يحلموا بالعيش تحت سقف دولة تحكمها القوانين وتكترث لأرواح شعبها. فهل سيصل التحقيق إلى نهايات تُشفي غليل اللبنانيّين أم أنّ أمل هؤلاء سيخيب مُجدّدًا كما خاب مرارًا وتكرارًا في الماضي، علمًا أنّ هول المأساة هذه المرّة هو الأكبر على الإطلاق، وبالتالي حجم الخيبة سيُكون مُضاعفًا؟!
بحسب مصدر قضائي مُطلع على مُجريات التحقيق في إنفجار المرفأ إنّ التحقيقات تتواصل على قدم وساق، على الأرض حيث وقعت الكارثة، ومع كل شخص له علاقة بمُجريات القضيّة. وكشف أنّ العدد المُعلن رسميًا للتوقيفات ليس نهائيًا، حيث أنّه مُرشّح للإرتفاع تبعًا لتطوّر التحقيقات، علمًا أنّ الكثير من الأشخاص إستجوبوا ثم تُركوا مع إبقائهم رهن التحقيق، حيث قد يتمّ إعادة إستجوابهم لاحقًا عندما تدعو الحاجة. وأوضح المصدر نفسه أنّ التوقيفات والتحقيقات غير محصورة بالعاملين والمسؤولين التابعين لإدارة مرفأ بيروت، ولا حتى بإدارة الجمارك، بل تطال كل من له علاقة بقضية باخرة «Rhosus»، بشكل أو بآخر، أي من العُمّال الذين نفّذوا أعمال الصيانة في العنبر رقم 12 في اليوم المشؤوم، وُصولاً إلى كل من تلقّى برقية تحذير بشأن مَضمون شحنة نيترات الأمونيوم ولم يُبادر إلى التحرّك.
وفي السياق عينه، لفت مصدر سياسي مُقرّب من لجنة التحقيق التي تمّ تشكيلها غداة إجتماع المجلس الأعلى للدفاع برئاسة رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون الثلاثاء الماضي، إلى أنّ القرار مُتخذ من أعلى السُلطات للوُصول إلى نتائج حاسمة في التحقيق، لأنّ مصداقيّة السُلطة بكاملها، أي السُلطات السياسيّة والتنفيذيّة والقضائيّة، باتت على المحكّ. وقال في حال جاءت نهاية التحقيق مُخيبّة للآمال المَعقودة من قبل الرأي العام، فإنّ الضربة المَعنوية ستكون قاسية جدًا، على المُستويين الداخلي والخارجي. وأضاف المصدر عينه أنّه من هذا المُنطلق لا يُمكن إلا إنهاء القضيّة بشكل حازم وقاس بحقّ كل مُقصّر وكلّ مُهمل وكل مُتورّط في ما حصل، والذي يرتقي إلى مصاف الجريمة الجَماعيّة. وختم المصدر السياسي المُطلع كلامه بالتأكيد أنّ العقاب يجب أن يكون مُوازيًا أيضًا لحجم الكارثة التي حلّت والمأساة التي وقعت.
وبالعودة إلى المصدر القضائي، فقد أشار إلى أنّ القضيّة مُتشعّبة لأنّ السفينة التي رست في مرفأ بيروت إعتبارًا من 20 تشرين الأوّل من العام 2013 غرقت في البحر في العام 2016، بسبب تسرّب المياه إلى هيكلها القديم والمُهترئ، الأمر الذي أدّى إلى فُقدان جزء من الأدلّة. كما أنّ قُبطانها بوريس بروكوشيف وأفراد الطاقم الذين كانوا قد أوقفوا من قبل السُلطات اللبنانيّة عندما رست السفينة في مرفأ بيروت، والذين بقوا رهن الإحتجاز لمدّة 11 شهرًا، منذ نهاية العام 2013 وحتى خريف العام 2014، تفرّقوا في دول العالم وصار من المُستحيل على السلطات في لبنان إستجوابهم، بإستثناء ما يُمكن أن تؤمّنه مُنظّمة الإنتربول في هذا الصدد. وتابع أنّ من بين المشاكل التي تواجه التحقيق أيضًا أنّ مالكي السفينة والجهات الشاحنة لنيترات الأمونيوم هم أيضًا خارج دائرة التحقيق القائم حاليًا، ما سيُؤدّي إلى غياب الكثير من المَعلومات المُفيدة.
ولفت المصدر القضائي إلى أنّ تزامن وُصول السفينة مع حكومة مُستقيلة في ذلك الوقت، زاد من الفجوات التي تعتري مساعي تحديد المسؤوليّات. وأضاف أنّ تفريغ حمولة السفينة المًصادرة جاء تنفيذًا لقرار قضائي صدر عن قاضي الأمور المُستعجلة في حينه جاد معلوف في حزيران من العام 2014، بعد ورود أكثر من توصية بشأن خُطورة بقاء الحُمولة على متن السفينة التي كانت تغرق تدريجًا بسبب تسرب المياه إلى هيكلها وبنيتها. وقال إنّ التحقيقات تتركز على سبب بقاء هذه الشُحنة في المرفأ طيلة سنوات وبشكل غير آمن، علمًا أنّ مُحاولات عدة جرت لترحيلها من دون أن تنجح، بسبب صُعوبات مختلفة، منها ما هو مُرتبط بنوعيّة الشُحنة الخطيرة نفسها، ومنها ما هو مُرتبط بالخلافات بين مالكي السفينة وأصحاب الشُحنة والطاقم الذين دخلوا بدعاوى قضائيّة بوجه بعضهم. وتابع أنّ مُحاولات عدّة تمّت أيضًا لبيعها داخليًا وخارجيًا، وهي فشلت، مُشيرًا إلى أنّه حتى مُحاولة توزيعها مجانًا بكميّات صغيرة على المُزارعين في لبنان إصطدمت بعقبات بيئيّة!
لكنّ المصدر القضائي طمأن إلى أنّ كل هذه المشاكل، ومنها أيضًا تداول السُلطة بين أكثر من رئيس جُمهوريّة، وأكثر من رئيس حكومة، وأكثر من وزير أشغال، وأكثر من مدير عام للجمارك، وأكثر من مدير للمرفأ، إلخ. خلال مرحلة بقاء الشُحنة المُتفجّرة على أرض المرفأ، لن يُسفر عن تمييع التحقيق، لكنّه سيزيده صُعوبة وتشعّبًا بالتأكيد. وختم قائلاً: «إصبروا بضعة أيّام، وسترون النتائج