Beirut weather 17.41 ° C
تاريخ النشر March 5, 2021
A A A
أميركا تبتزّ لبنان في الحدود البحريّة لتعطي «إسرائيل»
الكاتب: العميد د. أمين محمد حطيط - البناء

لم تكتف أميركا في عهد ترامب بإهداء مزارع شبعا لـ «إسرائيل»، ولم تتوقف عند إسقاط اتفاقية «بولية نيوكمب» التي ترسم الحدود البرية بين لبنان وفلسطين المحتلة، بل جاء الآن دور الحدود البحرية وحدود المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان في الجزء الجنوبي منها مع فلسطين المحتلة، فكانت خدعة هوف التي أسقطها ضباط أذكياء من الجيش للبناني ما اضطر المفاوض اللبناني يومها إلى الامتناع عن قبوله، واليوم تأتي عملية الابتزاز والضغط من باب آخر ليقبل لبنان بنسبة 20% من المساحة التي تكرّسها له القوانين والاتفاقيات والمواثيق الدولية، وبطل عملية الابتزاز هذه المرة الصهيوني الأميركي السفير لدى الخارجية الأميركية والمكلف بالملفّ ورعاية المفاوضات دافيد شينكر.
ففي مقابلة تلفزيونية عُرضت له قبل أيام يدّعي شينكر أنّ «لبنان تقلب في مواقفه وعطل التفاوض ولم يثبت على موقف واحد، ما أدّى إلى تعطيل المفاوضات، رغم أنّ لبنان بحاجة إلى حسم النزاع حول الحدود البحرية لتمكين شركة توتال من الانطلاق في عملية التنقيب التي ستقود إلى اغتناء لبنان وسدّ عجزه أو إخراجه من الإفلاس، لكن الحكومة اللبنانيّة لا تهتمّ بمصلحة الشعب».
إنّ في تصريح شينكر هذا كمّ هائل من المغالطات والتزوير والافتراءات، يلجأ إليها هذا الدبلوماسي الصهيونيّ بهوية أميركية من أجل الضغط على الوفد اللبناني وعلى لبنان للتنازل عن حقوقه ليهبها لـ «إسرائيل» وللتدقيق والتفصيل أكثر نؤكد على ما يلي:
ـ أنّ لبنان لم يطرح على طاولة التفاوض إلا مشروعاً واحداً عرضه وتمسك به من اللحظة الأولى وأبدى كامل الاستعداد للنقاش حوله بالحجة والبرهان القانوني والعلمي وليس بالسياسة والإملاء الخارجي. وللتوضيح نقول إن خطوط الحدود المعروضة على الطاولة هي أربعة: الخط «الإسرائيلي» الذي لا يتصل باليابسة ويهمل اتفاقية «بوليه نيوكمب» واتفاقية قانون البحار وبالتالي يعتبر خطاً ساقطاً قانونياً ولا يُعتدّ به، والأمر ذاته يتكرّر مع الخط الثاني خط 23 الذي لا يتصل بالبرّ، أما خط هوف وهو الثالث الوسط بين الأول والثاني فهو خط تسوية سياسية لا تستند إلى منطق قانوني، ويكفي أنه لا يتصل باليابسة ليكون ساقطاً ويبقى الخط الرابع الذي طرحه الوفد اللبناني وفقاً لقانون البحار واتفاقية «بوليه نيوكمب» وأكدت عليه دراسة المركز البريطاني الهيدروغرافي وهو الخط المسمّى خط 29، ويجاهر الوفد اللبناني أنه جاهز للنقاش حول هذا الخط فإن استطاع الآخر أن يُسقطه بالحجة والبرهان فإنه يسلّم له، أما إسقاطه بالتنازل والسياسة فهذا أمر مستحيل لأنّ فيه خيانة للبنان. إن لبنان بحاجة للمال، وبحاجة للتنقيب على النفط من أجل المال، وهذا صحيح لكن من قال إن التنقيب متوقف على بتّ النزاع الحدوديّ؟ أوليس البلوك 9 ملزم التنقيب فيه لشركة توتال والشركة التزمت من غير أن تشترط بت النزاع قبل البدء بالتنقيب؟ ثم هل يعلم شينكر أن البلوك 9 يلامس المنطقة المتنازع عليه بمساحة لا تتعدى 3% من مساحته. وبالتالي يمكن للشركة الابتعاد عن تلك المنطقة والحفر في المنطقة غير المتنازع عليها؟! إن ربط التنقيب بحل النزاع هو كذبة كبرى وخديعة فاضحة من اجل الابتزاز وألا كيف لـ»إسرائيل» أن ترسم البلوك 72 وهو بنسبة 85% واقع في منطقة النزاع ثم تعرض تلزيم التنقيب فيه؟ فلماذا لا يصحّ للبنان ما يصحّ لـ»إسرائيل» في قاموس شينكر ودبلوماسيته؟
ـ إنّ ملف الحدود الجنوبية البحرية ملف حقوقي قانوني بحت غير مرتبط بأيّ ملف من ملفات المنطقة ولا يتوقف حله على حلّ الملف النووي الإيراني، ولا المسألة السورية، ولا العدوان على اليمن، إنه بكلّ بساطة نزاع حدودي ينبغي أن يحتكم فيه إلى القانون الدولي والمواثيق والمعاهدات الدولية لا أكثر ولا أقلّ، أما الادّعاء بأنّ هذه الدولة أو تلك تضغط على لبنان لتأخير حله فهو كذب ونفاق وتزوير يهدف لابتزاز لبنان والضغط عليه للتنازل عن حقوقه خدمة لـ «إسرائيل». ونذكر بأنّ الذي أوقف المفاوضات هي «إسرائيل» وليس لبنان، وأنّ أميركا استجابت لـ «إسرائيل» ولم تكترث بالحق اللبناني، وعلى شينكر قبل أن يطلق ادّعاءاته الخاطئة الملفّقة أن يعود إلى طاولة التفاوض غير المباشر ويقرّ بالحق لأصحابه وعندها يكون فعلاً أبدى حرصاً على المصلحة اللبنانية خلافاً لادّعائه الكاذب في تصريحه الأخير.
أما إذا كان من تقصير لبناني تؤاخذ عليه الحكومة اللبنانية فإنه ليس في مسألة التمسك بالحق وعدم التنازل عنه، كما يريد شينكر، فهذا الأمر مدعاة تأييد للحكومة وتشجيع لها على الاستمرار به، بل المؤاخذة قائمة على تأخرها حتى الآن من تعديل المرسوم 6433/2011 الذي أودعته الأمم المتحدة وحدّدت فيه بشكل خاطئ حدود المنطقة الاقتصادية البحرية، فإذا استمرّ التأخير أو الإحجام عن التصحيح، فإنّ التقصير ينقلب هنا إلى خيانة للبنان في حقوقه وثرواته، أما التقصير الآخر فهو السكوت أو التساهل مع شركة توتال وعدم حثها على الإيفاء بموجباتها في التنقيب ورفض تذرّعها بأسباب واهية للامتناع عن التنقيب خدمة لـ «إسرائيل». ولذلك نطالب الحكومة بالسعي فوراً ومن دون إبطاء لمعالجة هذين الأمرين وإقفال كلّ المنافذ التي قد يستغلها العدو «الإسرائيلي» ومَن يؤيده لابتزاز لبنان وسلبه حقوقه.
* أستاذ جامعي ـ باحث استراتيجي