Beirut weather 20.41 ° C
تاريخ النشر June 20, 2023
A A A
أموال المغتربين جرعة أوكسيجين في زمن الانهيار
الكاتب: سلوى بعلبكي - النهار

قدّر البنك الدولي حجم تحويلات المغتربين الوافدة إلى لبنان بـ6.4 مليارات دولار في عام 2022، وتبعاً لذلك فقد تبوّأ لبنان المركز الأول في المنطقة والمرتبة الثالثة عالمياً حيال مساهمة تحويلات المغتربين في الناتج المحلي الإجمالي، التي بلغت 35.7% في عام 2022.

ولكن هذه الارقام لا تحتسب الأموال التي يحملها المسافرون معهم بسبب ارتفاع كلفة تحويل الأموال، التي تقدر بين 1.5 وملياري دولار حدّاً أدنى سنوياً بما يرفع قيمة التحويلات الى ما يقارب 9 مليارات دولار، إذ أشار تقرير البنك الدولي إلى أن متوسط كلفة التحويلات الوافدة إلى لبنان من بلدان ذات دخل مرتفع من ضمن دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لا يزال مرتفعاً جداً، وهو ما جعل لبنان من ضمن أغلى 5 ممرات لتحويل الأموال في العالم. من هنا، أكدت مصادر متابعة أهمية تشدد لجنة الرقابة على المصارف على هذا الصعيد، وإلزام المصارف بخفض العمولات التي تستوفيها على التحاويل عموماً. وإذ لفتت الى أن كلفة شحن “الكاش” والتأمين مرتفعة، أكدت أن في إمكان المصارف إعادة النظر في نسبة العمولة لتكون مدروسة أكثر، علماً بأنها تتفاوت بين المصارف، فمنها من يتقاضى 1 في المئة وأخرى تتقاضى واحداً في الألف.

الأموال الوافدة من المغتربين تسهم في أمرين أساسيين، برأي الخبير الاقتصادي الدكتور محمود جباعي، فهي أولاً تعزز القدرة الشرائية لنحو 25%؜ من الشعب اللبناني، إذ يقدّر عدد العائلات المستفيدة شهرياً بين 230 و240 ألف عائلة موزعة على مختلف المناطق اللبنانية والطوائف. وأصحاب هذه الأموال يصرفونها في السوق المحلية بما يخلق نوعاً من الحركة الاقتصادية. ويلاحظ جباعي أن نسبة الإنفاق ارتفعت عما كانت عليه قبل الأزمة المصرفية على خلفية انخفاض معدّل الادخار في المصارف، إذ يلجأ أصحاب هذه الأموال الى صرفها في الأسواق بنسبة كبيرة أو ادّخارها في المنازل لصرفها عند الحاجة. هذا على الصعيد الفردي، أما على صعيد المؤشرات الاقتصادية والمالية والنقدية، فتسهم هذه التحويلات بنحو 45% من الناتج المحلي، بما يؤكد أهميتها على كل الاصعدة الاقتصاديّة في البلاد. فهذه الاموال أسهمت بالتخفيف من معاناة اللبنانيين في الدرجة الاولى، وكذلك أسهمت بفرملة مفاعيل الانهيار في آخر 4 سنوات. فمعظم الاموال المحركة في الاسواق والـCash Economy تكونت من هذه التحويلات، إضافة الى نحو 3 مليارات دولار من إيرادات الموسم السياحي، وما بين 3 و4 مليارات دولار تدخلها بعض الاحزاب السياسية وجمعيات الـ”NGO” و”اليونيفل”.

هذه الاموال مجتمعة أسهمت بخلق حالة من الاستقرار الاقتصادي في القطاع الخاص الذي أظهر نمواً قُدّر بنسبة 2%؜ في عام 2022، ومن المتوقع أن يرتفع الى 3%؜ سنة 2023 زيادة على الناتج المحلي، بدليل الإقبال الكبير على الاستثمار في مشاريع سياحية ومطاعم من الدرجة الاولى، وتُرجم ذلك بافتتاح نحو 23 مطعماً جديداً في بيروت تحديداً في موسم الصيف. كل هذه المؤشرات، تؤكد وفق ما يقول جباعي أن “البلاد عادت اليوم لتشهد نوعاً من النمو الاقتصادي في القطاع الخاص، مدعوماً بأموال التحويلات وتلك التي تتداخل معها.

العوامل الآنفة الذكر على أهميتها، غير كافية برأي جباعي، إذ إننا في حاجة الى دولة قوية لديها تحكم في إدارتها العامة، ومجلس نيابي يشرع للإفادة من هذه الأموال وتوجيهها التوجيه الصحيح نحو الاستثمارات الإنتاجية كالزراعة والصناعة. فهذا الأمر أساسي لوضع الاستقرار الاقتصادي البنيوي والنمو المتوازن على السكة، بدل أن تصبّ هذه الاموال في قطاع الاستهلاك فقط للمواد الغذائية والاستهلاكية والسياحية، مع الاشارة الى أنه وفقاً لآخر التقديرات فإن نسبة الصادرات في لبنان بدأت بالارتفاع بنسب معينة، على خلفية النمو في القطاعين الزراعي والصناعي نوعاً ما. ولا يغفل جباعي الاشارة الى ضرورة أن تتوجه الدولة نحو تشريعات حقيقية وتحفيز للنمو والاستثمار واستغلال رأس المال في العقارات غير المستخدمة بما سيسهم بتحقيق نمو اقتصادي بنيوي مستقبلاً”.

والى أهمية التحويلات في تحسين القدرة الشرائية للمواطنين وتحريك العجلة الاقتصاديّة، ثمة إيجابية أخرى لا تقل أهمية، إذ إن هذه التحويلات وفق جباعي “تساعد المصرف المركزي في شراء الدولار من السوق لإعادة تدويرها عبر منصة صيرفة، إذ ليس خافياً أن مصرف لبنان يعتمد بنسبة كبيرة على هذه الأموال بغية ضبط السوق أحياناً وتأخير ارتفاعها الصاروخي. فكلّ الإجراءات التي يتخذها مصرف لبنان هي لدعم استقرار النقد في المرحلة الأخيرة ويعتمد على هذه الأموال التي يشتريها من السّوق ثم يضخها على منصة صيرفة بخسارة نحو 8% تقريباً.
أكثر من 70%؜ من هذه التحويلات تمر عبر القطاع المصرفي (fresh)، وما نسبته 30% عبر شركات تحويل الأموال وفي مقدمها الـOMT. وبالأرقام ارتفع عدد التحاويل الواردة من الخارج عبر الـOMT بنسبة 25% في عام 2022 مقارنة مع عام 2021، كما بلغ معدل قيمة التحاويل الواردة من الخارج نحو 450 دولاراً، فيما تلقى نحو 265 مستفيداً شهرياً التحاويل الواردة من الخارج بالدولار نقداً “fresh”، وبلغت ما نسبته 75% من التحاويل أقل من 500 دولار و15% من التحاويل بلغت قيمتها أقل من 100 دولار. وصلت التحاويل من نحو 175 دولة، وفي مقدمها أستراليا والولايات المتحدة الاميركية ودول الخليج وكندا وألمانيا والسويد وفرنسا. بيد أن ثمة تقديرات يستند إليها جباعي ليؤكد أن غالبية التحويلات تأتي من الدول العربية وأفريقيا بالدرجة الأولى، ومن ثم مختلف دول العالم.

 

 

هل تمر التحويلات عبر المصارف؟
صحيح أن لبنان يعيش أزمات مستعصية توازياً مع انهيار بنيته التحتية، بيد أنه لا يزال قادراً على اجتذاب آلاف اللبنانيين المغتربين والسياح بسبب طبيعة ونمط الحياة فيه والبيئة السياحية النشطة، على الدوام، لذا فإن الامل كبير برفد الداخل بدولارات فريش تمكنه من تحريك القطاعات كافة والأهم دعم استقرار العملة الوطنية. وفي السياق عبّرت مصادر مصرفية عن ارتياحها للمؤشرات الاقتصادية الواعدة “دولارياً” خصوصاً ما يتعلق منها بالمؤشرات السياحية، وأرقام تحويلات المغتربين عبر المصارف وشركات تحاويل الأموال توازياً مع كتلة دولارية مقبولة للرواتب في القطاعين الخاص والعام، بما يشير الى استقرار سعر صرف الدولار واحتياطي البنك المركزي الذي يحافظ منذ فترة على معدل بين 9.5 و10 مليارات دولار، والاهم انعكاس ذلك على الحركة الاقتصادية عموماً في البلاد. وتلفت المصادر الى عامل الشح الكبير في العملة اللبنانية، وهو ما يترجم عملياً بفائدة الانتربنك على الليرة التي وصلت الى 150%، معتبراً أن فقدان العملة الوطنية من السوق سيؤدي بحاملي الدولار والمراهنين على ضعف العملة اللبنانية لدفع الضرائب الى استخدام دولاراتهم بدل الانتظار من دون أفق. ورجحت المصادر، إن لم تحصل أي مفاجآت سلبية، أن يشهد سوق الصرف استقراراً خلال فترة الصيف بما سينعكس حتماً على موجودات مصرف لبنان بالدولار. وتقدر المصادر أن ما نسبته 80% من حجم مبالغ تحويلات المغتربين تمر عبر المصارف، بما يؤثر إيجاباً وإن بنسب متواضعة على حركتها.