Beirut weather 29.65 ° C
تاريخ النشر August 7, 2016
A A A
ألمانيا بين مطرقة اللاجئين وسندان اليمين المتطرّف
الكاتب: آنا ساوربراي - الحياة

صارت ألمانيا فريسة القلق منذ وقوع أربعة هجمات في أسبوع واحد. ففي 18 تموز، هاجم لاجئ مراهق ركاباً في قطار قرب فورتسبورغ بالفأس والسكين. وبعدها بثلاثة أيام، أردى شاب في الـ18 من العمر تسعة أشخاص في ميونيخ. وبعدها بيومين، قتل لاجئ سوري صديقته وزميله في العمل في ريوتلنغن، وقبلها بساعات قليلة فجّر لاجئ سوري آخر قنبلة في أنسباخ ما أدّى إلى مقتله وإصابة 15 شخصاً.

وأعلن مهاجما فورتسبورغ وأنسباخ الولاء لتنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش)، بينما قال القاتل في ميونيخ أنّه يريد تقليد النروجي اليميني المتطرف والقاتل الجماعي، أندريس بريفيك. فاختلّ توازن الألمان وصاروا يتساءلون: أي نوع من التطرف يشكل الخطر الأكبر على ألمانيا – «داعش» أو اليمين المتطرف الألماني؟ وهل نحن أكثر أمناً كمجتمع متعولم، أو يجب أن نعزل أنفسنا ونغلق الحدود؟

كان العام الحالي عسيراً في ألمانيا. فبعد أن رحبت برلين بمئات الآلاف من اللاجئين، بدأت سنة 2016 مع عشرات من الاعتداءات الجنسية خارج محطة القطار الرئيسية في مدينة كولن، ليلة رأس السنة الجديدة. وإثر أشهر قليلة، أحرز اليمين المتطرف تقدماً مفاجئاً من طريق الخطاب المعادي للاجئين. وفاقمت، أخيراً، أحداث الأسبوع الماضي القلق والتوتر. وكشف استطلاع أُجري في نيسان وأيّار، أن 73 في المئة من الألمان ممن شملهم الاستطلاع يخشون من الهجمات الإرهابية، وهي المرة الأولى التي يتصدر فيها الإرهاب قائمة مخاوف المواطنين في ألمانيا منذ بدء إجراء الاستطلاع قبل 20 عاماً.

Supporters of LEGIDA, a local copycat of Dresden's right-wing populist movement PEGIDA (Patriotic Europeans Against the Islamisation of the Occident), hold a picture of German chancellor Angela Merkel wearing a headscarf with a sign reading 'Courage to Truth. Merkel's immigration politics' during a rally in Leipzig, eastern Germany on January 21, 2015. Thousands of right-wing anti-"Islamisation" protesters started to mass in the eastern German city of Leipzig on Wednesday, separated by a large contingent of riot police from anti-racist counter demonstrators. AFP PHOTO / JENS SCHLUETER

وعلى رغم أن هجوم فورتسبورغ وقع أولاً، إلا أنّ هجوم ميونيخ هو الذي غيّر كلّ شيء. واستغرقت رجال الشرطة ساعات للعثور على القاتل. وانتشرت إشاعات عن هجمات أخرى في جميع أنحاء المدينة. وطُلِب من السكان البالغ عددهم 1.5 مليون نسمة، البقاء في منازلهم. وحُوِّلت القطارات، كما لو كانت ميونيخ تحت الحجر الصحي. وفي ذلك المساء، عمّ الخوف البلد كله. واقتصر عدد القتلى على عشرة أشخاص، لكن الخوف الجماعي لم يبارح الألمان.

وسارع حزب «البديل من أجل ألمانيا» (اليميني المتطرف) في ربط الهجوم بسياسة «الأبواب المفتوحة» أمام اللاجئين التي انتهجتها أنغيلا مركل. وغرّد قيادي في الحزب هذا، ليلة الهجوم في ميونيخ، وقبل أن تتوضح معالم الجريمة ودوافع الجاني، على تويتر قائلاً: «مركل، شكراً لك على الإرهاب في أوروبا».

وعندما أعلنت الشرطة أنّ هجوم ميونيخ لا علاقة له بالتنظيمات الإسلامية، برز شعور غريب بالراحة في الدوائر الليبرالية على مواقع التواصل الاجتماعي: «الحمد لله، كان مجرد حادث إطلاق نار! اليمين المتطرف كان على خطأ». لكن بعد ذلك، فجّر لاجئ قنبلة في أنسباخ. وما حدث سيغير صورة الألمان عن أنفسهم. فهم صاروا في عداد ضحايا الإرهاب الدولي، والتحقوا بغيرهم من الأمم. وكأن الدرع الذي كان يحمي ألمانيا من الأهوال التي خبرها آخرون مثل الولايات المتحدة وعدد من الدول في أوروبا والعالم العربي وآسيا، تصدع.

لكن في ألمانيا، وأكثر من أي بلد آخر في أوروبا، لا يقتصر الخوف على احتمالات الهجمات الإرهابية فحسب. فالألمان يخشون استغلال اليمين المتطرف مخاوفهم. ومشاعر العداء للأجانب كانت وراء هجوم ميونيخ الذي قد يساهم في رفع وتيرة العنف ضد الأجانب. ويخشى أن تساهم الهجمات في تغيير ألمانيا، وتبديد قيم التسامح، والهوية الكوزموبوليتانية التي نسجها الألمان على مدى عقود.

ومنذ وقوع الهجمات، تقدمت قيادات أحزاب الوسط باقتراحات مفصلة لتغيير سياسة مكافحة الإرهاب، في محاولة يائسة لإثبات قدرة السياسة المركزية على مواجهة التطورات. لكن اقتراحاتهم العقلانية لا يمكن أن تنافس الشعارات الشعبوية مثل «لا لجوء للمسلمين» أو «أغلقوا الحدود.» والسبيل الى جسر الثقة ومكافحة نفوذ اليمين المتطرف الجديد، التزام معيار الشفافية، والتحقيق في خلفيات جميع الهجمات من دون تحيز ســياسي، والتــحلّي بالواقعية، أي الإقرار بأن منع مثل هذه الهجمات برمتها يقتضي التخلّي عن الحرية والانفتاح اللذين جعلا ألمانيا الحديثة موطناً يستحق الدفاع عنه. وهذا هو التحدي الأكبر الذي تجبهه اليوم ألمانيا والغرب.

* صحافية ألمانية . عن «نيويورك تايمز» الأميركية – إعداد علي شرف الدين