Beirut weather 18.57 ° C
تاريخ النشر August 5, 2025
A A A
أقصر الطرق لاندلاع الحرب مع «إسرائيل»
الكاتب: ناصر قنديل

كتب ناصر قنديل في “البناء”

– يجري تقديم سردية الحكومة لطرح عملية نزع سلاح المقاومة، تحت مسمّى حصر السلاح بيد الدولة، بينما الحكومة لا تجرؤ على الطلب من الجيش الاحتفاظ بأي سلاح حقيقي يحصل عليه من المقاومة، وهو مضمون حصر السلاح، بل هي تأمر الجيش بتدمير هذا السلاح، وهو ما سيلحق بالصواريخ الثقيلة إذا تمّ تسليمها بناء على طلب الحكومة، لأن الحكومة ملتزمة بدفتر شروط أميركي واضح، مضمونه التزام لبنان بعد امتلاك أيّ سلاح يزعج خاطر «إسرائيل»، ويسبّب لها القلق، وليس مهماً أن يكون هذا السلاح بيد المقاومة أو يد الجيش، فالقضيّة ليست أن أميركا تؤيد حصر السلاح بيد الجيش بل تطلب نزع أي سلاح يتسبّب بإزعاج «إسرائيل» من يد الجيش والمقاومة لا فرق.

– الواضح أنّه وفقاً لدفتر الشروط الأميركي الذي يلتزمه لبنان الرسميّ، على الحكومة الاكتفاء بسلاحها الاستراتيجي الذي تحدّث عنه بلغة الشعب العنيد والكبرياء والعنفوان رئيس الدبلوماسية اللبنانية الوزير يوسف رجي، وشرحه بالتفصيل، «من حسن حظنا أن أميركا تحبنا فنذهب ونبكي عند أميركا كي تضغط على «إسرائيل»»، لكن من سوء حظنا أن بكاء القائد الفذ الرجي لم ينفع، وهو أصلاً لم ينفع عندما استخدمه من هم أغلى على قلب أميركا من حكومة لبنان، وما حدث مع سورية يكفي لأخذ العبر وهي تملك كل الحب الأميركي وكل الدعم التركي وكل الغرام العربي، ولكن ذلك كله مع نهر الدموع المصاحب لم ينجح بمنع تحويل كل جنوب سورية بمساحة أكبر من مساحة كل لبنان إلى منطقة أمن إسرائيلية يمنع على الجيش السوري دخولها، كما لم يمنع قصف مقرّ وزارة الدفاع والمقرّ الرئاسيّ كي تكون الرسالة واضحة، لا لبس فيها.

– رغم كل هذا الوضوح تلتزم المقاومة في لبنان الحكمة والعقل، وتتحمّل الاستفزاز ولغة التحدي والتنمر، وقرارها الحاسم هو أن أحداً لن ينجح بتوريطها أو توريط الجيش اللبناني وجرّهما إلى الصدام، لكن السؤال هو ماذا عن وقع التموضع الحكوميّ الجديد في نظر أميركا و»إسرائيل»، وتأثيره على دفع أميركا للضغط على «إسرائيل» أو صرف النظر عن ذلك، وما هو التأثير على دفع «إسرائيل للتفكير بالانسحاب ووقف الاعتداءات أو تصعيد الاعتداءات والتمسّك بالاحتلال؟

– كانت الرسالة التي يقولها صمود الحكومة عند الربط الشرطيّ بين الانسحاب ووقف الاعتداءات من جهة وفتح ملف سلاح المقاومة من جهة موازية، هي أن أمام أميركا و»إسرائيل» فرصة لنيل فرصة محاصرة سلاح حزب الله، لكنها مشروطة بالانسحاب ووقف الاعتداءات، بينما الرسالة التي يوصلها تخلّي الحكومة عن هذه الشرطيّة وتناول الأمرين عبر مستويين منفصلين ولو أن البعض يتحدّث عن تفاؤل ساذج بأن نزع السلاح يسرّع الانسحاب ووقف الاعتداءات، فإن الحقيقة هي أن الحافز للتفكير بالانسحاب ووقف الاعتداءات قد سقط، وهو ربط البحث بالسلاح بتحقيق الانسحاب ووقف الاعتداءات، والذي حلّ مكانه حافز التمسك بالاحتلال وتصعيد الاعتداءات، باعتبار أن هذا هو ما نجح في دفع الحكومة إلى تغيير موقفها، وبدلاً من الضغط الأميركيّ على «إسرائيل»، كما تفترض الحكومة أن الحال كان في الشهور الماضية ولو لم ينجح، سوف يحلّ الضغط الإسرائيلي على أميركا للضغط معاً على لبنان طلباً للمزيد، وقد ثبت أن هذا الضغط يُجدي.

– التمسك ببقاء الاحتلال وتصعيد الاعتداءات أولى ثمرات التموضع الحكوميّ الجديد، أميركياً وإسرائيلياً ومعهما سلة ضغوط إضافيّة متعددة المجالات، فمن ينفع الضغط عليه في تغيير مواقفه فإن المزيد من الضغط سوف ينجح بتغيير المزيد من المواقف، وبالمقابل سوف تفقد المقاومة خطابها الذي كانت تبني عليه خيار التهدئة، فهي كانت تقول إنّها انسحبت من جنوب الليطاني لحساب الدولة وإن الدولة تتبنى الحل الدبلوماسي، لإنهاء الاحتلال ووقف الاعتداءات، والمقاومة لا تريد أن تربك خطط الدولة، طالما أن الدولة لا تمنح الأميركي والإسرائيلي الأمل ببحث مصير سلاح المقاومة من دون تحقيق شرط إنهاء الاحتلال ووقف الاعتداءات، وبعدما غيّرت الحكومة موقفها بماذا سوف تبرّر المقاومة صمتها على الاعتداءات والاحتلال،؟ وما دامت الدولة فقدت خطاب استخدام تأجيل البحث بسلاح المقاومة حتى يتحقق الانسحاب ووقف الاعتداءات، فما هو الضغط الدبلوماسي؟ بل بماذا تجيب المقاومة عن مبرر احتفاظها بسلاحها، ما دام الرهان على ما تقوم به الدولة لوقف الاعتداءات وإنهاء الاحتلال قد سقط؟ ما يعني أنه سوف يكون على المقاومة شيئاً فشيئاً تحمل هذه المسؤولية، والقيام بالرد على الاعتداءات، وما دام الإسرائيلي سوف يقوم بالتصعيد أملاً بتحقيق المزيد من الضغط وبالتالي المزيد من التراجعات، فهذا يعني أننا على موعد مع الاقتراب من عودة الحرب، ليس بالضرورة ضمن خطة، لكن الانزلاق الى الحرب سوف يصبح محتملاً أكثر من أي وقت مضى، وإذا وقعت الحرب وسقط اتفاق وقف إطلاق النار فإن الوضع في جنوب الليطاني نفسه قد لا يصمد أم لأن الإسرائيلي سيكرر ما فعله في سورية، أو لأن المقاومة ستجد أن ملعبها هو الحرب البرية وليس تبادل النار عن بُعد.