Beirut weather 18.54 ° C
تاريخ النشر December 2, 2019
A A A
أطراف السلطة يُصرّون على إعادة إنتاج نظام المحاصصة
الكاتب: حسن سلامه - الديار

وسط كل هذا الانهيار والفوضى والافلاس الذي اصاب لبنان ومعه كل اللبنانيين وبعد 46 يوما على انطلاق الانتفاضة الشعبية غير المسبوقة ما زال اهل السلطة بقواهم وطرافهم السياسية المختلفة يتجاهلون تجليات كل هذا الواقع المأزوم بل والاخطر لإعادة انتاج وتعويم نظام الفساد والمحاصصة السياسية والطائفية دون ايلاء مصير البلاد واهلها بعضا مما هو ضروري للحدّ من احتمال الوصول الى اعلان لبنان دولة مفلسة وفاشلة.
فالوقائع، ومعها كل ما لجأت وتلجأ اليه والقوى السياسية وبكل تلاوينها والمنضوين اليها، وفق سياسي من خارج الطبقة الحاكمة يؤكد عمق الازمة التي تضرب بنيان كل هذه الاطراف وليس فقط بنية النظام القائم، وكل تلك السياسات التي اوصلت البلاد الى هذا الانهيار وعمق الازمة الذي يضرب بنيتي النظام وقواه السياسية المتحكمة «برقاب اللبنانيين» ليست وليدة اليوم او الامس وانما تعيد انتاج نفسها وبالاخص ما بعد اتفاق الطائف (بدءا من مطلع التسعينات) ولكن هذه الازمة بات يستحيل حلحلة عقدها او الخروج منها في ظل تجربة السنوات الماضية، التي تميّزت بالاصرار على تجديد وانتاج نظام المحاصصة واعتبار هذه القوى ان البلاد واهلها هي «املاك خاصة» تستطيع التصرف بها بما يتلاءم مع مصالحها السياسية والحزبية، ولذلك لم تخرج سياسات هذه القوى السياسية عن امرين لا ثالث لهما:
الاول: ايصال البلاد في اوقات واستحقاقات مختلفة الى حدود الحروب السياسية التي استخدمت فيها كل اشكال الطرق والاجراءات التي معظمها تخرق القوانين والدستور لكي يصل كل فريق الى ما يعتبره حصصا وتقاسماً للجيبة والامثلة على هذه السياسات التي اوصلت الى الانهيار بالمئات بل بالالاف ومنها مثلا الارتهان لأجندات خارجية، تلطي اطراف السلطة وكل بحسب حساباته لعدم الانفتاح على سوريا لإعادة النازحين والاستفادة من هذه العلاقة لتحسين الوضع الداخلي، تعطيل مجلس النواب والحكومات وتشكيلها لفترات طويلة على خلفية تمترس كل فريق وراء سياسات التفرد من جهة والتلطي خلف تقاسم الحصص من جهة ثانية.
بل ان الصراع على الحصص والمغانم لم يستثن مرفقاً او قطاعا او خدمة عامة فكانت نتيجة كل ذلك شللاً في الدولة وفشلاً في المعالجات لأبسط الحياة اليومية للمواطن من كهرباء، وماء وقضاء مستقل… وقبل ذلك عدم الوصول الى قانون انتخابات عصري يتيح اخراج البلاد من انقساماتها المذهبية والطائفية.
الثاني: اما عندما تتلاقى مصالح القوى السياسية بما ينتج منه تقاسم الحصص وتوزيع المغانم السياسية والطائفية ويمثل هذا وذاك تقاسم الصفقات والمنافع في مرافق الدولة تصبح القاعدة بأن لا شيء يعلو على المصالح الشخصية والحزبية والطائفية، وكل مواطن ومهما كان انتماؤه السياسي والطائفي لمس كل ما حصل من صفقات على كل المستويات من الصفقات الاساسية على غرار ما حصل قبل سنوات بين الرئىس سعد الحريري ورئىس التيار الوطني الحر جبران باسيل وهذا المنطق شاركت فيه القوى السياسية الاخرى وما حصل من تمرير لالاف المراسيم في مجلس الوزراء- تعيينات على اساس المحاصصة – توزيع المال السياسي – الضرب بعرض الحائط للقوانين التغطية و«صمّ الاذان» عن كل ما كان حصل ويحصل حتى اليوم على كل انواع الصفقات وهدر المال العام والسمسرات والسيطرة على عمل القضاء والامثلة لا تعد ولا تحصى، اوصل البلاد الى هذا الانهيار المالي والنقدي والاقتصادي والحياتي فباتت الدولة ومرافقها ومؤسساتها ومالها العام، وحتى مصيرها، هي اشبه «بملك خاص» يتم التعاطي معها بما يخدم مصلحة هذا الفريق او ذاك وبما يؤمن ديمومة هذا المسؤول او ذاك الزعيم.
والاخطر، من كل ذلك، كما يؤكد المصدر السياسي المعارض، ان كل فريق يتبرأ «من دم الصديق» ولديه «جيش» من المنظرين الذين «يصلبون» خصومهم على ما فعلوه، بينما من ينظرون له من «شرفاء مكة بل لجأ ويلجأ كل طرف وفريق بعد الانتفاضة الشعبية الى سياسات اكثر خطرا من السياسات السابقة اعادت تذكير اللبنانيين بالحرب الاهلية، وحتى وجود طابور خامس يدفع الى الفتن المذهبية.
لذلك، فالسؤال الاخر، ماذا بعد هذا الانهيار الحاصل وهل ان المنطق الذي اعتمدته اطراف السلطة – المستقيلة وغير المستقيلة – يمكن ان يخرج البلاد مما تسير نحوه والمتمثل على الاقل بالفوضى الشاملة بعد «البروفا» الاولية التي شهدتها البلاد منذ ثلاثة ايام على مستوى قطاع المحروقات وفقدان هذه السلعة الحيوية؟
المصدر السياسي المعارض لا يرى في الافق مؤشرات للحؤول دون دفع البلاد الى الفوضى والافلاس وربما هناك خيارات أخطر من ذلك، في حال استمرار الذهنية نفسها والتعاطي نفسه والسلوك من قبل أهل السلطة المستمر حتى اليوم منذ انطلاق الانتفاضة الشعبية وما قبلها بفترات طويلة، ومن اهم واكثر مخاطر وصول البلاد الى قعر الهاوية الآتي:
1ـ لا احد يتحرك في الدولة، ومن كل المواقع لوضع ضوابط ولو بسيطة تحدّ من الانهيار والفوضى، وما حصل على مستوى فلتان سعر الدولار وتمنع الجهات المصرفية النقدية عن إمداد السوق بحاجاته الضرورية، بدءا من رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري وحكومته، الى كل الجهات الاخرى المعنية، بكل ما له علاقة بالشأن المالي وخدمات المواطن اليومية، بل إن ما جرى في الاسابيع الاخيرة من «تفلّت» لسعر الدولار وفقدانه يتم عن «سابق تصور وتصميم» تمرير ضرب سعر العملة الوطنية، ومعها ضرب القدرة الشرائية للمواطن، وبالتالي فخطة هؤلاء ايهام المواطن بان لا خيار آخر للانقاذ سوى بسياسة «فلتان» الدولار، وكأن الازمة جرى استيلادها في الاسابيع الاخيرة، ولم تأت بسبب النهب والمحاصصة والسياسات المالية والنقدية التي اعتمدت على افقار الناس وزيادة ثروات الاغنياء.
2ـ ان هذه الطبقة السياسية تتعاطى مع الانتفاضة الشعبية بما يتلاءم مع مصالحها واجنداتها، فالبعض اندفع «لركب موجة» الحراك لغاياته الخاصة، والبعض الآخر يراهن على تعب الناس، وما حصل في الاسابيع الاخيرة مع التحركات الشعبية دليل واضح على ذلك، حتى ان هذا الفريق عمل بتجاهل مطالب الناس المحقة عبر استغلال بعض الاخطاء، أو الاصوات الحاقدة، على قاعدة انه «يعمل من الحبة قبة»!
3ـ تعمق ازمة تكليف احدى الشخصيات لتشكيل الحكومة، ومعها التشكيلة الحكومية المنتظرة، فالاخطاء والشروط من الفريقين فاقمت من ازمة التأليف، فرئيس الجمهورية العماد ميشال عون يستمر في تأجيل الاستشارات النيابية الملزمة متكئاً على مقولة «الاتفاق المسبق على التشكيلة الجديدة وطبيعتها»، وهو تعاطى ولو ان الفريق الآخر يعتبره مخالفاً للدستور، الا انه ادى ويؤدي الى تعميق الخلافات حول الحكومة، اذ يستشعر خصوم العهد ان الاخير يسعى لفرض شروطه عليهم بما يتعلق بالتشكيلة الحكومية، واما الحريري ومن يدعمه بموقفه داخلياً وخارجياً، فيصرون على سياسة الهروب الى الامام لفرض شروطهم والشروط التي تضعها الولايات المتحدة، بهدف ليس فقط محاصرة المقاومة، بل ربط لبنان بصندوق النقد الدولي واملاءات وزارة الخزانة الاميركية.
4ـ كل من طرفي السلطة يجد التبريرات للاستمرار على نظام التقاسم المذهبي والطائفي بكل تجلياته السياسية وغير السياسية، ولذلك تتجاهل اطراف ما كان يسمى بفريق 14 آذار، ويلتقي معهم التيار الوطني الحر بضرورة اعتماد قانون انتخابي جديد خارج القيد الطائفي، فيما الآخرون يرفضون اجراء انتخابات مبكرة متلطين وراء انتخابات المجلس الحالي حصلت منذ فترة قصيرة!