Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر June 18, 2018
A A A
أزمة حصص تعوق التأليف أم أزمة عهد تبدأ من حكومته الأولى؟
الكاتب: سابين عويس - النهار

هل كانت العاصفة السياسية التي اثارتها تغريدة رئيس “اللقاء الديموقراطي” النائب السابق وليد جنبلاط وليدة ساعتها نتيجة المواجهة الحادة بين العهد وجنبلاط بفعل توجس الأخير من محاولة استهدافه وتقليص تمثيله الوزاري من اجل توزير النائب طلال ارسلان، أم أنها تذهب ابعد لتعكس أزمة عهد، دخل تياره السياسي في مواجهة مع كل المكونات السياسية، مهددا بضرب كل حظوظ انطلاقة حكومية فاعلة قادرة على مواجهة التحديات؟

على مدى يومين، انفجر اشتباك سياسي بالغ الخطورة بين “التيار الوطني الحر” والحزب التقدمي الاشتراكي على خلفية التغريدة الجنبلاطية التي تتهم العهد بالفشل.

وتكمن خطورة هذا الاشتباك في خروجه عن إطار الكلام السياسي بعدما ذهب رد ممثلي التيار الى حد فتح صفحة الماضي ونبش قبور الحرب الأهلية.

والمفارقة ان الناطقين باسم الرئاسة حصروا ردودهم بتغريدة جنبلاط، فيما كانت مرجعيتان روحيتان تطلقان انتقادات مماثلة وان بلغة غير مباشرة. فالانتقادات المبطنة التي وجهها كل من البطريرك الماروني مار بشارة الراعي او مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان لم تلق اي اعتبار، في حين فجر كلام جنبلاط موجة ردود خرجت عن إطارها، ما طرح علامات استفهام كبيرة ليس فقط حول مآل الحكومة العتيدة، بل حول مستقبل علاقات العهد بالقوى السياسية الاخرى، خصوصا ان “التيار الوطني الحر” دخل في خصومة او تباين مع غالبية المكونات السياسية، بمن فيها القوى الحليفة الاساسية، المنبثقة من تفاهم مار مخايل مع “حزب الله”، مرورا بتلك المنبثقة من تفاهم معراب مع “القوات اللبنانية”، وصولا حتى الى تيار ” المستقبل”، بعدما بدأ رئيس التيار، رئيس الحكومة المكلف يستشعر عبء تحالفه مع العهد على حساب حلفائه التقليديين المنضوين تحت شعار ما كان يعرف بقوى ١٤ آذار.

يستغرب النائب السابق غازي العريضي حجم الحملة التي شنت على جنبلاط، متسائلا “ألم يعد في امكان زعيم بحجم وليد جنبلاط ان يعبر عن رأيه بكلام سياسي، لتُفتح في وجهه جراح الحرب ونتوءاتها؟”، ويستطرد بالسؤال عن الأسباب التي تحول دون بقاء النقاش ضمن مستوى الخطاب السياسي، بحيث يكون الرد على الكلام عن الفشل، بالوقائع التي تدحض ذلك، بدلا من العودة الى ماضي الحرب؟”.

يكرر العريضي ما يمكن سماعه على لسان عدد غير قليل من القيادات السياسية، وفيه ضرورة التنبه لمسألة جوهرية تحكم لبنان وتتمثل بأن أي فريق مهما علا شأنه، غير قادر على احتكار السلطة او القرار. فكل خطاب يقابله خطاب وكل شارع يقابله شارع، والاحتكام الى لغة الحرب لا يولد الا الحرب.

أما مسألة العهد القوي برئيسه، فلا يلقى مفهومها قبولا عند العريضي الذي يكشف انه بعد الطائف لم يعد رئيس الجمهورية هو من يحكم البلاد. وأي تنازل من رئيس الحكومة عن صلاحياته لا يلزم القوى السياسية الاخرى الخروج عن مفهوم الدستور وما يمليه في هذا الشأن، داعيا الى العودة الى الدستور لانتظام عمل المؤسسات ضمن صلاحياتها.

بهذا التوضيح، يفهم من كلام العريضي ان موقف جنبلاط لا يحتمل تأويلا ولا يخرج عن إطار الكباش السياسي الحاصل اليوم على خلفية تشكيل الحكومة.

ولكن إذا كانت العقدة الدرزية قد بلغت ذروتها في اليومين الماضيين، فإن العقد على الجبهات الاخرى ولا سيما المسيحية ليست افضل حالا. من هنا، فإن الحريري لا يبدو مستعجلا لإنجاز التشكيلة الحكومية.

وثمة في الاوساط السياسية العالمة بخفايا الامور من يتوقع ان يأخذ وقته، مستعيدا تجربة الرئيس تمام سلام الذي استغرق اكثر من عشرة أشهر لتأليف الحكومة، مع فارق مريح للحريري انه رئيس حكومة تصريف الاعمال ورئيس حكومة مكلف، خلافا لسلام الذي كان يتولى رئاسة الحكومة خلفا للرئيس نجيب ميقاتي.

بهذه الحال، يملك الحريري كل الوقت ليعيد النظر في كل التركيبة المحيطة به وبتحالفاته، في حين ان الوقت ليس لمصلحة العهد الذي ينظر الى هذه الحكومة على انها حكومة العهد الاولى. وفي حين ينتظر منه ان يسخر كل الجهود لولادتها، من اجل إطلاق ورشة العمل التي يعد بها، يبدو غارقا في حسابات داخلية باتت تشكل اعباء كبيرة تضغط سلبا على صورته، وليس آخرها تهديد النائب سليم عون بعدم الانخراط في الحكومة ما لم تعالج أزمة النازحين السوريين.

وعليه، لم تعد مشكلة التأليف متوقفة عند أزمة الحصص الوزارية، او أزمة الملفات المتفجرة في وجه العهد مثل التجنيس والنزوح والبواخر والنفايات، بل أصبحت أزمة عهد يقترب بخطى ثقيلة من طَي صفحة عامه الثاني، وهو في انتظار ولادة حكومته الاولى!