Beirut weather 13.54 ° C
تاريخ النشر August 3, 2019
A A A
أزمة أطلقت المعارضة من ضوابطها
الكاتب: روزانا بومنصف - النهار

على رغم رمي رئيس مجلس النواب نبيه بري موضوع تلاوة الرسالة التي وجهها رئيس الجمهوية العماد ميشال عون الى 17 تشرين الاول المقبل، وهو ما يفترض ان يخفف وطأة التشنج المتفاعل راهنا على الاقل، فإن الامور لا تسلك مسارا هادئا في ضوء ردود فعل سلبية قد لا تطفو كلها الى العلن لاعتبارات متعددة، من بينها عدم الانجرار الى مواضيع ثانوية تبعد الانظار عن الاستهدافات من حادثة البساتين وأبعادها. وردود الفعل السلبية هذه تقوم على جملة عوامل يتصل بعضها بالمنحى التقني لرسالة رئيس الجمهورية، الذي وإن كان من حقه الدستوري توجيه رسالة الى مجلس النواب، فإن هناك ملاحظات قوية إزاء طلبه تفسير مجلس النواب مادة دستورية هي المادة 95. ويقول النائب السابق والدستوري الكبير حسن الرفاعي أن هناك خطأ في طلب تفسير مادة دستورية من مجلس النواب، لان لهذا الاخير ان يتخذ قرارا وليس قانونا باكثرية موصوفة (ثلثا اعضائه) لتفسير مادة او نقطة دستورية، وهذا القرار يلزم المجلس ولا يلزم أيا من القضاء الدستوري او المحاكم اللبنانية على انواعها، او اساتذة الجامعة اللبنانية، ولا يخضع لمصادقة رئيس الجمهورية ولا ينشر في الجريدة الرسمية مع القوانين. هذا في الشكل. اما في المضمون، فإن طلب تفسير المادة 95 يثير منذ الآن علامات استفهام كبيرة ازاء الدفع في اتجاه تعديل الدستور الذي له آلية مختلفة، ولكن في الوقت نفسه فإن إثارتها على خلفية المادة 80 من الدستور المتعلقة بالناجحين في مجلس الخدمة المدنية والهروب من الاحراج الذي وقع فيه التيار العوني في الموافقة عليها في مجلس النواب الى طلب تفسير المادة 95، يخشى ان تثير اشكاليات طائفية على خلفية السعي الى تعديل دستوري بالممارسة او بقرار في مجلس النواب لمادة دستورية نص عليها اتفاق الطائف. فالمخارج التي تقدم لرئيس الجمهورية من اجل تفادي مآزق معينة تساهم في زيادة الازمات بدلا من تخفيفها، خصوصا أن لا شيء ملحا او طارئا او حتى مجحفا يقتضي فعلا تصعيد المطالبة المسيحية بحقوق يقول فريق رئيس الجمهورية إنها مهدورة في هذا التوقيت بالذات على الاقل، اللهمّ باستثناء انطلاق الحملات بقوة من أجل الرئاسة الاولى، وخصوصا أن المواقف التصعيدية هي التي تسببت بحادثة البساتين في الجبل كما في حوادث اخرى سابقة اضطر فيها رئيس الجمهورية الى أخذ أمور المعالجة بنفسه كما في موضوع المواجهة مع الرئيس نبيه بري مثلا. هذه المواقف الرامية الى إحراج الجميع، بمن فيهم الزعماء المسيحيون، اما من اجل المزايدة وإما المواكبة وفق ما تبدو مواقف البعض لاعتبارات مسيحية داخلية، أدت في الوقت نفسه الى تداعيات خطيرة على مستوى تعاظم الغضب من الطوائف الاخرى، ولا سيما الطائفتين السنية والدرزية، ما يخشى معه من مفاعيل في اتجاهات متعددة من بينها: اولا انه اذا كانت بدأت فعلا معركة الرئاسة كما اطلقها الوزير جبران باسيل، فان انطلاق هذه المعركة يعني ان الساحة لن تترك له بعد الان كما في الاعوام الثلاثة الاولى من ولاية رئيس الجمهورية، لان العد العكسي للنصف الثاني من الولاية قد بدأ. ثانيا، اذا كانت ادارة الحكم ستتوالى بالطريقة التي أديرت فيها الامور سابقا في فترة رأى فيها سياسيون كثر انها فترة سماح لا بد منها واعطاء فرصة لانطلاق ولاية الرئيس عون، ولو ان كثرا لم يشاؤوا ربما وصوله الى الرئاسة، وكذلك الامر بالنسبة الى إعطاء فرصة لتسوية رئاسية تفسح أمام فترة هدوء ومعالجة اقتصادية في البلد بعد عامين ونصف من عام من التعطيل الرئاسي، فإنه يخشى ان تسقط هذه الاعتبارات، خصوصا ان تعطيل تأليف الحكومة ثم تعطيل اجتماعها والمماحكة من اجل إصدار الموازنة ترك انطباعات ان هناك اهدافا خفية يسعى اليها البعض. هذه الاعتبارات قد تدفع بأفرقاء سياسيين الى التخلي عن الضوابط التي التزموها في المرحلة السابقة، خصوصا إذا كان القريبون من رئيس الجمهورية يخوضون حروبا في اتجاهات عدة في اطار السعي الى تعزيز اوراقهم للرئاسة الاولى. وقد بات واضحا ان الحوافز لنشوء معارضة سياسية باتت قوية، وقرأها البعض في المواقف المتقدمة والصريحة جدا التي عبر عنها رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، وتميزت بعناصر المعارضة التي لم يعد ممكنا تجاهلها في ضوء ردود فعل سلبية طوائفية على سياسات واداء سلطويين خطيرين، خصوصا في ضوء تفاعلات حادثة البساتين الرامية الى تحجيم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وضرب نفوذه لأهداف وغايات مختلفة، أو التضييق على صلاحيات رئيس الحكومة سعد الحريري وموقعه، وهو أمر يمكن ان يستفيد منه بقوة خصوم رئيس التيار العوني الذي راكم الخصومات في اتجاهات متعددة، بحيث يرى سياسيون كثر أن الامور في المرحلة المقبلة قد تشهد ردود فعل على كل تطور او محطة على نحو لم يكن معمولا به في الفترة السابقة.

هذا التأزم الخطير في الشأن السياسي، إن كان اصيلا لاهداف معينة او كان بديلا بحيث يشكل واجهة لاطراف او افرقاء آخرين، يخشى ان يكون ساهم في اخذ البلد الى مكان آخر، إذ إن الهروب الى الامام في تصعيد قضائي او سياسي قد ينذر بالاسوأ، خصوصا متى فتحت هذه المعارك على خلفية الاستهانة بالوضعين الاقتصادي والمالي الصعبين جدا. وخطورتهما تم التعبير عنها في رد الفعل على الكلام الذي القاه رئيس الجمهورية بارتفاع كلفة التأمين على ديون لبنان الى درجة قياسية تخطت تلك التي عرفها لبنان ابان اعلان الرئيس الحريري استقالته من الرياض في 2017 او ابان حرب تموز. لذلك فإن السؤال هو هل يدفع البلد؟ وكيف يحمل المسؤولون المعنيون كلفته للبنانيين؟