Beirut weather 21.32 ° C
تاريخ النشر November 26, 2017
A A A
”أبو طاقية“.. في قبضة الجيش اللبناني كنزٌ ثمين
الكاتب: علي الحسيني - الأفكار

منذ انتصار الجيش اللبناني على الجماعات الارهابية وطردها عسكرياً، خارج الحدود اللبنانية، يسير لبنان شيئاً فشيئاً على طريق تكريس الأمن وتثبيت الاستقرار مما ينعكس ايجاباً في نفوس اللبنانيين الذين وباعترافهم، بأنها المرّة الأولى منذ زمن طويل يعيش البلد هذه الحالة المستقرة أمنياً واجتماعياً من دون وقوع أحداث مؤلمة كالتفجيرات التي سبقت أن اجتاحت لبنان لفترة طويلة وجعلت منه نقطة استهداف متكررة ذهب ضحيتها مئات الأبرياء. وآخر السير على طريق تثبيت الأمن وليس أخره بالطبع، كان القاء القبض على المدعو مصطفى الحجيري المعروف بأبو طاقية في منزله في بلدة عرسال الاسبوع الماضي.

الدور الذي لعبه أبو طاقية
قبل وقوع معركة جرود عرسال بأيام قليلة، توجه أبو طاقية إلى الجرود عبر محلة وادي حميد في عرسال برفقة أحد أبنائه، لمناقشة آخر أفكار الوساطات، متسلحاً بالضغط الذي وصل إلى صفوف المسلحين. يومها كانت حالة التململ واضحة لدى مسلحي جبهة النصرة وكانت خرجت رائحة تُفيد بإمكانية حصول انقسام داخل المجموعات المقاتلة وتحديداً بين الأخيرة وهيئة تحرير الشام الفصيل التابع للجيش السوري الحر، التي أصرت يومها على الخروج من الجرود بأي طريقة وتحت بنود أي صفقة، إلا أن تعنّت أمير النصرة في القلمون أبو مالك التلي هو الذي أخّر الصفقة مع حزب الله. ويومها قيل إن حراك أبو طاقية وخروجه من مربعه الأمني باتجاه الجرود، وإفساح الجيش المجال أمامه للعبور إلى الجرود عبر معبر محلة وادي حميد، ليس إلا دليلاً على دخوله خط الضغط على التلّي لما يتمتع به الحجيري من قدرة على فرض كلمته على التلي والتنظيم، ومنها كان إطلاق من يحدده من العسكريين المخطوفين السابقين مع زيارات لذويهم وحتى وقوفه بين مسلحي جبهة النصرة بشكل علني خلال عملية المقايضة وتسليم المخطوفين من عناصر قوى الأمن الداخلي، مقابل موقوفين في السجون اللبنانية.

كان أبو مالك التلي قد اتخذ قراره النهائي بالإنسحاب من الجرود عندما استدرك أبو طاقية أن ثمة شيئاً يُدار في الخفاء أو من وراء ظهره، استشعر مفتي النصرة خطراً على حياته وأنه سينكشف أمنياً في حال انسحبت النصرة وتركته وحيداً في عرسال وجرودها. توجه أبو طاقية مع شخصين يومها إلى حيث يوجد التلي ودار نقاش حاد بينهما كشفه شريط مصوّر لاحقاً يظهر فيه أبو طاقية وهو يُهدد بالانتقام من الجيش في حال دخوله عرسال، واتهم التلي بالخيانة وبأنه ترك أهالي عرسال يواجهون مصيرهم، لكن التلي ومخططه كانا في مكان آخر، في مكان يُمكن له أن يوصل اليه ثروته الكاش وهي عبارة عن ثلاثين مليون دولار جمعها من الفديات والسرقات والصفقات.

هو مقطع فيديو لجلسة مفاوضات عقدت بين الشيخ مصطفى الحجيري مع أمير جبهة النصرة في القلمون أبو مالك التلة وأعضاء من هيئة علماء المسلمين سرّب الى تلفزيون الجديد. الشريط الذي صوّرته الجبهة نشر وتداوله الإعلام، مع التركيز على كلام أبو طاقية عن استعداده للقتال ضد الجيش. في معرض دفاعه عن نفسه يومذلك، صرح أبو طاقية عبر الاعلام، بأن الشريط يعود إلى آب عام 2014، يوم جرى التفاوض حول اطلاق سراح عسكريين لبنانيين مُختطفين. وقال يومذاك، إن ما جرى تداوله على التلفزيونات، هو مقاطع محذوفة من حوار طويل امتد لساعات، وأن التلي عادة، كان يُصور جميع اللقاءات التي كان يُجريها ويقوم بتوثيقها على يو آس بي. واعتبر يومها أن تهديده للجيش، جاء على خلفية ما كان يبثه حزب الله بأنه والجيش سوف يذبحون العراسلة عندما يدخلون إلى عرسال بعد طرد المسلحين منها.

اعتقال أبو طاقية
المعروف أنه، ومنذ انتهاء الوجود الإرهابي في الجرود اللبنانية، انقطعت الأخبار والمعلومات عن أبو طاقية وغابت معه المعلومات التي تدل على مكان وجوده على الرغم من المعلومات التي كانت تؤكد أحياناً أنه لا يزال داخل المسجد الذي يضم في المبنى نفسه منزله العائلي، وترددت أخبار تقول إنه أصبح خارج لبنان وذلك من خلال صفقة مع اطراف لبنانية. كثيرة هي الأخبار التي تناقلت عن هذا الرجل لفترة تزيد عن شهرين وربما ثلاثة، وربما هذا الأمر هو الذي جعله يتراخى في بعض الأحيان بأمنه الشخصي ظناً منه بأن فترة مراقبته قد انتهت خصوصاً في ظل وروده معلومات كانت تؤكد له أنه أصبح بعيداً كلياً عن المراقبة وأن محيط منزله أصبح خالياً تماماً من وجود المخبرين وقلّة الحركة فيه. وهذا ما أدخل الطمأنينة إلى قلبه في الفترة الأخيرة، وأصبح يتنقل براحته. مع العلم أن مصادر امنية أكدت للأفكار، أن مخابرات الجيش كانت أكثر من مرة على وشك ان تُلقي القبض عليه، لكنها كانت تُعيد حساباتها لمجرد شكوكها بوجود مدنيين في محيط المكان الذي يوجد فيه، وأكثر ما كانت تخشاه، أن يتخذ من بعض هؤلاء المدنيين، رهينة لديه أو احتمالات أخرى كأن يكون مُزنراً بحزام ناسف.
تقول المعلومات، ان مخابرات الجيش توصلت لمعلومات أكيدة تشير الى وجود الحجيري في منزله الذي يضم الى جانبه مسجداً ويشكلان معاً ما يشبه المجمع السكني وأن الوضع آمن حيث لا يوجد مدنيين أو ما يُمكن ان يُعيق عملية القبض عليه. على الفور توجهت دورية من المخابرات الى المكان وعثرت على أبو طاقية نائماً في الطابق الثاني من منزله حيث توجد المكتبة، فأيقظته واعتقلته. ويعتبر أبو طاقية، كنزاً ثميناً لما يحويه من معلومات أمنية حول عمل الجماعات الارهابية في لبنان وسوريا، فملفاته الأمنية عديدة كونه يملك أسراراً حول المقايضات والصفقات التي كانت تجري على حساب لبنان والعسكريين، بالإضافة الى أسماء بارزة متورطة بملف الجرود من دون الغياب عن نقطة غاية في الأهمية، السلاح الذي كان يصل إلى النصرة وكيف كان يتم تهريبه.

وتكشف المعلومات أن العمل الأبرز الذي كان يتولاه أبو طاقية هو إشعال الفتنة السنية الشيعية، فأوكلت اليه هذه المهمة بطلب خارجي، لافتة النظر الى أن إعدام النصرة للجنديين محمد حمية وعلي البزال، كان بطلب وإلحاح منه، اذ هدد وقتها بأن عدم تنفيذ هذا الطلب سيجعله يسلّم عرسال للجيش اللبناني، وذلك ظناً منه أن قتل إبن عشيرة حمية والبزال سيشعل البقاع وسيطلق عمليات الأخذ بالثأر في تلك المنطقة التي تضم شرائح واسعة من السنة والشيعة. ويوم اعتقل ولده عباده الحجيري في الأول من أيلول الماضي، علم أبو طاقية أن قرار اعتقاله قد اتخذ وأن شيئاً لن يثني الجيش عن ذلك، فأصبح يتنقل من مكان لآخر تحت جنح الظلام ودخل مرات عديدة لمخيمات اللاجئين السوريين للاختباء. وهنا تؤكد المعلومات أنه حتى النازحين السوريين، رفضوا إيواءه خوفاً من ان تنقلب الأمور عليهم.

بيان وإشادة ومواقف من أبو طاقية
بعد القاء القبض عليه، أوضحت مديرية التوجيه في قيادة الجيش في بيان أنه بنتيجة المتابعة والتقصّي، أوقفت قوة من مديرية المخابرات فجر اليوم في بلدة عرسال، المدعو مصطفى الحجيري الملقب بأبو طاقية. وقد بوشر التحقيق معه بإشراف القضاء المختص. وعلى الخط نفسه، أطل وزير الدفاع الوطني يعقوب الصراف ببيان نوّه فيه بـالإنجاز الامني الذي حققته مديرية المخابرات في الجيش اللبناني من خلال القاء القبض على ابو طاقية، مشيراً إلى أن هذا الانجاز يضاف الى سلسلة الانجازات التي يحققها الجيش والتي تثبت دون أدنى شك حرص المؤسسة العسكرية وسهرها على حفظ أمن الوطن والمواطن وتؤكد أن أي مطلوب أو ارهابي لن يبقى حراً طليقاً. وجدد التأكيد على أن أمن لبنان بخير بفضل جهوزية جيشه الوطني، مشدداً على دعم المؤسسة العسكرية والوقوف الى جانب القوى الامنية في كل ما تقوم به من اجل حماية الامن والاستقرار.

بعض مؤيدي أبو طاقية في عرسال، يعتبرون أنه لعب دوراً بارزاً في ملف العسكريين المخطوفين لدى داعش وجبهة النصرة في آب 2014 وأنه عمل في أكثر من مرة على إخراج عدد من العسكريين الذين كانوا محتجزين لدى جبهة النصرة وكان له دور بارز في المفاوضات التي أدت إلى تحقيق صفقة النصرة والدولة اللبنانية والتي أدت إلى خروج 16 عسكرياً كانت تحتجزهم النصرة إلى الحرية أواخر عام 2015، اي بعد سنة على اختطافهم. ويعتبر هؤلاء أن أبو طاقية ساهم في إنقاذ عدد من العسكرين الذين كانت تنوي جبهة النصرة قتلهم، كما ساهم في زيارة عدد من الأهالي في أكثر من مرة لأبنائهم أثناء فترة الخطف. لكن بعض العراسلة يتهمونه بأنه المتسبب في خطف العسكريين وبأنه من كان يُفتي بقتلهم وأنه كان الحاكم بأمره في الجرود ومن عنده كانت تصدر الفتاوى التي تدعو إلى الهجوم على الجيش وبأنه ساهم شخصياً بقتل عدد من العسكريين وتحديداً وقوفه وراء فتوى اعدام العسكري الشهيد علي البزال.

الحجيري: هناك قضاء وعدالة
في السياق نفسه، يُشدد رئيس بلدية عرسال باسل الحجيري على أن الوضع الأمني في عرسال جيد وأكثر من جيد، وأي إجراء تقوم به الدولة في البلدة لا يكون هناك اي ردة فعل. كما أن أهالي عرسال في الأساس هم مع الدولة وإلى جانبها ولسان حالهم اليوم أن تشمل حملة تطبيق القانون والتوقيفات هذه جميع المناطق دون تمييز لأن هناك مخلين بالأمن في غير عرسال ايضاً. ولفت إلى أن هذا مطلب أهالي عرسال الذين هم تحت سقف الدولة والقانون وهم مع جميع الإجراءات المتخذة من قبل أجهزة الدولة الأمنية والعسكرية وهم يرحبون بهذه الإجراءات ويؤيدونها، مشيراً إلى أن الأهالي مؤمنون بأن هناك قضاء وعدالة سوف تأخذ مجراها والحقيقة سوف تظهر وكل إنسان يأخذ حقه والإنسان المذنب يأخذ عقابه.

وأمل الحجيري أن تتوسع هذه الإجراءات إلى باقي المناطق اللبنانية ويعمم تطبيق القانون على الجميع من دون إستثناء وإلا سيؤثر هذا الأمر على الثقة ما بين الدولة والأهالي، مشدداً على أن اليوم الثقة كبيرة بالدولة وأجهزتها ومؤسساتها الأمنية والعسكرية والقضائية ولكن إن لم يتم تنفيذ هذا الأمر على كل الناس فستصبح هناك علامات استفهام كبيرة وتساؤلات وشكوك نحن بغنى عنها. ودعا إلى رفع الغطاء عن جميع المخلين بالأمن والاستقرار في جميع المناطق وأن لا يكون هناك غطاء على ناس من قبل أي جهة، فأهالي عرسال تحت سقف الدولة والقانون وهم عادوا إلى أرضهم ولكن هناك بعض الإجراءات المتخذة من قبل الجيش على الحواجز والتي تأخر وصولهم إلى اراضيهم بعض الشيء ولكن على الرغم منذ ذلك فإن العودة إلى الأرض والإهتمام بها من جديد ولد ارتياحاً كبيراً لدى الأهالي.

دليل إضافي.. ماذا حصل في 2 آب؟
في الثاني من شهر آب من العام الجاري، روى أحد الموقوفين لدى الأمن العام اللبناني السوري عبدالله يحيى رحمة بالتفصيل ما رآه بأم عينه في عرسال. حينذاك كان ابن الـ25 عاماً الهارب من القصير مقاتلاً في صفوف فجر الإسلام بقيادة عماد جمعة. يومها ما إن سمع رحمة بخبر توقيف رئيس مجموعته عماد جمعة عند حاجز وادي حميد، حتى هرول مسرعاً إلى السوري يحيى الحمد الملقّب بأبو طلال ليؤكّد له خبر إلقاء القبض على جمعة، مطمئناً إياه في الوقت عينه الى أنّه يفاوض رئيس بلدية عرسال لإطلاق سراحه. بعد ساعات قليلة، وردت معلومات إلى أبو طلال تشير إلى أنّ جمعة ما زال موقوفاً في إحدى غرف حاجز وادي حميد، فسارع إلى الطلب من السوري عمر دباح الحسين الملّقب بالعمدة وهو محسوب على النصرة أن يتدخل لإطلاق جمعة.

على الفور، توجّه العمدة على رأس مجموعة مؤلّفة من 150 مسلحاً كان رحمة من بينهم تابعين للواء فجر الإسلام إلى منطقة الملاهي في خراج عرسال، على متن سيارات بيك اب. وبعد تبادل لإطلاق النار مع عناصر الحاجز وإصابة خمسة منهم، تراجع هؤلاء إلى خلف الملاهي. كان خبر نقل عماد جمعة من عرسال قد بات يقيناً، فقامت مجموعة من المسلحين بالهجوم على المهنيّة، حيث استشهد ضباط وعناصر تابعون للجيش. وبعدما ساعات تحوّل مخفر درك عرسال إلى هدف للإرهابيين، حيث قامت مجموعة تابعة للنصرة باقتحام مخفر قوى الأمن الداخلي في البلدة. حينها، شمّر أبو طاقية عن ساعديه وشارك شخصياً في خطف الدركيين الـ15 ليتم نقلهم إلى المستشفى الميداني الذي يديره الحجيري وهو يقع إلى جانب المبنى نفسه الذي يسكنه، وبعد ذلك تولى نحو 40 مسلحاً من النصرة اقتياد الدركيين إلى المسجد وهو أيضاً في مبنى أبو طاقية.