Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر December 9, 2019
A A A
آلية الإستشارات الملزمة… بين النص والتطبيق
الكاتب: أكرم حمدان - نداء الوطن

بمعزل عن المناورات السياسية بين قوى السلطة من أجل الوصول إلى تفاهمات واتفاقات من تحت ومن فوق الطاولة، حول تركيبة الحكومة العتيدة قبل البدء بالإستشارات النيابية الملزمة، وبمعزل عن التطورات التي شهدتها الساعات الأخيرة عشية الإستشارات التي كانت مقررة قبل ظهر اليوم في قصر بعبدا، برزت خلال الأيام الأخيرة أسئلة حول الآلية الدستورية لهذه الإستشارات، خصوصاً أن النص الوارد في الفقرة الثانية من المادة 53 يقتصرعلى عبارة “يُسمي رئيس الجمهورية رئيس الحكومة المكلّف بالتشاور مع رئيس مجلس النواب إستناداً إلى إستشارات نيابية ملزمة يُطلعه رسمياً على نتائجها”.

ومن الأسئلة المطروحة في هذه المرحلة التي لم يسبق أن حصل مثيل لها منذ سنوات: هل يمكن أو يحق لرئيس الجمهورية تأجيل الإستشارات؟ وبناءً على ماذا؟ وما الذي يحصل لو تمت الإستشارات وتبارز أكثر من مرشح وتوزعت الأصوات النيابية بينهم ولم ينل أحدهم الأكثرية المطلقة؟
يقول الخبير الدستوري والمحامي سعيد مالك لـ”نداء الوطن”: “يمكن لرئيس الجمهورية إرجاء الإستشارات لأسباب أمنية أو لمزيد من التشاور، وعندما تحصل الإستشارات تمر بمراحل عدة تبدأ بذهاب النواب إلى القصر الجمهوري ومن ثم تسمية إحدى الشخصيات أو عدم التسمية والإكتفاء بتحديد مواصفات للرئيس المكلف وللحكومة كما يمكن تسمية أكثر من إسم، ولكن ما هو مرفوض ولا يجوز دستورياً هو تفويض رئيس الجمهورية في هذه الحالة”.
ويرى مالك أن “المطلوب أيضاً مراعاة تسمية النواب والميثاقية وفقاً للفقرة “ي” من مقدمة الدستور، لجهة أن تنال الشخصية التي ستُكلف تشكيل الحكومة أصوات بيئتها أو تسمية أكثريتها وبالتالي لا يمكن تكليف شخصية قد تنال عدداً أكبر من أصوات النواب ولكنها لم تتمتع بأصوات بيئتها الطائفية”.
ويؤكد الخبير الدستوري أن “ما هو معتمد حصول المرشح على الأكثرية المطلقة أي 65 نائباً إنطلاقاً من القياس خصوصاً المادة 34 التي تتحدث عن قانونية إجتماع مجلس النواب وفقاً للأكثرية”.
أما الخبير الدستوري المحامي بول مرقص فيقول لـ”نداء الوطن” إنّ “هناك إجتهادات دستورية مختلفة في هذا المجال، وبمعزل عن رأيي الشخصي، فإن الرأي المستقر يأخذ بالأكثرية المطلقة في موضوع تسمية رئيس الحكومة المكلف”.
ولفت إلى أن “الخشية هي في إمكانية توزع الأصوات بحيث لا ينال أحد من المرشحين الأكثرية المعتمدة وبالتالي سنكون أمام تعذر في التسمية، ولكن على رئيس الجمهورية بعد التشاور مع رئيس مجلس النواب، أن يُعلن النتائج مهما كانت ومن ثم يذهب إلى تحديد موعد جديد للإستشارات مع إعطاء مهلة إضافية من أجل تأمين الأكثرية المطلوبة”.
ويشير إلى أن “النص الدستوري غير واضح في هذا المجال ويحتمل معنى آخر كما أن التفسير المعتمد يترك الأمور مفتوحة على إحتمالات غير محسوبة النتائج”، متسائلاَ: “لماذا لا يعتمد من ينال العدد الأكبر من الأصوات من بين المرشحين وتبقى العبرة في نجاحه في تشكيل الحكومة ونيلها ثقة مجلس النواب، حيث يُكرم الرجل أو يُهان بعد 30 يوماً أمام مجلس النواب”.
وختم مرقص متسائلاً :”ماذا لو أعيدت الإستشارات ولم تُفلح في حصول أحدهم على الأكثرية، فهل يتعذر تكليف رئيس الحكومة؟”.
ويتفق الخبيران وغيرهم من الخبراء الدستوريين على أن حق النواب في إعطاء أكثر من إسم قد يُرجح كفة من لم يحصل على أكثرية الأصوات من الناحية العددية ولكنه يكون قد نال أكبر عدد من تسمية النواب من دون الوصول إلى الأكثرية المطلقة أي 65 صوتاً.
مرة جديدة، ومع كل أزمة يتكشف المزيد من ثغرات بنية النظام وآليات تطبيقه التي باتت تحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى نقاش بنّاء هادئ.