Beirut weather 29.1 ° C
تاريخ النشر April 17, 2025
A A A
آفاق حرب الإبادة «الإسرائيلية» على غزة: بين الضغط العسكري والحصار وقدرة المقاومة على الصمود
الكاتب: حسن حردان

كتب حسن حردان في “البناء ”

 

 

بدأت الحكومة “الإسرائيلية”، بعد انقلابها على اتفاق وقف النار وتبادل الأسرى في مرحلته الثانية، تهرّباً من الموافقة على وقف الحرب والانسحاب من قطاع غزة، بدأت اعتماد استراتيجية تقوم على التشدّد في السعي إلى تحقيق أهداف حربها المتمثلة في القضاء على حركة حماس وبقية حركات المقاومة كشرط لإنهاء الحرب، مع استمرار العمليات العسكرية المكثفة التي أدّت إلى تدمير أكثر من سبعين بالمئة من مباني القطاع، وفقاً لتحليلات صور الأقمار الصناعية. كما أعلنت عن السيطرة على 10% من أراضي غزة كمناطق عازلة وفرض حصار خانق على القطاع، وتهديدها بتكثيف الهجمات إذا استمرت حماس رفض صفقة تبادل الأسرى وفق الشروط الإسرائيلية..

ومع ذلك، تشير تقارير إلى أنّ قدرات حماس العسكرية لم تُشلّ بالكامل، لا سيما مع وجود شبكة أنفاق تحت الأرض وقدرتها على إعادة التموضع وتعزيز جاهزيتها على أنّ استمرار الضغط العسكري “الإسرائيلي” مصحوباً بالحصار الشديد طرح السؤال حول مدى قدرة حركات المقاومة على الصمود؟

التقارير والمعطيات تشير إلى أنه رغم الخسائر البشرية والمادية الكبيرة التي أدّت إلى استشهاد وجرح أكثر من 200 ألف فلسطيني، بحسب وزارة صحة غزة، لا تزال حماس تحتفظ بسلطة فعلية على الأرض، وتدير جوانب من الحياة اليومية عبر أجهزتها الأمنية والمؤسسات المدنية المتبقية. كما تتمسك الحركة بشرط أساسي لأيّ اتفاق وهو ضمان وقف دائم لإطلاق النار والانسحاب الكامل لقوات الاحتلال الإسرائيلية من غزة.. وقد نجحت حركة حماس وباقي فصائل المقاومة في الاستفادة من فترات الهدوء وإعادة تنظيم صفوفها، ما يعزز قدرتها على الاستمرار في حرب العصابات ضد قوات الاحتلال في حال عادت وتوغلت قوات الاحتلال في قلب أحياء قطاع غزة.

لكن هل أثرت التحديات الإنسانية والحصار على تأييد الشارع الفلسطيني للمقاومة؟

يعاني القطاع من أزمة إنسانية غير مسبوقة، حيث نزح 1.9 مليون مواطن فلسطيني، وتدمير 70% من الوحدات السكنية، وانهيار البنية التحتية للكهرباء والمياه والصرف الصحي. كما يواجه 90% من السكان انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، مع تقليص المساعدات الإنسانية بنسبة كبيرة. رغم ذلك، يُشير تحليل معهد “INSS” الإسرائيلي إلى أنّ الحصار لم يُضعف الشرعية الشعبية لـ حركة حماس بشكل كامل، بل عززت صمودها كرمز للمقاومة.

في المقابل فإنّ الضغوط الداخلية التي تواجه الحكومة “الإسرائيلية” تتزايد خصوصاً مع توقيع أكثر من مائة ألف “إسرائيلي”، بينهم آلاف الضباط والجنود من الاحتياط، عريضة تدعو لوقف الحرب في غزة ما أثار أزمة داخل المؤسسة العسكرية.. ذلك أنّ توقيع آلاف الجنود والمتقاعدين من وحدات النخبة عرائض تطالب بوقف الحرب وأولوية استعادة لأسرى، البالغ عددهم 59، وفقاً للتقارير الإسرائيلية.. ترافق مع تعرّض الحكومة الإسرائيلية إلى انتقادات واسعة بسبب استمرار تعنّتها في المفاوضات، لا سيما بعد ظهور فيديو لأسير “إسرائيلي” أثار غضب عائلات الأسرى.. الأمر الذي قد يجبر حكومة بنيامين نتنياهو على محاولة امتصاص هذه الضغوط من خلال السعي إلى التوصل الى صفقة جزئية، حتى لو لم تحقق هدفها الاستراتيجي بنزع سلاح المقاومة وإخراج قياداتها وكوادرها إلى خارج قطاع غزة.

لكن ما هي الاحتمالات المتوقعة والمرجحة؟

في هذا السياق يمكن رصد ثلاثة احتمالات:

الاحتمال الأول، استمرار الحرب المحدودة عبر مواصلة قوات الاحتلال عمليات عسكرية متقطعة، إلى جانب تشديد الحصار وذلك بهدف إضعاف قدرة حركات المقاومة على الصمود، مع تجنّب العودة إلى غزو شامل للقطاع تجنبا لتكبد خسائر وتكاليف بشرية وسياسية.

الاحتمال الثاني، الوصول إلى اتفاقية هدنة طويلة الأمد، من خلال توصل الأطراف المختلفة الى صفقة تبادل أسرى مقابل وقف إطلاق النار، مع ضمانات دولية لإعادة الإعمار، لكن دون حل جذري للصراع.

الاحتمال الثالث، تغيير السلطة في غزة، من خلال طرح إدارة فلسطينية تكنوقراط مدعومة عربياً، مع احتفاظ المقاومة بوجودها وسلاحها، لكن هذا الاحتمال قد لا توافق عليه الحكومة “الإسرائيلية” لغياب الإجماع عليه.

انطلاقاً مما تقدّم يمكن القول إنه رغم الضغط العسكري والحصار، لا تظهر حماس وبقية فصائل المقاومة ايّ ضعف او استعداد للتراجع عن التمسك بشروطها القاضية بوقف الحرب وانسحاب قوات الاحتلال بالكامل من قطاع غزة وإعادة الإعمار مقابل تبادل الأسرى، وهي لا تزال تعتمد استراتيجية الصمود والتفاوض من موقع القوة والاستعداد لمواجهة الاحتلال..

في المقابل تواجه حكومة نتنياهو معضلة في محاولتها تحقيق النصر المطلق وضغوط داخلية متزايدة لاستعادة الأسرى، والأعباء الكبيرة للحرب المتواصلة، ولهذا من المحتمل أن تكون التسوية المؤقتة، هي الخيار الأكثر ترجيحاً، خصوصاً إذا وصلت حكومة نتنياهو إلى طريق مسدود واشتدت الضغوط الداخلية في مواجهتها.