Beirut weather 21.41 ° C
تاريخ النشر August 17, 2023
A A A
آخر الفرص أمام لبنان في يد لودريان: لا حوار بل رئيس!
الكاتب: سابين عويس - النهار

في اول خطوة عملية يخطوها الموفد الرئاسي الفرنسي جان – إيف لودريان في اتجاه وضع مهمته حيّز التنفيذ، رسالة وجّهها الى الكتل النيابية والنواب المستقلين عبر السفارة الفرنسية في بيروت، يطرح فيها سؤالين محددين، متوقعاً أجوبة مصاغة “بدقة”، يصار الى عرضها في لقاء يزمع الدعوة اليه مطلع أيلول المقبل، تسبقه مشاورات ثنائية.

تفاوتت ردود فعل القوى السياسية بين الحذر والاعتراض على الرسالة شكلاً ومضموناً، علماً ان لودريان لم يخرج برسالته عما كان تشاور به مع الافرقاء اللبنانيين خلال زيارته لبيروت، وانما ذهب أبعد، في اتجاه دفع هؤلاء الى التزام مواقفهم خطياً، وربما هذا ما أزعج القوى المعترضة على الرسالة، ولا سيما منها المعارضة، فيما تعامل “حزب الله” بحذر معها كاشفاً انه ينتظر عودة المبعوث الفرنسي لاستيضاحه بعض النقاط.

بدا واضحاً من الرسالة والسؤالين الموجّهين الى النواب اللبنانيين سقف مهمة لودريان، فهي لا تذهب الى الدعوة الى حوار، كما جرى التسويق لها، وإن كانت في أولى مراحلها ترمي الى هذا الامر، إلا ان الأكيد اليوم هو ان المهمة تقتصر على لقاء يجمع الديبلوماسي الفرنسي بالنواب تحت عنوانين محددين بالسؤالين الموجهين مسبقاً لهما:

– ما هي المشاريع ذات الأولوية المتعلقة بولاية رئيس الجمهورية؟
– ما هي الصفات والكفاءات التي يجدر بالرئيس المستقبلي التحلي بها من اجل الاضطلاع بهذه المشاريع؟

هذان السؤالان يحصران عملياً مهمة لودريان باختيار “بروفيل” الرئيس تمهيداً لاسقاطه على المرشحين المحتملين. وهذا يعني ان لا طاولة حوار على اجندة الرجل، خصوصاً بعدما بينت مواقف شريحة كبيرة من القيادات اللبنانية، ولا سيما تلك التي تدور في الفلك المعارض لـ “حزب الله” ومحور الممانعة، رفضاً قاطعاً لأي حوار يهدف الى انتخاب مرشح الممانعة. وفي آخر المواقف من الدعوات الى الحوار ما غرّد به الرئيس السابق ميشال سليمان عرّاب “اعلان بعبدا”، وفيه ان أي حوار سيحصل لا يكتسب صدقيته الا اذا بدأ من حيث انتهت الحوارات السابقة وحازت مقرراتها اجماعا داخليا وتبنّيا امميا ودوليا.

لم يبقَ الكثير امام لودريان لتبيّن مصير مهمته: هل سيُكتب لها النجاح ام الفشل، لكن الأكيد ان هذه المهمة ستكون آخر الفرص المتاحة امام لبنان لإنهاء الشغور في موقع الرئاسة الأولى. وهو أشار الى ذلك صراحة في رسالته عندما ختمها بالقول متوجهًا الى النواب “انها الفرصة الأخيرة… التقطوها”.

مهمة لودريان قد تكون الأخيرة ايضا حتى بالنسبة الى فرنسا على هذا المستوى الرفيع نظراً الى ما يمثله الديبلوماسي الفرنسي من سيرة ذاتية وخبرة قبل ان ينتقل الى مهمة رئاسية أخرى. وهي تأتي غداة الاجتماع الخماسي الأخير في الدوحة، وان لم تكن بتكليف من الدول الخمس، لكنها حتماً تكمل مقررات الاجتماع وتصب في خانة المتابعة، سيما وانه لم تتخذ أي إجراءات عملية بعد بيان الدوحة. وهي حتماً ليست استكمالاً للمبادرة الفرنسية السابقة القائمة على معادلة سليمان فرنجيه – نواف سلام، والتي سقطت عملياً في اللحظة التي صدر فيها قرار تكليف لودريان.

لم تكن اليد الأميركية بعيدة في هذا المسار عن الدفع في اتجاه تخلّي باريس عن تلك المعادلة. صحيح ان ليس كل الخطوات منسقة بين العاصمتين الأميركية والفرنسية، على ما تقول مصادر ديبلوماسية غربية، لكن الأكيد ان واشنطن لم تتبنَّ تلك المعادلة، على قاعدة انها تسعى الى الابتعاد عن لعبة الأسماء، إذ ليس من واجب الدول ان تسمي. وتقول المصادر ممازحة انه لو عمدت واشنطن الى طرح اسم، فهي كمن يطبع قبلة الموت على وجنته! مشيرة الى ان العمل تمحور على البحث في مواصفات وبرنامج ومشروع وليس في اسم، انطلاقاً من ان التسمية هي مهمة لبنانية حصراً.

ولا تخفي المصادر انزعاجها من عدم قيام مجلس النواب بدوره في تشريع الأبواب امام النواب لممارسة دورهم الانتخابي، كاشفة ان المجتمع الدولي لن يستمر ساكتاً امام هذا التراخي الذي يؤثر سلباً على الشعب اللبناني ويقوّض أسس الاستقرار والسلام في البلاد.
من هنا، لا تستبعد تلك المصادر ان تترافق مهمة لودريان في الفترة الفاصلة عن موعد اللقاء في أيلول، مع رزمة عقوبات جديدة في حق “المعرقلين لمسار العملية الديموقراطية وانتخاب رئيس جديد للبلاد”.